q
ما ان يحل فصل الصيف حتى يبدأ التحضير لمقارعة مقاتل عنيد يفتك بالإنسان ويعكر مزاجهم، ففصل الصيف الاكثر اثراً وتعباً وارهاقاً للنفس الانسانية من بين المواسم الاربع السنوية، والعلم الحديث يقول بوجود علاقة وطيدة بين حالة النفس من حيث اتزانها الانفعالي والمزاج في اعتداله واضطرابه وسلوك الإنسان...

ما ان يحل فصل الصيف حتى يبدأ التحضير لمقارعة مقاتل عنيد يفتك بالإنسان ويعكر مزاجهم، ففصل الصيف الاكثر اثراً وتعباً وارهاقاً للنفس الانسانية من بين المواسم الاربع السنوية، والعلم الحديث يقول بوجود علاقة وطيدة بين حالة النفس من حيث اتزانها الانفعالي والمزاج في اعتداله واضطرابه وسلوك الإنسان، فمع تصاعد درجات حرارة الصيف تحدث تغيرات بيولوجية في جسم الانسان ينتج من خلالها سلوكيات تختلف تماماً عن باقي ايام السنة.

دراسة نفسية اجريت عام 2011 اشارت الى ان اكثر الناس تعرضاً للإرهاق النفسي في فصل الصيف هم كبار السن وخاصة من تتعدى أعمارهم 65، ومرضى السمنة المفرطة والنساء الحوامل والاطفال الصغار و أصحاب الأمراض المزمنة، مثل داء السكري وارتفاع ضغط الدم، هذا في الوضع الطبيعي اما في العراق وبسبب الارتفاع المفرط درجات الحارة فان الشباب لم ينجوا من الوضع النفسي السيء ايضاً.

ويقول استاذ علم النفس الدكتور (احمد ابو العزايم) ان الانسان يعيش حالات هستيرية بمجرد بارتفاع في درجة حرارة الجسم تفقده صوابه وتركيزه وتسهل اثارته في المواقف الطبيعية التي لإيثار فيها في باقي الفصول الهادئة، ويشير الباحثون ان معظم حالات التشنجات والعصبية التي تؤدي الى القتل والتسليب والسرقة عادة ما ترتفع في فصل الصيف ما يعني أن هناك علاقة طردية بين العنف من حيث النوعية والكمية وبين درجة الحرارة من حيث الشدة والفترة الزمنية.

وفي ظل الحرارة المرتفعة تنخفض انتاجية الفرد وتنخفض قدرته على التعلم والاستيعاب اذا ان للحرارة تأثيراً على الأفكار والسلوك مؤدية إلى اضطراب المزاج والشعور بعدم الارتياح وصعوبة التحمل أو الصبر مما يؤدي إلى الاندفاعية في مواقف عابرة وطبيعية.

يقول الاطباء ان المرضى الذي يعانون من ارتفاع درجات حرارتهم تظهر لديهم اعراض امراض عقلية على هيئة هلاوس وتخاريف لكن حالتهم تعود للتحسن وتعود قواهم العقلية لما كانت عليه بمجرد انخفاض الحرارة، كما ان اعداد المرضى العقليين والنفسيين المترددين على المصحات النفسية ترتفع في شهور السنة التي تزيد فيها نسبة الرطوبة وترتفع درجة الحرارة.

ليس هذا فحسب بل ان ارتفاع درجات الحرارة يساعد على تنامي السلوكيات غير المنضبط وتكون معدلات هذه السلوكيات عالية، فينهار احدنا عصبياً بمجرد تأخر اشارة المرور او تأخر سيارة تسير امامه ويبدأ حينها باستخدام زمامير السيارات (الهورنات) ويصل الحال في بعض الحالات الى الضرب بالأيدي او غيرها من السلوكيات التي تدل على التهيج العصبي.

ويزيد الطقس الحار من استخدام العنف اللفظي اذا تمثل الالفاظ البذيئة من شكلاً من اشكال السلوك العدواني، ففي تقرير تلفزيوني اشير فيه ضمناً الى ان الصحفيون المتواجدون للتغطية الإعلامية للألعاب الأولمبية في بكين لعام 2008 كانوا قد استخدموا عبارات اكثر سلبية في الايام الحارة مما اثارة حنق واستياء بعض المشاركين في الدورة الأولمبية.

وتوصل باحثون في جامعة (نورث ويسترن) من خلال دراسة اجروها الى أن الأشخاص تحت درجات الحرارة العالية في فصل الصيف يصبحون أقل استعداداً وقابلية للتعاون والتعاطف مع اقرانهم بغض النظر عن الحاجة الماسة اليهم من عدمها وتقول الدراسة ذاتها أن معدلات مساعدة الآخرين انخفضت عندما ابتعدت درجات الحرارة عن الدرجة المثالية وهي 20 درجة مئوية سواء بالانخفاض أو الارتفاع.

ويؤثر الطقس الحار على مستوى الانتاج في العمل فكلما ارتفعت درجات الحرارة كلما قل قلة الانتاجية، اضافة الى تأثيرها ايضاً على تقبل الاخرين ومناقشة الامور بهدوء معهم لكن ذلك لم يحدث لتعرض الفرد الى اشعة شمس حارقة كما في العراق على سبيل المثال لا الحصر فمن المثبت ان ابتعدت درجة الحرارة عن المثالية أي حوالي 30 درجة مئوية فصاعداً كلما شعر الإنسان بعدم الارتياح.

وللإبداع نصيب من المعاناة مع فصل الصيف الملتهب حيث يتدنى الابداع فيه او ينعدم بفعل الارتفاع في الحرارة، فالإبداع ليس فعلا منفصلا عن الواقع بكل جزئياته وتفصيلاته، وبيئة كل انسان هي التي تؤثر في ابداعه، نجد مثلا الكثير من الكتاب يتذمرون من فصل الصيف معتبرين إياه غير مناسب للكتابة والإبداع لذا يفضل اكثرهم ان يجمعوا الافكار ويدونها للفترات الاكثر استقراراً من ناحية الطقس.

وقد يؤدي التعرض المستمر للجو الحار إلى تأثيرات أشد خطورة على الحالة النفسية مثل الإصابة بالأرق او الاصابة بقلق مزمن مجهد للانسان ونفسيته والاكتئاب هو الاخر ينشط في فترات الصيف الحارة كما يصاب قسم من الناس بالاضطراب العاطفي الموسمي.

تلك هي ابرز اثار الحرارة على المزاج الانساني اما عن كيفية التصدي لهذه الموجات النفسية فهي لازالت في عداد الغياب سيما في العراق الذي يفتقر مواطنيه الى ابسط ما يجعلهم سعداء فالمصيبة قائمة والله وحده هو المعين.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
الله يساعد الطلاب في المدارس والجامعات حيث ينتظر منهم التعلم والنجاح في الامتحانات في أشهر الصيف اللاهبة ولأول مرة في العراق، مصحوبة بضغوط واستفزازات ومنغصات لا تُعد. مع جزيل الشكر والتقدير للكاتب المبدع على هذا اثارة هذا الموضوع.2021-06-08