q
هذه التصورات المختلفة والرؤية المبهمة هي عبارة عن استسقاط بصري وهي ظاهرة نفسية عرفت بـ(الباريدوليا) او (الفن الصخري)، تصيب الكثير من الناس وفي جميع اصقاع الارض وينتج عن هذا التصور البصري والسمعي استجابات سلوكية أو عصبية تنحدر من اعتقادات الانسان وميوله وتنعكس على سلوكياته وتصرفاته...

وهماً يسفر بعضنا اشياء على انها اشكال وصور لوجه مبتسم أو خريطة لبلد ما او البلاط وشقوق الجدران، واغصان الشجر وحتى القهوة وماشاكل ذلك، وهذه التصورات لا تماثل صورة الواقع بل هي مداد ما نفكر به او ما نحتاجه فقد يكون التخيل الدائم والاهتمام بموضوعة معينة يؤدي الى هذا التفسير غير المنطقي لهذه الصور الذهنية لكن تبقى في الحقيقة تكويناً غير واضح المعالم وكل منكما فسرها بحسب حالته النفسية وتحكمت به الأهواء والرغبات والظنون والخداع البصري.

هذه التصورات المختلفة والرؤية المبهمة هي عبارة عن استسقاط بصري وهي ظاهرة نفسية عرفت بـ(الباريدوليا) او (الفن الصخري)، تصيب الكثير من الناس وفي جميع اصقاع الارض وينتج عن هذا التصور البصري والسمعي استجابات سلوكية أو عصبية تنحدر من اعتقادات الانسان وميوله وتنعكس على سلوكياته وتصرفاته.

اطلاق هذا الاسم على الظاهرة اول مرة كان في عام (1958) من قبل (كونراد كلاوس) الذي فسر حصولها بأن الإنسان لديه ميل في البحث عن الظواهر الغير طبيعية و الخارقة عن طريق ربط أنماط عشوائية معاً عبر خيالات وهواجس وافكار.

العديد من الدراسات النفسية كشفت عن ان الظاهرة ترتبط بشبكة متخصصة في المناطق الخلفية والأمامية من الدماغ، وتؤدي إلى عملية المعالجة البصرية الوهمية، وبينت الدراسة كيفية تأثير الظاهرة هذه على الشخاص الذين يعانون منها عبر إعطائهم حرف مشوش او رموز او صور، ووجد الباحثون أنّ أكثر من 50% من الأشخاص تصوروا أنّ هذا الحرف هو هيئة وجه، وهذه الظاهرة تصيب الكثير من الأشخاص ولفئات عمرية مختلفة.

وقد ارتبط هذا الوهم بالجانب العقائدي فالكثير من الناس في مرحلة ما ادعوا رؤية رمزاً مقدساً على وجه القمر واخرين ادعوا رؤيتهم لصور اشخاص في اماكن معينة، ولعل مبرر هذا هو الخبرات الدفينة في ذاكرة الانسان حول الشخصية التي يفركون بها لذا يتم ترجمة ذلك على هذه الهيئة والمحصلة اوهام لا اساس لها من الصحة او المنطقية لكن من يستمع القول فيتبع احسنه؟

وللظاهرة ايضاً ارتباطاً بالحضارات القديمة كما حصل للبعثة التي كانت متجهة الى المريخ آنذاك حيث التقطت هذه البعثة صور فسروها فيما بعد على انها صورة تحمل هيئة وجه انسان مما يعني ان في المريخ بقايا حضارة قديمة، ويتعقد الكثير من الناس في سنغافورة أن الزوائد الخشبية أو الكالس على جذع أحد الأشجار هو تمثال للقرد او بعض الحيوانات التي اتخذها البعض منهم كآلهة.

هذه الظاهرة ان استمرت طويلاً لدى الانسان ستولد له مشكلة اخرى بالإضافة الى المشكلة ذاتها فهي تولد له اضطرابات في التعرف على الوجوه والاشياء الواقعية، وتدعى هذه بــ(عمى الوجوه) وتعني عدم القدرة على التعرف على الوجوه الجديدة، كما ترتفع امكانية الاصابة بطيف التوحد الذي يشمل صعوبات في قراءة المعلومات من وجوه الآخرين مثل حالتهم العاطفية.

يعتقد الكثير من علماء الفلسفة ان الظاهرة قديمة النشوء والتكوين وهي من ساعدت الانسان قديماً في تفسير الكثير من الامور الغيبية وبناء المعتقدات الدينية والتاريخية والقيمية عليها، غير انني شخصياً ليس لدي قناعة بما قاله هؤلاء العلماء لان تفسير الغيبيات امر مستحيل بالنسبة لنا كبشر.

من جهة اخرى جماعة من النفسيين ترى ان الـباريدوليا ليست مرضاً نفسياً بقدر ماهي سعة في الخيال يحصل عبرها الانسان على تفسيرات معينة وترتبط بالخوف والنزعات القبلية والدينية المتشنجة او المتحيزة يراد منها تفسيراً للحياة او هي الرغبة في الهروب من الواقع وهذه يمكن أن تصيب أي شخص ويمكن أن تكون مؤقتة أو دائمة بحسب استعداد الانسان لها نفسياً وما يتعد به من ثقافة ووعي.

اما الرسامون والشعراء يقولون انها صفة جمالية وهي هبة الله للانسان ترتبط بخياله ووظيفتها تجسيد الالوف من اللوحات الفنية والصور الشعرية التي نراها ونسمعها في واقعنا المعاش، ولا نعرف مدى صحة ما يدعون ولا نمتلك ما يدحض ادعائهم.

تخفيف اثر الظاهرة يكون عبر عدة استراتيجيات نذكر منها: الابتعاد قدر الامكان عن مجادلة الشخص المصاب كما من الاهمية بمكان عدم اشعاره بأنه مريض او ما شاكل ذلك، ويفضل التحدث الدائم اليه بلطف واقناعه بأن مثل هذه التصورات غير حقيقية مما يسهم في تغير قناعاته بالود واللين لان الاجبار سيولد لديه اصرار وعناد، ولابد من أن نحرص على إلهاء الشخص المصاب بأي نوع من أنواع الترفيه لكي تخرجه من حالته ونساعده على نسيان الأمر، هذه الاستراتيجيات قد تواجه بالرفض للوهلة الاولى لان الانسان مشبع بفكرة وجود الظاهرة كحقيقة ثابتة لكن بالتكرار سيكون لها استجابة كبيرة وسيحل ولو جزء من ازمة الانسان القابع تحت تأثيرها.

اضف تعليق