ما يتوجب على المسلمين والمؤمنين في شهر رمضان هو أكثر مما يتوجب عليهم في غيره، ولهذا يتميز شهر رمضان عن بقية الشهور، وأيامه عن بقية الأيام، وساعاته عن بقية الساعات، ولعل كثرة الدعاء والتوجه لله عز وجل والتوسل به لكل ما يجلب الخير والبركة هي أول...
لما كان شهر رمضان شهر مميز عن الشهور الأخرى، فهو شهر أوجب الله فيه علينا -دون غيره من الأشهر- الصيام والامتناع عن تناول الطعام أو الشراب وغيره (يَا أَيُّهَـا الـذِيـْنَ آمَـنُوا كُـتِبَ عَـلَـيْـكُـمُ الـصِـيَامُ)، فان أعمالنا ونشاطاتنا في هذا الشهر ينبغي أن تكون مختلفة ومميزة أيضا.
ففي هذا الشهر؛ يهتم المسلمون بألوان الطعام والشراب في السفرة الرمضانية أكثر من وقت آخر، وفي هذا الشهر يخصص المسلمون وقتا إضافيا من وقتهم لمشاهدة المسلسلات والأفلام، سواء في النهار أو الليل. وفي هذا الشهر يقلب المسلمون الليل نهارا والنهار ليلا، فيكون النهار سباتا والليل معاشا، إذ يسهرون في الليل وينامون كل النهار أو جزء كبيرا منه، وفي هذا الشهر يلعب الشباب المسلمون ويلهون مع أصدقائنا في مختلف الألعاب الإلكترونية وغير الإلكترونية أكثر من أي شهر آخر، وفي هذا الشهر نكاد نعطل أعمالنا ونشاطاتنا الوظيفية والاجتماعية بالكامل، وذلك لإحياء مراسم شهر رمضان!!
هل بالفعل أن الله عز وجل لما أوجب علينا صيام شهر رمضان أراد منا أن نأكل ونشرب أكثر من أي وقت آخر؟ هل بالفعل أن الله عز وجل لما أوجب علينا صيام رمضان أراد منا نقضي ساعات شهر رمضان في اللعب والأحاديث والعلاقات الاجتماعية، ومشاهدة التلفاز؛ ومتابعة الأفلام والمسلسلات؟ هل بالفعل أن الله عز وجل لما أوجب علينا صيام شهر رمضان أراد منا أن نسهر في الليل وننام في النهار، ونقلل من نشاطاتنا الوظيفية والاجتماعية؟
أم أن فلسفة شهر رمضان عند الله هي غير فلسفتنا، وإرادة الله في شهر رمضان هي غير ما نقوم به من نشاطات وأعمال؟ وكيف يمكن لنا أن نحيي هذا الشهر على وفق ما أراد الله منا ليكون شهر رمضان مدخلا عريضا لجني السعادة في الدنيا، وبابا واسعا من أبواب الجنة في الآخرة؟
لا شك أن الصيام الذي فرضه الله على المؤمنين عموما وعلى المسلمين على وجه التحديد؛ هو وسيلة من وسائل إصلاح الإنسان وتهذيبه، مثل فرض الصلاة، وفرض الزكاة، وفرض الحج، وفرض بر الوالدين، وفرض الإحسان للآخرين، وغيرها. ولكل وسيلة مفروضة أفعال محددة تؤدي إلى تحقيقها، ففرض الصلاة على سبيل المثال لا يصح إلا بأفعال القيام والسجود والأذكار المتفق عليها بين المسلمين، فلا تصح الصلاة مثلا بان يمتنع المسلم عن الأكل والشرب، فيقول أنا صليت لأني أمتنعت عن الأكل والشرب، أو أنا صليت لأني تصدقت وهكذا، فان فرض الصوم لا يتحقق إلا بالإمساكِ عن الأكلِ والشُّربِ وسائِرِ المُفَطِّراتِ، مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ، فان ترك المسلم سائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس قيل عنه أنه صام، وإن لم يفعل لا يقال عنه أنه صام.
وفي الواقع أن المسلمين الصائمين يلتزمون بما أمر به الله من ترك المفطرات خلال الفترة المحددة، ولكن المشكلة التي تبرز بعد ذلك هي الإسراف في الطعام والشراب في رخصة الإفطار. فواضح أن أكثرية المسلمين يعتنون عناية خاصة بإعداد الطعام وتصنيفه، وتنويع السفرة الرمضانية إلى حد الإسراف والتبذير. ولا تقتصر هذه العادة على المسلمين العاديين، بل تنحو المساجد والحسينيات ومراكز العبادة هذا المنحى أيضا. وهذا يؤشر إلى مؤشرين سلبين: الأول، أن كثرة تناول الطعام في شهر رمضان أثناء الإفطار وما بعده لا تلائم فلسلفة الصيام، القائمة على أساس الامتناع عن الطعام وتوجه لعبادة الله، والثانية أن كثرة الطعام وتنوعه بعد ساعات من الجوع والعطش ستضر حتما بجسم الإنسان على الأقل تؤدي إلى السمنة المفرطة وما يرافقها من أعراض جانبية.
ومن فسلفة شهر رمضان هو التوجه لله عز وجل بأكثر مما يتوجه به الإنسان في الأيام والشهور العادية، فشهر رمضان شهر التقرب إلى الله والتودد له وزيادة طاعته، وهذه الأمور لا تتحقق إلا باستثمار أوقات وساعات شهر رمضان، فلا الإفراط الزائد في مشاهدة المسلسلات والأفلام في شهر رمضان، ولا اللعب واللهو وجلسات السمر ، ولا السهر الزائد عن حده في الليل، ولا تقليل الخدمات الاجتماعية التي نقدمها في غير شهر رمضان تؤدي إلى التقرب إلى الله وطاعته في هذا الشهر، بل هي في الواقع نشاطات تبعدنا عن الله وتحرمنا من مغفرة هذا الشهر الكريم، وتقلل نقاط نجاحنا، وتحرمنا من الفوز في هذا الشهر.
ليس المطلوب منا في شهر رمضان أن نسهر الليل كله، وأن ننام النهار كله أو بعضه، فهذه خلاف سنة الله وشرعه، ولابد أن نحيي النهار بالعبادة كما نحيي الليل بالعبادة، وعبادة الله في النهار هي في أداء أعمالنا ونشاطاتنا اليومية المعتادة، فمن كان موظفا حكوميا ذهب إلى وظيفته وأتقن عمله، ومن كان كاسبا ذهب إلى محله وأنجز مهماته على أحسن وجه، وهكذا كل إنسان ينبغي يقوم في شهر رمضان بما كان يقوم به في غيره، بل عليه أن يراع الله وينظر إليه في كل عمل يقوم به، فلا يكذب ولا يغش ولا يخدع، فمثل هذه الصفات ليست من صفات الصائمين والعابدين والمتقين.
ليست ثمة شك أن ما يتوجب على المسلمين والمؤمنين في شهر رمضان هو أكثر مما يتوجب عليهم في غيره، ولهذا يتميز شهر رمضان عن بقية الشهور، وأيامه عن بقية الأيام، وساعاته عن بقية الساعات، ولعل كثرة الدعاء والتوجه لله عز وجل والتوسل به لكل ما يجلب الخير والبركة هي أول وأهم الأعمال في شهر رمضان، وتقديم العون والمساعدة للفقراء والمساكين والمحتاجين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين هي أيضا من أهم العبادات الرمضانية التي ينبغي أن نوليها اهتماما خاصا.
اللَّهُمَّ هذا شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيْهِ القُرْآنَ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرْقانِ، وَهذا شَهْرُ الصِّيامِ، وَهذا شَهْرُ القِيامِ، وَهذا شَهْرُ الإنابَةِ، وَهذا شَهْرُ التَوبةِ، وَهذا شَهْرُ المَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَهذا شَهْرُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ وَالفَوْزِ بِالجَنَّةِ، وَهذا شَهْرٌ فِيْهِ لَيْلَةُ القَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
اضف تعليق