q

(رويترز) - في يونيو حزيران 2014 فُصل طالب الهندسة محمد بدوي البالغ من العمر 23 عاما من جامعة القاهرة، وقالت الجامعة إنها فصلته لأنه أعاق العملية التعليمية ولمشاركته في أعمال شغب وتدمير في احتجاج على حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقال بدوي إنه فصل لأنه احتج على الحكومة وأيد جماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها الحكومة المصرية باعتبارها جماعة إرهابية، وقال إن الأجهزة الأمنية داهمت منزله عدة مرات. وأضاف أنه دفع مبلغا من المال لمهربين لتهريبه إلى خارج البلاد خوفا على حياته وحرصا على مواصلة دراسته، ولم يكن رد فعله غريبا. فقد ركز مقتل الباحث الايطالي جوليو ريجيني الاهتمام من جديد على ممارسات وحشية في صفوف الشرطة في مصر. وقال ما يقرب من عشرة طلبة مصريين لرويترز إنهم تعرضوا للاستهداف على مدى السنوات الثلاث الأخيرة ويواجهون عنفا ومضايقات على أيدي قوات الأمن بانتظام.

وكان ريجيني (28 عاما) اختفى في القاهرة في 25 يناير كانون الثاني. وعثر على جثته ملقاة في حفرة على أطراف العاصمة المصرية في الثالث من فبراير شباط وعليها آثار تعذيب شديد تقول جماعات لحقوق الانسان إنها تشير إلى أن أفرادا من الشرطة أو أجهزة الأمن ربما تكون متورطة فيه، وقال مسؤولون بالمخابرات المصرية ومصادر بالشرطة لرويترز إن الشرطة احتجزت ريجيني في اليوم الذي اختفى فيه ثم نقلته إلى مجمع للأمن الوطني. وتنفي الشرطة ووزارة الداخلية تورطهما وتقولان إنهما لم تعتقلا ريجيني.

وتقول جماعات حقوقية وطلبة إن الجامعات المصرية في عهد السيسي لاحقت الطلبة فسمحت بمرابطة عشرات من قوات الأمن في حرم الجامعات وفصلت المئات من الطلبة الذين يشتبه أنهم من المتشددين الإسلاميين وتعرض كثيرون للتعذيب أو انتهاك حقوقهم بعد القبض عليهم، ويسلم بعض من اعتقلوا أنهم يؤيدون الإخوان المسلمين أو حتى ينتمون للجماعة وأنهم شاركوا في احتجاجات تحولت في بعض الأحيان إلى العنف. لكنهم يقولون إن هذه الاحتجاجات كانت في كثير من الأحيان رد فعل لانتهاكات قوات الأمن.

وذكرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير وهي منظمة أهلية من المحامين والباحثين تقول إن لها مراسلين في أغلب الجامعات أن 20 طالبا قتلوا على أيدي قوات الأمن في حرم جامعات سواء أثناء مشاركتهم في احتجاجات أو تواجدهم قرب احتجاجات. ولم تستطع رويترز التحقق من صحة ذلك.

كما قالت المؤسسة إن أكثر من 790 طالبا ألقي القبض عليهم لأسباب أهمها احتجاجهم على الحكومة. وأحيل 89 طالبا على الأقل منهم إلى محاكم عسكرية وصدرت على البعض أحكام بالإعدام أو السجن المؤبد، ويقول مسؤولون من أكبر جامعتين في مصر إن ما لا يقل عن 819 طالبا من بين حوالي 700 ألف طالب فصلوا من الجامعتين منذ عام 2013 الذي أطاح فيه السيسي بحكم الإخوان المسلمين. وقال المسؤولون إن الطلبة فصلوا بسبب استخدام العنف ومخالفة القانون. ولم تستطع رويترز التحقق من صحة هذه الأرقام من مصدر مستقل، ويقول قضاة ومسؤولون بالجامعات ومحامون كبار إن عدد حالات الفصل في السنوات السابقة كان صغيرا، وامتنع مسؤول بوزارة الداخلية عن التعقيب على الاتهامات العامة وقال إنه لا يمكنه الرد سوى على حالات بعينها. وكان السيسي وصف الجماعات الاسلامية ومن بينها الإخوان بأنها خطر وجودي على مصر والعالم العربي وعلى الغرب.

وقال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لرويترز إن أغلب الطلبة المسجونين "متهمون بالانضمام إلى تنظيمات إرهابية أو التحريض على العنف"، وأضاف "لا يوجد تعذيب في أقسام الشرطة أو أي مكان احتجاز. أي واقعة تحدث تكون فردية"، ويقول رؤساء الجامعات أيضا إنه لا توجد حملة على الطلبة. وقال رئيس إحدى الجامعات إن طلبته تتاح لهم فرصة ثانية إذا اعتذروا عما بدر منهم من احتجاجات وما ارتكبوه من عنف.

وقال محمد ناجي الباحث في مؤسسة حرية الفكر والتعبير إن من الواضح أن ثمة جهد منسق لملاحقة الطلبة، وأضاف ناجي "هذا هو أسوأ عهد للطلبة. لم يحدث من قبل أن فصل مئات الطلبة من الجامعات. ولم يكن التعامل مع الطلبة بهذه القسوة"، وقد ألقي القبض على ناجي نفسه في 25 ابريل نيسان لمشاركته في احتجاج مناهض للحكومة حسبما قال محاميه. وفي 14 مايو أيار حكمت محكمة عليه بالسجن خمس سنوات وتغريمه 100 ألف جنيه (11261 دولارا). وبعد عشرة أيام ألغت محكمة استئناف حكم السجن وأبقت على الغرامة، وقال بدوي طالب الهندسة إنه قرر الهرب من مصر خوفا من أن يكون السجن مصيره فسافر خمسة أيام في صندوق شاحنة بيك أب خلال عواصف رملية شديدة واجتاز خلالها مواقع حرس الحدود المسلحين، وأضاف أنه بعد أسبوعين من وصوله إلى العاصمة السودانية الخرطوم طار إلى تركيا حيث تم قيده في إحدى الجامعات بجنوب البلاد. ويواجه بدوي تحديات جديدة منها مشاكل مالية ومشاكل اللغة لكنه قال إنه يشعر هو وأربعة آخرون هرب معهم بالأمان رغم قلقهم على مستقبلهم، وقال خلال مكالمة هاتفية "اللحظة التي عبرنا فيها الحدود وشعرنا بالأمان سجدنا لله شكرا"، وفي الأيام الأخيرة أصدر قضاة أحكاما بعودة عشرات الطلبة ومنهم بدوي إلى جامعاتهم، وقال بدوي من تركيا "مش فرحان خالص راجع بعد سنتين واللي فصلني لسه مكانه ومش هيعتذر عن عمري اللي راح"، وبعد مرور عامين على فصله يقول إنه يشعر بالغضب لضياع سنتين من عمره وما فاته من تعليم.

العودة إلى حرم الجامعة

بدأ تضييق الخناق على الطلبة بعد فترة غير طويلة من عزل السيسي للرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو تموز عام 2013 في أعقاب خروج الملايين في مظاهرات احتجاج على حكمه، وصنفت الحكومة الجديدة جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية وهو وصف ترفضه الجماعة. وبدأت أيضا أشرس حملة على الاسلاميين في تاريخ مصر الحديث فقتلت قوات الأمن المئات من أنصار مرسي في فض اعتصامين بالقاهرة. وتم اعتقال آلاف غيرهم من بينهم أصحاب توجهات ليبرالية.

وكان حرم الجامعات من بين الأهداف الرئيسية لتلك الحملة. وفي فبراير شباط 2014 عدلت الحكومة القانون لتمنح رؤساء الجامعات سلطة فصل الطلبة دون إنذار أو تحقيق، وفي يونيو حزيران من ذلك العام وبعد حوالي شهر من انتخاب السيسي رئيسا للبلاد ألغى الانتخابات لشغل المناصب الجامعية وأعاد للحكومة سلطة تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات. كما سمح بعودة قوات الأمن التي كان قد فرض حظر على دخولها حرم الجامعات في أعقاب انتفاضة عام 2011 التي أدت إلى انتخاب مرسي رئيسا.

وقال جابر نصار رئيس جامعة القاهرة الذي ساهم في صياغة بعض التعديلات إنها كانت ضرورية لمنح القيادات الجامعية السلطة "لفصل الطلبة الذين يشتركون في العنف بطريقة سريعة" والتصدي للعنف "بسيف القانون" و"بدون تحقيق إذا أخطرناهم ولم يحضروا".

قرارات فصل

والفصل من الجامعة مشكلة كبيرة في مصر. فالشهادة الجامعية تمثل عنوانا مهما للمكانة الاجتماعية وبمجرد الفصل لا يصبح أمام الطلبة فرصة تذكر للدراسة في مكان آخر. وفي يناير كانون الثاني 2014 حظر المجلس الأعلى للجامعات التابع للحكومة على الجامعات الخاصة قبول الطلبة المفصولين من جامعات أخرى.

ويقول كثير من الطلبة الذين فصلوا إن مصر لا تسمح لهم بالسفر لمتابعة تعليمهم في الخارج لأن لهم سجلات جنائية إما تتصل بقرارات الفصل أو لمشاركتهم في الاحتجاج على الحكومة. ولا يسمح للشباب بمغادرة البلاد دون إتمام الخدمة العسكرية أو الحصول على إعفاء رسمي منها. وهذا ما يدفع البعض من أمثال بدوي للهرب سرا.

وقال المسؤول الكبير بالشرطة إن أغلب الطلبة الموجودين الآن في السجون كانوا يدرسون في جامعتي الأزهر والقاهرة، وقد فصلت جامعة الأزهر وحدها 419 طالبا في العامين الأخيرين أغلبهم للمشاركة في احتجاجات على الحكومة وفقا لما قاله حسام شاكر المتحدث باسمها. وأضاف أن قرارات الفصل عادلة وليست جزءا من أي حملة حكومية.

وقال المتحدث "كل السبل معطاة للطالب لإثبات براءته ...الجامعة لا تبحث عن إدانة الطالب" مضيفا أن البعض فصل لمخالفته قانونا يحظر الاحتجاجات، وقال طالب كان يدرس بجامعة الأزهر عمره 20 عاما إنه فصل بعد أن قاد احتجاجات على الحكومة. وأضاف أنه ضرب عميد إحدى الكليات وصفه بأنه ابن عاهرة لمشاركته في مظاهرات تأييد للإخوان المسلمين وحاول منعه من آداء امتحان نهاية العام، وأضاف أنه بعد إشعال النار في سيارتين من سيارات الشرطة انتهى به الحال إلى قسم الشرطة ومبنى تابع للأمن الوطني. ولم يوضح الطالب شخصية العميد ولم تستطع رويترز الحصول على تعليق منه.

وقال الطالب الذي وصف نفسه بأنه متعاطف مع الإخوان المسلمين إنه تعرض لصدمات كهربائية والتعليق من قدميه وذراعيه أياما وتعرض لاعتداءات جنسية عدة مرات بعصا، وقال "شعرت وكأني آخذ آخر أنفاسي. كنت ميتا تقريبا. وكان جسمي في غاية الضعف. واعتادوا أن يمنحوني فترة راحة من التعذيب لمدة ساعتين تقريبا يوميا"، وأضاف أنه بعد 22 يوما أرسل إلى حبس انفرادي حيث ظل شهرين. ولم تستطع رويترز التحقق من مصدر مستقل من تفاصيل روايته، وبمجرد الإفراج عنه قال إنه قام برحلة استغرقت 30 ساعة من القاهرة إلى ميناء بور سودان في السودان مع مجموعة من الركاب في شاحنات بيك أب انطلقت بهم صوب الحدود، وقال عبر الهاتف من الخرطوم "كنت على وشك السقوط. كنت في غاية التعب من شدة الحرارة، "أحلم باليوم الذي أتمكن فيه من العودة. وأفكر في الانتقام كل يوم. لكني أحاول التمسك بالصبر".

"إذلال"

وقال جابر نصار رئيس جامعة القاهرة إن النظام يتيح فرصة ثانية. وأوضح أنه وجه عدة مرات دعوة مفتوحة للطلبة المفصولين من جامعته للمجيء ومقابلته في حضور أولياء أمورهم والاعتذار. وأضاف أنهم إذا وعدوا بعدم المشاركة في مظاهرات مرة أخرى فستتم إعادتهم، وقال إن 91 طالبا على الأقل قبلوا عرضه في العام الماضي.

وأضاف "أنا مؤمن بأن الذي ينتمي للإخوان انتماء أصيلا يصعب عليه أن يقبل هذه المبادرة"، وتحدثت رويترز مع ثلاثة ممن حضروا هذه اللقاءات وأعيدوا للجامعة بعد الاعتذار. وقال الثلاثة إنهم مازالوا يعيشون في خوف من القبض عليهم أو من فصلهم.

وقال الشقيقان أحمد وعبد الرحمن إنه رغم إعادتهما فقد غادرا البلاد لاستكمال دراستهما في ماليزيا. وقال أحمد طالب الهندسة (22 عاما "من يفصلني مرة دون سبب وجيه ودون تحقيق يمكن أن يفصلني مرة أخرى"، وقال طالب يدرس الهندسة عمره 21 عاما إنه فصل من الجامعة وأعيد إليها مرتين بعد أن حضر لقاءات مع نصار. وقال إنه في المرة الثانية التي فصل فيها من الجامعة عام 2014 كانت أسباب الفصل المشاركة في أعمال شغب وإلقاء قنابل حارقة على قوات الأمن وترويع مواطنين وإعاقة العملية التعليمية، وأضاف أنه لم يفعل شيئا من هذه الأفعال وإنه يعيش الآن بعيدا عن بيته خشية الاعتقال.

وقال الطلبة الثلاثة إن اللقاءات مع نصار كان فيها إذلال لهم. وأضافوا أنه لم يسمح لهم بالحديث أو توجيه أسئلة أو الجلوس خلال اللقاء الذي استمر ساعة، وقال نصار إنه أجرى مناقشات طويلة مع الطلبة. وأضاف "فتحنا الباب لعودة الطلاب دون النظر للانتماءات ... قعدت معاهم أكثر من ساعتين وقعدنا نتكلم. نختلف. نتفق ... نحن لا نحاسبك على انتمائك"، وقال بدوي طالب الهندسة من تركيا إنه لن يعتذر قط، وأضاف "الاعتذار معناه الاعتراف بأني ارتكبت ما اتهموني به. لكني لم أفعل ذلك. كذلك فإن الاتهامات الجنائية لا تسقط عندما اعتذر. هذا إذلال شديد لا أقبله".

شعور بالإحباط

كانت الطالبة جهاد فايز (23 عاما) المؤيدة للإخوان المسلمين في السنة الرابعة في كلية التجارة بفرع الزقازيق بجامعة الأزهر عندما علمت بفصلها. فقد وجدت اسمها ضمن قائمة الطلبة المفصولين المعلقة على سور الجامعة، وقال البيان إن تحقيقا توصل إلى أنها هي وثمانية طلبة آخرين "أعاقوا العملية التعليمية" وشاركوا في مظاهرات احتجاج. وهي ترفض هذه الاتهامات وتقول إنها لم يتم استدعاؤها لأي مقابلة إلا بعد شهر من فصلها. وتعتقد أنها استهدفت لأنها صورت احتجاجات مناهضة للحكومة ونشرت المقطع المصور على الانترنت وكشفت انتهاكات مزعومة لقوى الأمن.

وقالت إنها تقدمت بطلبات للالتحاق بعدة جامعات خاصة لكن طلباتها قوبلت بالرفض وهي تعتقد أن ذلك يرجع إلى القانون الصادر عام 2014. وأضافت "كنت محبطة. وكنت أشعر أني أريد أن أتعلم لكن البلد لا يريد لي أن أتعلم"، وأضافت "بعد يومين من فصلي شعرت ان حياتي كلها توقفت. وكنت أبكي. شعرت بالأسف لنفسي. فهل هذا ما أستحقه لدفاعي عن أصدقائي؟"، واستأنفت قرار الفصل وقدمت شكوى للمحكمة الإدارية بعد شهر من فصلها في ديسمبر كانون الأول عام 2014. لكن قضيتها تأجلت.

مشاركة في العنف

في مبنى مجلس الدولة بالجيزة غربي القاهرة الذي يضم مجمع محاكم القضاء الإداري خلال شهر مارس آذار الماضي جلس ثلاثة قضاء قرب منضدة عليها مئات الوثائق، وكانت هذه الأوراق تتضمن دفوع محامي الدفاع عن طلبة وموظفين مفصولين بالإضافة إلى قضايا أخرى. ألقى القاضي نظرة سريعة على الأوراق. وعقدت المحكمة عدة جلسات قصيرة كان كل محام يتحدث فيها أقل من دقيقة ثم أعلن القاضي رفع الجلسة.

وفيما بعد عزا حامد المورالي نائب رئيس مجلس الدولة وعضو الهيئة القضائية المكونة من ستة قضاة التأجيل إلى الجامعات وقال إنها لم تقدم الأوراق الضرورية. وأضاف أن ثمة مشكلة في تفسير القانون وأن المحكمة فوجئت بعدد القضايا، وقال عمر ضاحي رئيس دائرة التعليم بمحكمة القضاء الإداري لرويترز إن قرارات الفصل أكثر بكثير مما كانت عليه قبل انتفاضات الربيع العربي، وأضاف "أسباب قرارات الفصل لم تكن موجودة خلال فترة (الرئيس السابق حسني) مبارك. ما حصلتش ثورة في عهد مبارك".

ورغم أن المظاهرات المؤيدة للإخوان المسلمين انحسرت يعتقد دبلوماسيون غربيون ومسؤولون أمنيون أن شباب الجماعة يشن هجمات على الشرطة، ويقول المحامي عبد العزيز يوسف الذي أمضى أربعة أشهر في السجن مع الطلبة في أواخر العام الماضي إن بعض الطلبة السابقين يتحدثون عن الجهاد بمعناه الشامل. وأصبح عدد صغير لكنه متزايد من الشبان المصريين عرضة للتأثر بالفكر المتطرف لتنظيم الدولة الإسلامية، وقال يوسف "عدد الطلبة الذين يرون أن الوسائل السلمية للتعبير لا طائل من ورائها يتزايد".

اضف تعليق