من أهم الومضات والبركات لشهر رمضان المبارك، أنه يهيأ النفوس والعقول ويوفر فيها الاستعداد التام للتغلب على بعض المشكلات التي تواجه الإنسان في حياته.. نستفيد من نفحات هذا الشهر المبارك في تعزيز البناء الأسري في مجتمعنا وزيادة أواصر العلاقة بين الأرحام، لأن في هذه الخطوات...
في الرؤية الإسلامية ثمة أزمنة ذات خصوصية دينية وثقافية وشعائرية، بحيث هناك توجيهات أو تشريعات خاصة بتلك اللحظة الزمنية.. ومن هذه الأزمنة شهر رمضان المبارك حيث أن له خصوصية دينية واجتماعية تصبغ حياة الصائم والمجتمعات الإسلامية خلال شهر كامل.. حيث تتبدل فيه الأولويات، وتتغير أو تتكيف فيه الأجندة اليومية..
ويبدو أن الأمكنة والأزمنة، تأخذ قداستها واحترامها من الأمور المعنوية المهمة التي تقع فيها.. وشهر رمضان أخذ قدسيته واحترامه بسبب ما حدث فيه من أمور عظيمة الأهمية منها: أن الباري عز وجل أوجب فيه الصيام وهو من فرائض الإسلام المهمة.. وفيه ليلة القدر التي نزل فيها القرآن الكريم، والتي يفرق فيها كل أمر حكيم.. وفيه حصلت معركة بدر الكبرى.. فهو من أهم الأزمنة وأفضلها..
إذ يقول تبارك وتعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه).. وكما جاء في المأثور أنه من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره، وقام وردا من ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغض بصره، وكف أذاه، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه..
وقد ميز الباري عز وجل هذا الشهر الكريم بنعم إلهية فريدة ومنها: أن الذنوب فيه مغفورة، والشياطين فيه مقيدة، ويكتب الله سبحانه وتعالى أنفاسنا فيه تسبيحا ونومنا عبادة، وإن الشقي من حرم غفران الله فيه.. وبما أن الصيام هو من واجبات هذا الشهر وفرائضه، فهو الذي يخلق الصفاء الروحي والنفسي، ويطور من إحساس الإنسان بالرقة والخشوع أمام الله سبحانه وتعالى..
أسوق كل هذه الكلمات المتعلقة بالأبعاد المعنوية والأخلاقية لشهر رمضان، لكي أوكد أن شهر رمضان وفق الرؤية الإسلامية هو مدرسة تربوية وأخلاقية متكاملة.. وأود في هذا السياق أن أذكر بعض الومضات المتعلقة بهذه المدرسة التربوية والأخلاقية في الأبعاد الاجتماعية والسلوكية وهي كالتالي:
1- على المستوى الأخلاقي فإن الرقة والرحمة للفقراء والمحتاجين، تداخل قلب الصائم بعد الذي يراه من ألم الجوع والعطش..
وإن الالتفات إلى الشرائح الفقيرة والمحتاجة ومد يد العون والدعم لهم، هو أحد تجليات هذا الشهر الكريم..
فرمضان هو شهر محاربة الفقر وليس الفقراء، وذلك بالعمل على إنهاء كل أسباب الفقر وموجباته المختلفة، فالصيام ينبغي أن لا يفتح شهيتنا لأكل كل ما لذ وطاب، وإنما ينبغي أن يفتح عقولنا وقلوبنا وأرواحنا لتحسس آلام المحتاجين والفقراء، والمبادرة إلى إنهاء معاناتهم..
لأن هذا الشهر في أبعاده الأخلاقية، هو شهر الانعتاق من الأنانية، وشهر صناعة الخير، ولا يصح في مجتمع يلتزم بفريضة الصيام دون أن يتحسس عبر مبادرات شخصية ومؤسسية لإنهاء معاناة الفقراء والمحتاجين..
2- قوة مجتمعنا وحصانته مرهون إلى حد بعيد إلى قوة أسرنا وتماسكها الداخلي.. فالمجتمع القوي هو الذي يتشكل من وحدات أسرية متماسكة ومتضامنة ومتعاونة.. أما المجتمع الضعيف فهو الذي يعاني تفككا أسريا وتغيب فيه العلاقة الإيجابية بين أطرافه الأسرية..
لهذا فإن الاهتمام بالبناء الأسري، وتحصين الأسر من التحديات المختلفة، هو من صميم الأعمال التي تساهم في قوة المجتمع وعزته..
ولعل من أهم الومضات والبركات لشهر رمضان المبارك، أنه يهيأ النفوس والعقول ويوفر فيها الاستعداد التام للتغلب على بعض المشكلات التي تواجه الإنسان في حياته..
فتعالوا جميعا نستفيد من نفحات هذا الشهر المبارك في تعزيز البناء الأسري في مجتمعنا وزيادة أواصر العلاقة بين الأرحام، لأن في هذه الخطوات عزة ومنعة لكل المجتمع.. لأن القوة الحقيقية في المجتمع من قوة البناء الأسري وقلة المشاكل التي تساهم في تفكيك الأواصر الأسرية..
وحري بنا جميعا أن نخطو خطوات ونقوم بمبادرات، تستهدف تقوية البناء الأسري في مجتمعنا.. فكما إننا بحاجة أن نتحسس حاجات الناس المادية، نحن بحاجة أيضا أن نتحسس حاجاتهم المعنوية والأخلاقية.. ولعل من أبرز هذه الحاجات، هو حاجة الإنسان رجلا أو امرأة إلى أسرة متحابة ومتضامنة ومتعاونة مع بعضها البعض..
3- ولكون شهر رمضان هو شهر البطولات والانتصارات، نحن بحاجة إن نستفيد من ومضات ونفحات هذا الشهر، للخروج من حالة الهزيمة النفسية التي قد تعيشها مجتمعاتنا العربية والإسلامية.. فمهما كانت الظروف والأحوال، ينبغي أن لا ننكفئ على أنفسنا أو نعيش في مربع اليأس والإحباط.. فشهر رمضان هو شهر تغيير المعادلات، وكسر حالة اليأس والقنوط والإحباط.. فما يعيشه الإنسان من مساوئ أو صعوبات، ليس نهاية المطاف، وإنما هو حلقة من حلقات الوجود الإنساني، وبإمكاننا أن ننهي هذه الحلقة بالعمل الصالح والصمود أمام محن الحياة المختلفة..
وإن الدرس الأساسي الذي ينبغي أن لا نتغافل عنه في شهر رمضان، هو أن الإنسان قادر بإرادته وعزيمته على التغلب على كل مشكلاته وأزماته.. وإن المطلوب دائما هو عدم الخضوع لحالة اليأس والإحباط.. فالإنسان اليائس يهزم نفسه بيأسه، والإنسان المحبط ينهي عناصر قوته الذاتية بإحباطه، وإن المطلوب ومن وحي شهر رمضان المبارك أن تبقى إرادتنا صلبة ونفسيتنا عالية، حتى لا تتمكن عناصر اليأس والإحباط من التسلل إلينا..
4- ولأن شهر رمضان هو مدرسة تربوية وأخلاقية متكاملة، وكما ينبغي أن نهتم بالآخرين وحاجاتهم ومتطلباتهم، من الضروري في هذا الشهر الكريم أن لا ينسى الإنسان نفسه.. فهو مناسبة لكي تتجه جهود كل واحد منا لإصلاح أوضاعه وسد ثغراته ومعالجة بعض عيوبه ويطور من علاقته بالخالق عز وجل..
فتعالوا جميعا نقرر أن لا ينتهي هذا الشهر المبارك، إلا ونحن قد تمكنا من تطوير ذواتنا ومعالجة بعض عيوبنا ونواقصنا.. فالإنسان القاطع رحمه بإمكانه أن ينهي حالة القطيعة مع أرحامه خلال هذا الشهر الكريم.. والإنسان البخيل بإمكانه أن يتعلم ويتدرب ويتربى على الكرم خلال هذا الشهر المبارك.. والإنسان الغافل عن عبادته، أو المستهتر بفرائضه، بإمكانه أن ينهي هذه الغفلة والاستهتار خلال هذا الشهر الكريم.. فهو شهر تتوفر فيه كل الفرص، لكي نربي ذواتنا على الخير بكل مجالاته ومستوياته..
فلا نغلق قلوبنا وعقولنا عن الخير والتغيير الإيجابي في حياتنا في شهر الخير..
وخلاصة القول: أن في شهر رمضان المبارك ومضات ونفحات ربانية، تربوية وأخلاقية واجتماعية وسلوكية، وإننا مطالبون مع صيامنا أن نفتح عقولنا وقلوبنا لهذه الومضات والنفحات، حتى يصبح شهر رمضان، هو شهر التغيير نحو الأفضل في كل مجالات حياتنا..
اضف تعليق