ان تجربة الفقد المؤلمة تتخذ عدة أشكال في حياة الإنسان، مثل الطلاق والانفصال عن شريك الحياة، أو موت قريب أو عزيز، أو عند إصابة الإنسان بمرض مزمن أو إعاقة دائمة، فإن شعور الفقد هذا من شأنه أن يسبب ألما حادا وإحساسا بالعجز، ويمزق حياة الإنسان، ويقلبها رأسا على عقب...
في حياتنا نتعرض الى امور تفزعنا وتجعلنا في حالة ذهول عجيبة، فقد لا نصدق ما يحصل معنا ونرفض الاقرار به وبكونه حصل بالفعل، ومن هذه المفزعات ان صح تعبيري هو فقدان انسان عزيز عليك بموت مفاجئ مثلاً، حصول حالة انفصال غير متوقعة، تخلي اهلك واحبابك عنك في وقت كنت تنتظر تدخلهم ووقوفهم معك، وغير ذلك من الامور غير المتوقعة والتي تسبب صدمة للانسان.
هذه السلوكية تعرف بـ (الانكار العاطفي) التي يحاولا بموجبها الانسان الرفض النفسي العاطفي لما حصل وهي محاولة لا شعورية تجعل الفرد المصاب بالصدمة يتصرف وكأنه لم يحصل معه شيئاً مما يثير الغرابة لدى المحيط الاجتماعي مما يقوم به، وفي حالات انكارية اخرى يكون الشخص المنكر للحدث الصادم واعياً لسلوكه هذا لكنه يغض الطرف عن الوضع الذي لا يشعره بالراحة ولو لوقت قصير.
يعرف الانكار العاطفي "على انه ردة فعل عاطفي للمرور بحدث أو سلسلة من الأحداث العصيبة، التي قد تكون حادثة ما أو التعرض للعنف المنزلي أو فقدان شخص مقرب أو كارثة طبيعية أو الحرب أو التعذيب، وهو عملية طبيعية نفصل بها أنفسنا عن تجربة مؤلمة أو ثقيلة على مشاعرنا، التي يمكنها فقط تحمل القليل، فقد يكون الإنكار إحدى الوسائل المتعددة التي يحاول بها دماغنا التكيف والتخفيف من حدة انهيار واقعنا أو الحمل الزائد علينا، لحمايتنا بعد الصدمة ومساعدتنا على المضي قدماً".
في هذا السياق تقول عضو الجمعية الأمريكية لعلم النفس الاستاذة (هدى حمدان) "أن تجربة الفقد المؤلمة تتخذ عدة أشكال في حياة الإنسان، مثل الطلاق والانفصال عن شريك الحياة، أو موت قريب أو عزيز، أو عند إصابة الإنسان بمرض مزمن أو إعاقة دائمة، فإن شعور الفقد هذا من شأنه أن يسبب ألما حادا وإحساسا بالعجز، ويمزق حياة الإنسان، ويقلبها رأسا على عقب، خصوصا أن هذه الصدمات خارجة عن سيطرتنا، ولا حول لنا فيها ولا قوة"، لذا نحن نمارس الانكار ونحن ربما مجبرون على ذلك.
على سبيل المثال يصل اتصال الى احدهم يعلم عبره بأن صديق المقرب توفي في حادث سير منذ دقائق لكنه يرفض تصديق الخبر ويتصرف وكأن الامر مزحة لا اكثر، وغير ذلك الكثير من الامثلة اليومية التي تصادفنا لاناس لم يفيقوا بعد من صدمتهم لهول ما حدث لهم.
علامات دالة
حين تظهر بعض العلامات على الانسان يعني بالضرورة انه يمارس انكار الصدمة ومن هذه العلامات منها تجنب الحديث في الأمر الذي هو اساس الصدمة فحين يدور حديث حول الموضوع تجد الشخص يبادر بتغيير دفة الحوار، كما يشعر بالانزعاج حين يسال عن الحادث ويحاول عدم الاجابة وتغير الحديث ايضاً.
ويمكن للإنكار العاطفي ان يبتعد عن دائرة المحيط المقرب للانسان ليدخل دائرة الانسان ذاته، اذا من الممكن ان يتضمن إنكار الشخص لمشكلة خطيرة تخصه هو، كإنكاره كونه مدمن على أحد العقاقير او المخدرات، او انه يحاول ان ينكر بأنه مصاب بمرض خطير مثل السرطان، الأمر الذي قد يدفعه إلى رفض العلاج مما يعرضه للخطر وربما الوصول الى نتائج وخيمة لا يحمد عقباها.
ويمارس الانسان عبر الانكار شكلا من اشكال الكبت او كبح جماح مايريد ان يبعده عن دائرة اهتمامه، فهو يحاول حظر الافكار المقلقة له وابعادها عن ذاكرته للتخلص من حالة التوتر التي تنتج من الضغوط المرتبطة بالتعامل مع الصدمات والخوف، والأشخاص الذين يلجؤون إلى الإنكار أن يدفعوا ثمن ذلك من طاقتهم النفسية اللازمة للحفاظ على حالة الإنكار هذه، مع رغبتهم في الحفاظ على هذه الطاقة النفسية له للبقاء في حالة توازن نفسي وعاطفي مهمين للحياة الانسانية.
اضف تعليق