q

يشير العلماء الى وجود نوعين من الوجود في حياة الانسان؛ الاول: الوجود العيني، والآخر: الوجود الذهني؛ فالوجود العيني يتحقق بما يدركه الانسان من حواسه الخمس، وهو ما يسميه البعض بالوجود المادّي، أما الوجود الذهني فهو يتحقق على شكل صور تطبع في الأذهان ليس لها رصيد في الواقع الخارجي.

وما يزال الجدل يثور بين من يدّعي الأسبقية للعامل المادي في آلية حركة الانسان، بينما يؤكد آخرون على أن العامل المعنوي وما يحمله الذهن من تصورات واعتقادات، هو الذي يحرك الانسان في الاتجاهات المختلفة، ورغم ضغوط دعاة المادية بتحكيم هذه الرؤية في الحياة، بيد أن العلماء أكدوا بالضرس القاطع أن العامل الذهني هو المحرك الرئيس لما يفكر ويقوم به الانسان، فهنالك الكثير من الحقائق الملموسة في الحياة لا يتخذ الانسان إزاءها موقفاً بسبب جهله بوجودها، وربما تكون احياناً خطيرة على حياته، مثل بداية نشوء مرض السرطان في الجسم، فلا يعلم به إلا في الوقت الذي يكون فيه على حافة الموت.

وكما أن العلم بالمرض الذي ينشأ في أعماق جسم الانسان من شأنه الحفاظ على الصحة البدنية، فان العلم بالامراض الروحية والنفسية والاجتماعية من شأنها الحفاظ على سلامة القلب والاخلاق والنظام العام في المجتمع بأسره، وهذا ما يؤشر اليه العلماء بدعوتهم الى "الكلمة الطيبة" التي تدعو الناس الى فعل الخير وقول الحق والاحتكام الى القيم والمبادئ، ولعل هذا يفسّر بدقة معنى الحديث الشريف: "الكلمة الطيبة صدقة"، أي انها تمثل مساعدة معنوية لها مدخلية في جوانب عدّة في الحياة، وليس فقط كالصدقة التي تعطى الى الفقير فيسدّ به جوعه او يوفر لنفسه بعض الاحتياجات البسيطة.

إن القيم والمفاهيم تبقى حبيسة الكتب ما لم تتحول الى صور ذهنية حيّة ومن ثمّ تتحول الى مصاديق على ارض الواقع، مثال ذلك؛ قضية الحجاب والملابس المحتشمة التي يدعو اليها العلماء والخطباء، فهي تصبّ في مصلحة الفتاة والمرأة بالدرجة الاولى، كما نعتقد، بيد أن هذا الاعتقاد يجب ان يكون حاضراً في اذهان بنات حواء ليدركن أهمية الامر لا أن يكون مجرد سماع للموعظة والأوامر والنواهي، ولعل هذا ما يجعل قدراً كبيراً من الخطاب في هذا الاتجاه لا يحظى بالتفاعل لعدم إدراك المساوئ والمخاطر الناجمة من عدم الالتزام الصحيح بالحجاب، والمشكلة احياناً تكون في الجانب الآخر، كما يمكن ان تكون في صاحب الخطاب والمخاطب معاً.

هذه الكلمة الطيبة يمكن ان نجدها، ليس فقط من المنابر ومن المنشورات والمطبوعات، وإنما من القنوات الفضائية ذات الحضور والانتشار الواسع داخل البيوت وبين افراد العائلة، على أنه يعد اليوم الوسيلة الاعلامية الاكثر تحفظاً قياساً بما يحمله الانترنت من مواقع تواصل اجتماعي، فالبرامج الخاصة بالطفل وربة البيت والفتاة والشباب وغيرهم من شرائح المجتمع، من شأنها ان ترسم خارطة طريق ذهنية – إن صحت العبارة- تدفع بصاحبها لاختيار نمط معين في الحياة، وهذا ما نلاحظه اليوم بشكل واضح، فإن كانت الكلمة طيبة فانها تقود نحو الزواج الناجح ونحو تعميق أواصر الألفة والمحبة بين افراد الأسرة، وايضاً الحثّ على طلب العلم والتفوق والتنافس على البر والتقوى، وغيرها من الجوانب الايجابية، والعكس بالعكس قطعاً.

وطالما أكد العلماء على تأثير الكلمة على الصغار والشباب تحديداً لما يحظون بقاعدة ذهنية شفافة ومشاعر مرهفة تستقبل الكلام الصادر على شكل برنامج حواري أو مجلس حسيني او حوار أو أي مادة إعلامية اخرى، ثم تحوله الى قناعات وحتى الى إيمان عميق ومطلق، فاذا كان بالاتجاه الايجابي كان فيه سلامة الأسرة والمجتمع، وأما اذا كان في الاتجاه السلبي المثير للغرائز والنزعات النفسية، فانه سيخلق لغماً كبيراً وسط المجتمع، وليس فقط الأسرة ربما ينفجر في العاجل او الآجل.

اضف تعليق