عندما تدير دائرة او مؤسسة معينة ونتيجة لسوء تقدير ارتكبته بحق أحد موظفيها نتيجة لوشاية او ايصال اخبار كاذبة لتشويه صورته لإبعاده عن مكان معين او ايذاءه وبعد وهلة من الزمن تتقين بأنك قد ظلمت هذا الموظف فتبدأ بالتراجع عن معاقبته وتحاول ان تعوضه عن خسائره النفسية...
ليس لأحد منا نحن البشر ان يدعي انه معصوم من الخطأ او انه يدعي المثالية في التفكير والسلوك، فجميعنا يطالنا التسرع والغضب والتهور وتصدر عنا سلوكيات غير سوية نرفضها ونمتعض منها بعد ان تهدئ نفوسنا ومن ثم نحاول تصحيحها، ومن الطرق التي نتعامل بها مع اخطائنا او بعد ثورة غضبنا هي آلية (الإبطال) التي هي احدى حيل الدفاع اللاشعورية التي يحاول عبرها الانسان خفض التوتر عنه ودفع الضرر النفسي والشعور بالأمن.
الإبطال الية نفسية محور عملها هو محو اثر فعل غير سليم مهددة لأمن الفرد النفسي، وسميت إبطال لكونها تبطل مفعول شيء معين غير مريح نفسياً وتأتي بأثر نفسي اكثر راحة وامانا، وعمل هذه الآلية يتلخص في التراجع عن فعل او سلوكية محددة بفعل آخر او سلوكية مضادة لها، وكل ذلك يحصل من اجل لتخلص من الشعور بالذنب أو القلق المرافق له، وتعتبر هذه الحيلة (سحر سلبي) كما يصفها فرويد حيث يقدم به الفرد شيئاً معاكساً لما فعله أو فكر به وكان غير مقبول.
أول من وضع الأساس لمفهوم الدفاعات النفسية هو سيجومند فرويد التي تعتبر عمليات لاشعورية، تسعى لإيجاد حلول وسطى لمشكلات معقدة أو مشاعر مرفوضة، بغرض حماية الذات من خطر تهديدات الشعور بالقلق أو التوتر، والحفاظ على صورة الإنسان الذاتية ورؤيته لشخصه، وتوفير مأوى معنوي يختبئ فيه من موقف لا يستطيع التكيف معه حاليًا.
ربما الكثير منكم قرائنا الاكارم سمع عن التركيب النفسي للانسان الذي هو عبارة عن (الانا) التي تمثل الجانب الغريزي الشهواني و(الهو) التي تنتصف المسافة بين الشهوات والمثل ومن ثم ( الانا العليا) التي تمثل المبادئ والافكار المثالية، واساس لجوء الانسان الى هذه الآليات هو الصراع الذي يحدث بين الانا التي تدفع الانسان تلبية رغباته غير المشروعة بينما تحاول الانا العليا كبح جماح هذه الرغبات والغلبة ستكون في النهاية الى احد قطبي هاتين القوتين، وحتما ما يرجح كفة هذه القوة على تلك هو المبادئ والقيم والتربية والاخلاق.
الإبطال بالأمثلة:
حين تعاقب الأم طفلها وتشعر بالذنب نتيجة لذلك تحاول أن تتراجع أو تبطل ذلك العقاب عن طريق إغراقه بالقبلات والعطف والألعاب واخراجه في نزهة لتقليل الاثر النفسي ونيل رضاها كتكفير لما قامت به، ومثال آخر انك تدير دائرة او مؤسسة معينة ونتيجة سوء تقدير ارتكبته بحق احد موظفيها نتيجة لوشاية او ايصال اخبار كاذبة لتشويه صورته لإبعاده عن مكان معين او ايذاءه وبعد وهلة من الزمن تتقين بأنك قد ظلمت هذا الموظف فتبدأ بالتراجع عن معاقبته وتحاول ان تعوضه عن خسائره النفسية عبر ايفاده والاعتماد عليه وامتداحه في مواطن عديدة وغير ذلك من السلوكيات الدالة على الامتنان والشكر.
اليات الدفاع اللاشعورية وسائل هروب ام حماية؟
جميع آليات الدفاع او الوسائل الدفاعية هي عبارة عن استراتيجيات وحيل نفسية يستخدمها عقل الانسان الباطن لحماية الانسان من التوتر الناتج من الأفكار أو المشاعر المرفوضة وتسعى هذه الاستراتيجيات إلي إيجاد حلول وسط للمشكلات الشخصية بمعنى اعادة التوازن المفقود، كما نها تمكن الانسان من إيجاد حلول أكثر قبولا من الناحية الاجتماعية، وبالتالي تفيد هذه الدفاعات في حماية الذات من التهديد وليس هروباً بالمطلق.
ومما نود الاشارة له ان استخدام آليات الدفاع النفسية ليس عيباً او دلالة على نقص في الانسان حيث يمارسها الاشخاص الطبيعيون في مختلف مراحل حياتهم وفي مواقف مختلفة، لكن يمكن ان تصبح حالات مرضية حينما تتخذ عادة متكررة تؤدي الى صعوبات في التكيف والذي يتسبب بدوره في حالة نفسية أو جسدية سيئة بدل ات تحميه من التهديد والتوتر أو النظرة المجتمعية السيئة، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد مأوى أو ملجأ معنوي يحميه من الموقف الذي لا يستطيع مسايرته في الوقت الراهن.
في الختام ايها الاكارم انا شخصياً ارى ان آلية الإبطال التي هي احدى آليات الدفاع النفسية هي من نعم الله على الانسان كونها تشير وبالضرورة الى وجود الضمير الذي يحاسبه ويعاقبه ويجعله يعيد بعض حساباته لكي يصححها ويعيدها الى نصابها.
اضف تعليق