التسامي هو الطريقة الفعالة لتحقيق الإشباع الجزئي والشعور بالأمان في الوقت ذاته، وعلى الرغم من ان عملية الاستبدال لا تجري كما نريد تماماً، غير انها ناجحة في تحقيق التوازن بدلاً من الصراع بين الحاجة إلى الإشباع والحاجة إلى الأمان دون حدوث أي اختلال في الوعي الإنساني...
في حياته يتعرض كل انسان فينا لعدة مواقف، او قد يواجه احدنا تجربة تسبب له قلقاً وخوفاً والماً نفسياً مما يحدو به الى اتباع احد الطريقين اما جلد ذاته ولومها في محاولة منه لإراحة نفسه من فعلته او يتجه صوب معالجة الموقف بالطرق العقلانية وتحمل الاذى او تجنبه بذكاء، ومن طرق تجنب ارهاق الذات هي بعض الوسائل الدفاعيّة اللاشعورية التي يحاول عبرها الفرد حماية ذاته من أي تهديد، وأحد أهم هذه الوسائل هي (التسامي) او الإعلاء وهو مصلح نفسي عميق سنخوض فيه ونتعرف على مزاياه واثاره على النفس وكيفية تحقيق التوازن والراحة النفسية.
يعرف التسامي على "انه حيلة دفاع تحويليّة يقوم فيها الإنسان بتحويل طاقته من ميادين لا يقبل بها المجتمع الي غايات سامية واغراض نبيلة، يسعى من خلالها الحصول على نظرة إيجابيّة من المجتمع ويحاول الحصول على التقدير والاحترام، ولأنه غير شعوري يعني انه فطرياً لدى الانسان فهو يظهر في سلوك الاطفال منذ طفولتهم الاولى ويستمر معهم حتى مراحل متأخرة من العمر".
بالتسامي يستطيع الانسان ان يعبر عن دوافعه وغرائزه بالصورة المقبولة مجتمعياً فعلى سبيل المثال حين يتعرض أحد الى موقف حياتي يجعله يستشيط غضباً بإمكانه تفريغ غضبه بممارسة اية عملية او جهد يمكن ان يكون قد عبّرَ عن نفسه وعن رغباته بطريقة مقبولة وغير عدوانيته. اطمئنان على عكس الذين لا يجيدون هذه المهارة فأنهم يلجئون الى الصراح واستعمال الآلات وغيرها في سبيل انهاء او تفريغ نوبة الغضب التي عصفت به.
كيف يتم التسامي؟
يتم التسامي بعدم تجاهل الصراعات الداخلية او اهمالها او كبتها او تحويل بوصلتها لأن التعامل معها على غير ذلك سيؤدي الى تعقيد الصراعات وزيادة انعكاساتها السلبية، والافضل هو السعي الى توظيف هذه الطاقة الناتجة من الاحتراق الداخلي في مجالات مفيدة، كما ان الشخوص ذوي الميول العنيفة الاجدر بهم وفق قاعدة التسامي ان يتجهون صوب لعب رياضة مثل الكاراتيه والمصارعة الرومانية والملاكمة للتنفيس المشاعر السلبية، ويرى المحللون النفسيون أن اكثر الأعمال الفنية والهندسية البارزة والخالدة حتى يومنا هذا هي نتاج تحويل الطاقة المنبعثة من الإحباط الناتج عن الفشل الى نتاج عظيم يشار اليه بالبنان والمديح.
ليس هذا فحسب بل المحلل النفسي لسير اصحاب الاعمال المشهورة يجدهم انهم انجزوا تلك الاعمال بعد فقدان الحب أو خيبة الأمل، فعبروا عن خذلانهم والمهم الداخلي بالإبداع فأنتهى بهم الخيال في الأعمال بتنفيذ ما عجز عنه المبتكرين الآخرين، وقول النفسيون ايضاً أن المشاهد العنيفة التي يشاهدها الانسان على التلفاز تقلل من الجرائم الحقيقة لأن ميول العنف يتم اخراجها أول بأول وبهذا يعد التسامي نجاحاً حقيقاً للانسان المجيد لاستخدامه.
يختلف التسامي في طرق التنفيذ بين الرجال والنساء، ولكل منهما تفضيلاته وميوله في هذه الحياة والتي من خلالها نستطيع تحويل الطاقة الكامنة بطرق مختلفة، فيمكن للمرأة تحويل الطاقة المتراكمة إلى العمل النشاط الإبداعي كالغزل او الرسم او التطريز او الطبخ، ممارسة الرياضة بأنواعها سيما التي تلعب باليد لأنها تخفف من العبئ النفسي او تفرغه، القيام بالواجبات المنزلية وتربية الطفل وتوفير احتياجاته المادية والنفسية، واذا كانت المرأة على قدر من الثقافة يمكنها ان تتسامى عن طريق الكتابة الابداعية الفنية.
اما التسامي لدى الرجال فيتحقق عبر النشاط المهني على اعتبار انهم يمارسون الانشطة المهنية والتجارية التي تحتاج الى قوة بدنية وهو ما يجعلهم موجهين لنشاطاتهم الروحية والجسدية بطريقة اكثر فائدة وواقعية، ثم ان توجههم نحو مجالات الابداع مثل النحت او تجسيد هواية معينة قريبة من انفسهم فالكثير من المبدعين تعاملوا مع الانتقادات المحبط لهم بالنجاح والاتيان بالمختلف الجميل الذي لا يمكن إلا للسادة الكبار القيام بها، ويتسامون ايضاً بممارسة هواية معينة كصيد الاسماك والسباحة والزراعة وغير ذلك من الاعمال التي تبدد الغضب.
ان التسامي ربما ليس هيناً لكنه الطريقة الفعالة الوحيدة لتحقيق الإشباع الجزئي والشعور بالأمان في الوقت ذاته، وعلى الرغم من ان عملية الاستبدال لا تجري كما نريد تماماً غير انها ناجحة في تحقيق التوازن بدلاً من الصراع بين الحاجة إلى الإشباع والحاجة إلى الأمان دون حدوث أي اختلال في الوعي الانساني.
اضف تعليق