على الرغم من سهولة تعريف النرجسية وتحديد الملامح الدالة عليها إلا أنه من الصعب قياسها في الشخصية الانسانية ولماذا ترتفع في فرد وتنخفض عند اخر، والتعقيد ربما في القياس سيقعد في عملية العلاج وتخفيف الاثار التي تتركها، اعراض هذا المرض تشرع بالظهور عند مرحلة البلوغ المبكر...
لا يتعاطفون مع الاخرين الا ما ندر، دائماً ما يرون أنفسهم الافضل، ليس لديهم قدرة عالية على التحكم في مشاعرهم، كما أنهم يجدون صعوبة في تحمل النقد أو يجنحون الى الهزيمة حين يواجهون امر يستدعي التقرير، وعادة ما يوصف هؤلاء الاشخاص بأنهم مغرورين او متغطرسين وهذا الوصف غير دقيق، والادق هو انهم يعانون من مشكلة نفسية تدعى (اضطراب الشخصية النرجسية).
هذا الداء يصيب1% إلى 2% من اجمالي الناس على وجه المعمورة سيما عند الرجال اكثر من النساء وتقتصر بدايته على البالغين دون سواهم ويمكن ان يكون ملازم لكل المراحل العمرية لكن بنسب مختلفة، ويعد هذا الامر طبيعي لكون كل مرحلة تختلف عن باقي المراحل العمرية الاخرى من حيث معطياتها وخصائصها.
على الرغم من سهولة تعريف النرجسية وتحديد الملامح الدالة عليها إلا أنه من الصعب قياسها في الشخصية الانسانية ولماذا ترتفع في فرد وتنخفض عند اخر، والتعقيد ربما في القياس سيقعد في عملية العلاج وتخفيف الاثار التي تتركها.
اعراض هذا المرض تشرع بالظهور عند مرحلة البلوغ المبكر وتبدو علاماته جليةً في العلاقات الاجتماعية ومجالات لعمل والدراسة وجميع الاماكن التي فيها تكتلات بشرية لان هذه التكتلات تسهل عملية الاستعراض التي هي الاخرى سمة مميزة لهؤلاء النرجسيون.
المصابون بهذا الاضطراب يحاولون جذب اهتمام من حولهم، ويعتقدون انهم يحتاجون معاملة لاتشبه معاملة الناس العاديين، مبررين ذلك بامتلاكهم ما يوجب ذلك الاعتناء والتمييز وكأنهم خلقوا من طين ليس ككل الطين الذي خلق منه البشر.
المختصون في علم النفس يفيدون بأن المصابين بالشخصية النرجسية يسعون باستمرار للارتباط بأشخاص موهوبين او ذوي شأن في كافة المجالات، لان ذلك الارتباط بحسب اعتقادهم يعزز من احترامهم في المجتمع، او حتى يضمنون بقائهم داخل دائرة الاعجاب والاهتمام.
يتصرف النرجسيون بأنانية وقد يتخذون قرارات غير اخلاقية ارضاءً لنفسياتهم، ومع كونهم هادئين لكن يسهل تهديدهم واستفزاهم وإهانتهم، وغالبيتهم مخادعين او غير مخلصين، وعندما يتحدّى أحد نظرتهم الوردية لأنفسهم، فمن الطبيعي ان يتحولون الى عدوانين وممتعضين، وهم لا يشعرون بانحراف سلوكياتهم لكن الناس حولهم يعانون وهذا هو الجانب المظلم للنرجسية.
احدى الدراسات النفسية اوضحت ان النرجسيين يتعرضون الى الانتقاد على نشوزهم في طريقة التفكير والتعامل وحتى النظرة الى الناس مما يجعل غضبهم من الانتقاد يبرر لهم عزلتهم عن المجتمع، فغالبا ما يؤدي الإحساس المفرط بالتميز وتجاهل النقد إلى اضطراب العلاقة بالآخرين.
ومع كونهم يمتلكون مهارات ومؤهلات قد تميزهم فعلاً فإن لسلوكهم تأثيراً سلبياً على تميزهم، وذهب الباحثون إلى حد الربط بين الاضطراب وتعاطي المخدرات، والقلق المفرط.
وفي مفارقة تكاد تكون مقنعة سيما من وجهة نظر الباحثون النفسيون حيث يشيرون إلى وجود سمات نرجسية في سن المراهقة لا يعني بالضرورة أن الشخص سيكون لديه اضطراب الشخصية النرجسية وهذا ما اردنا التنويه له .
وسائل التواصل الاجتماعي تشجع السلوك النرجسي، فحين تلقي نظري على ما يجري في هذه الوسائل يتعزز الاعتقاد بأن (النرجسية الرقمية) ان جاز تسمتها بهذه التسمية غزت العالم، ولعل الانتشار الكبير لصور السيلفي هو احد مظاهر النرجسية سابقة الذكر.
هل تحمل النرجسية ايجابيات؟
قام باحثون في جامعة (كوينز) بمدينة بلفاست البريطانية بدراسة حول النرجسية حيث أجريت على 700 شخص بالغ قالت: أن هؤلاء الأشخاص يكونوا أكثر سعادة من الناس العاديين حيث انهم يمتازون بقدرتهم على ان يستفزون الآخرين لكنهم أقل عرضة للتوتر أو الاكتئاب رغم عصبية بعضهم وتعصبهم.
كما تضيف ذات الدراسة ان النرجسيين اقل اجهاداً لأنفسهم، وإحساسهم المتزايد بأهميتهم تعتبر صفات "وقائية" أمام الشعور بأن الحياة مرهقة ورغم أبعاد النرجسية ليست جميعها جيدة بالطبع، إلا أن جوانب معينة يمكن أن تؤدي إلى نتائج "إيجابية.
رغم ان الاسباب التي تساهم في اضطراب الشخصية غير واضحة بصورة كبيرة، لكن يقول النفسيون اضطراب الشخصية النرجسية يرتبط بعدة نقاط وهي: اولا طريقة التربية حيث يؤدي عدم التوافق في العلاقات بين الوالدين والابناء سواء اكان اعجاب ومديح مفرط او توبيخ او انتقاد مفرط بما لا يتوافق بالقدر المناسب مع خبرة الطفل مما قد يجعل الطفل نرجسي وتستمر معه نرجسيته حتى مراحل عمره المتأخرة.
والعوامل الوراثية هي ايضاً من تسبب في اصابة الانسان بأضطراب النرجسية، في هذا المعنى اوضحت دراسة اجريت على التوائم وجود عامل جيني قوي تجعل الفرد يصاب بالفرد وهذا ما يبرهن اصابة احد التوأمين بالاضطراب وسلامة الاخر.
كما ان تدليل الطفل من قبل الابوين ربما بقصد اعلاء شأنه ورفعته لكن ذلك يعزز النرجسية لديه وهذه ايضاً من طرق التربية الخاطئة التي يتبناها الوالدين جهلاً.
اما العلاجات فتكمن في اقناع المصاب بأن سلوكياته غير منضبطة ولابد من معالجتها وحين يتمكن المعالج الى اقناع المصاب بأنه مصاب فأنه وصل الى نصف العلاج.
كما يجب ان يبتعد الوالدين ان التدليل المفرط الذي يجعل من الطفل مميز لنفسه عن الاخرين مما يجعله يصاب بالغرور وبالتالي الابتعاد عن الناس وتلك جريمة ترتكب بحق الطفل.
وعلى الوالدين ايضاً غرس مجموعة قيم في الطفل اولها ان حين يمنح الانسان مزايا لا يعني انه لديه ما يبرر غطرسته على المجتمع بل يجب ان يرعى نعمة تميزه بالشكر والبساطة وخدمة المجتمع.
وفي الختام نقول: السار في الموضوع ان النرجسية يمكن ان ينخفض مستواها مع تقدم العمر، لذا أن كبار السن أقل نرجسية من الشباب، مما يعيد الامل في تقليص مساحة هذا المرض الملعون شيئاً فشيئاً.
اضف تعليق