في زمن التملق والنفاق لم يعد الاستحقاق مرهونا بما يمتلك الانسان من كفاءة وسعة أفق ومهنية وتمكن في اختصاصه بقدر ما هو مرتبط بمدى إتقانك لأساليب التملق، والذي بفضله ستجد الكثير من التافهين وعديمي المبدأ في المقدمة على عكس غيرهم الذين يسلكون الطرق السوية...
للأسف اصبح مجتمعنا يرزح تحت سيطرة كم كبير من الامراض الاجتماعية ذات الاصول النفسية، وهذه الامراض هي السبب الذي ادى الى تدهور مستوى الوعي المجتمعي العام وبالتالي تركت اثار مؤذية على المجتمع، وايضاً تكون عائق في طريق الانتقال نحو الافضل، ولعل لسنا مبالغين ان قلنا ان الامراض المجتمعية صعبة العلاج بالمقارنة بالأمراض الجسدية لأن اصحابها لا يتعرفون بها او يدافعون عنها باستماته، وواحد من اكثر الامراض المجتمعية انتشارا هو مرض (التملق) او التزلف الذي ظلم الكثير من الناس واخذ حقهم مقابل تمتع اناس غيرهم بحقوق ليست من استحقاهم.
في زمن التملق والنفاق لم يعد الاستحقاق مرهونا بما يمتلك الانسان من كفاءة وسعة أفق ومهنية وتمكن في اختصاصه بقدر ما هو مرتبط بمدى إتقانك لأساليب التملق، والذي بفضله ستجد الكثير من التافهين وعديمي المبدأ في المقدمة على عكس غيرهم الذين يسلكون الطرق السوية، مما يعني أن المقامات الدنيوية لا سبيل لصعودها إلا بسلم التملق وفي القاعدة استثناء على نطاق ضيق جداً.
وباللهاث على تحقيق الغايات بطرق ملتوية يستبيح اللاهثون قداسة المبدأ وطهر القيم والاهم لديهم تحقيق المبتغى، فيتملق الطالب لأستاذه لتحسين درجة اختباره في مادة معينة، الموظف يتملق مديره للحصول على الترقيات والمكافئات والمميزات الوظيفية والجندي يتملق للضابط للحصول على اجازه وهكذا.
في حياتنا العامة وسيما الوظيفية نرى ان الكثير من الاشخاص اتخذوا من التملق طريقا لتحقيق غايات فردية وقد تكون من استحقاقه هي بالأصل غير المدير او المسؤول امتنع عن اعطاءها، وبالرغم من ان السائرون على طريق التملق طلباً لحوائجهم الا انهم يخسرون كرامتهم وانسانيتهم، وجراء التملق يعيش الانسان فقراً قيمياً والسبب في ذلك يعود الى امرين لا ثالث لهما اولهما ضياع العزة النفس وفقدانها لدى الكثير من الناس وبذا تغيب احدى اكبر القيم واثمنها حتى صارت سلوكاً طبيعياً في حياة الناس وكأنها امر طبيعي كما في زمن الجاهلية الاولى.
وثانيهما هو الرغبة في سماع المدح وتلميع الصور والمداهنة والمجاملات الفراغة الزائفة، فيصير بذلك متمسكا بكل من يتزلف له مع إدراكه التام لحقيقة من يتملق له، ولا يتقبل ذلك لكونه بلغ في السذاجة مبلغا وبات يسد النقص النفسي والعقد النفسية وتعويضها بما يقدم له بمائدة كاذبة خداعة.
حياة الانسان الطبيعي بدون صبر وكرامة تورثه الذل والهوان، ولعل هذا الوصف يظهر حقيقة من يقاوم ويكافح ويصابر ليصل إلى ما يطمح له مع الحفاظ على المبادئ الشريفة والقيم الأصيلة والفطرة السليمة التي فطر عليها الانسان دون اي ينقص من ذلك شيء، والمتمسك بالقيم الاخلاقية لا يسمح بأن تمس كرامته او ان يخنع لموجات الاخضاع التي تمارس في عالمنا الحالي، ولا يرضى أن يذل غيره ويعيش مهانا، ولا يقوى على التملق ولو كان في أمس الحاجة إليه للوصول به لما يبتغيه.
وحين يجرب الفرد التملق لأول مرة فأنه ينجر لممارستها في مرات كثيرة لاحقة فيغدو بلا عزة مطأطأ رأسه خاضعا لسيده، فيقتل في نفسه الشعور بالمهانة لحرصه على غرضه الشخصي، مما يعني ابتلاعه لكبريائه وقبوله الإهانة التي تمارس عليه، وبذلك هو على استعداد لتقبل وتحمل كل شيء والهدف رضا الصنم الذي يعبده، كل ذلك يجري لكي يحقق المكتسبات والإنجازات التي يراها ضرورية في الحياة او تلك الامتيازات التي يحلم بها بالرغم من أنه في الأصل غير مؤهل للظفر بها، ولا يستطيع نيلها إلا بالطرق غير المشروعة.
في الختام ايها الكرام نوصي بالابتعاد عن التملق مهما كانت نتائجه فالمقدر هو ما سيكون واقع حال ولا شيء يساوي جزء ولو بسيط من كرامة الانسان اذا انتهكت، ومن المهم ان يدرك الانسان ان التملق هو الطريق السريع للوصول لكن بنفس الوقت السقوط سيكون سريعاً نظرا لكونه بني على أشياء لا قيمة أخلاقية لها والافضل انتظار الاشياء ان تأتي في وقتها الطبيعي فلا داعي للاستعجال الذي يجعلك تسير في طرقات مظلمة.
اضف تعليق