هل قسوة القلوب مرض نفسي ام جلادة وشجاعة، وهل هي موروثة ام يكتسبها الانسان بيئته بفعل الظروف والمواقف الحياتية المؤلمة التي يمر بها والتي كونت صلابة لديه، وهل هي سلبية في جميع حالاتها ام لها من الايجابية شيء؟ علم النفس غالباً ما يضع القسوة بجانب...
حين كنت اسكن في القسم الداخلي (سكن الطلبة) في ايام دراستي للبكالوريوس تكونت لدي علاقات مع من معي في السكن آنذاك، واخذت العلاقة بالتطور يوماً بعد آخر، يرافق هذا التقارب خوفاً شديداً من الساعة التي ستفرقنا يوما ما، ربما يبدو الامر هيناً او عادياً لمن لم يمر بهذه التجربة غير ان الذين عاشوها يشعرون بما كنا نشعر به.
وعموماً جاء اليوم الذي نخافه وحانت لحظات الوداع ونحن تغطينا الحسرة والالم والدموع وكأننا نسير بجنازة احد عزيز علينا، وسط كل هذا رأيت احد زملائنا الذي لم يكترث للأمر ولم تدمع عينه وعلى محياه ابتسامة خفيفة وكأنه يستخف بعقولنا، سألته الم يهزك الموقف؟، اجاب انا اعترف لك بأني قاسي القلب لا اتأثر بمثل هذه المواقف.
من ذلك الحين وانا أتسائل في قرارة نفسي هل قسوة القلوب مرض نفسي ام جلادة وشجاعة، وهل هي موروثة ام يكتسبها الانسان بيئته بفعل الظروف والمواقف الحياتية المؤلمة التي يمر بها والتي كونت صلابة لديه، وهل هي سلبية في جميع حالاتها ام لها من الايجابية شيء؟
علم النفس غالباً ما يضع القسوة بجانب العدوان لكنه يفصل بينهما ويقول ان أحدهم لا يمكن ان يحل محل الآخر لكون العدوان ينتج من الخوف الجوع والدفاع عن الممتلكات وغيرها من الدوافع، اما القسوة فإنها تجسد حالة اللامبالاة التامة التي يظهرها الفرد تجاه مشاعر واحتياجات الآخرين، وهو عدم الاهتمام لأي احد ان يتأذى، أو يكون حزينًا، او متضايقاً بسببه.
احتماليات تكوينها لدى الانسان؟
يسود اعتقاد لدى الكثيرين ان القسوة هي ترجمة حرفية للحافظ على هيبة الانا لدى الانسان وابقاء تفردها عبر اظهار ممارسة السلطة على الاخرين، بينما يرى اخرون أن القسوة هي وسيلة للدفاع عن النفس حيث يتوقع حدوث ضربات محتملة لخصم أقوى، او منع الاقتراب سيما حين يكون الفرد الذي يمارسها ذا مال او تجارة، وبرأي الشخصي كل الاعتقادين منطقيين اميل الاول الاعتقاد الاول اكثر من الثاني كونه ذو جنبة نفسية.
وهناك احتمال بأن تعكس القسوة دائماً عدم الرضا عن النفس، أو مع مظاهر حياة المرء، وتجذب الآخرين إلى الحساب بدلاً من التغييرات من جانبهم، هذه سمة تخفي المشاكل الداخلية العميقة مثل الضعف المفرط والصدمات النفسية وهي محاولات لإظهار القوة، وهي ليست موجودة.
ولا نستبعد احتمالية ان يكون الشخص محروماً في مرحلة الطفولة من العطف، فينشأ لديه من الطفولة سلوك عنيف ينمو بقسوة، كما تمثل الرغبة في الانتقام من الألم، سبباً من أسباب القسوة، وهذا يحصل عندما يحترق الشخص داخلياً من بعض المشاعر المكبوتة.
في كل الاحوال تبقى القسوة غير محبذة ومرفوضة ولا تدلل على سلامة صاحبها نفسياً ولها من الرفض أكثر من المقبولية، وقول تعالى في وصف اصحاب القلوب القاسية دليل ابلج على رفضها حين قال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
اما عن اصلها فنعتقد انها مكتسبة اكثير من احتمالية كونها موروثة، بسبب الظروف المحيطة بالإنسان فحجم المصاعب والمشاكل الحياتية من ازمة السكن وصعوبة الحصول على فرصة تعليم لائق وصعوبة الحصول على العمل وتدهور الرعاية الصحية والنفسية والحروب وغيرها من الامور التي تجتمع لتجعل من الانسان قاسياً او قليل الاهتمام والانتباه لما يدور حوله.
هل للقسوة علاجات؟
حين تتحول القسوة في الانسان الى سلوكيات مؤذية لابد من اتخاذ طرقاً لكبح جماحها وحسب قوة الفعل الصادر عنها فمثلا يسجن الفرد الذي يؤذي الناس جسدياً، اما الذي يؤذونهم نفسياً فيفضل استخدام العلاج النفسي عبر العيادات المختصة في هذا الجانب.
ولا بأس بزج الانسان في وظيفة او فرصة عمل معينة تحرره من الحرمان ويفرغ فيها طاقته السلبية، ولتعديل عملية التنشئة لمنع تشكيله في الانسان اثراً على المجتمع بصورة عامة، اخيرا قد يجدي التحدث مع الشخص القاسي بصورة مباشرة وبلطف وهدوء في اعادته الى فطرته السليمة وهذا الذي نبتغيه.
اضف تعليق