ليست لعبة، إنما هي إستحقاقات السياسة ومهارة اللاعبين، وهذه هي الحقيقة، وبالضبط ما على الجميع أن يعيه، فلو كانت مؤامرة لكان الجميع متآمرين حتى العرب الذين يحتمون بواشنطن منذ عقود طويلة وتسليحهم كله من أمريكا، أو فرنسا، أو بريطانيا فهم أولى بان يتهموا بضلوعهم في مؤامرة مستمرة، علينا أن نعترف إن الإيرانيين يمتلكون مهارات غير متوفرة لدينا ولو نقبنا عنها تحت الأرض وفي الجبال وفي عمق الصحاري الممتدة.

ومن الحكمة النظر الى ماجرى من إتفاق بين الإيرانيين والأمريكيين على انه تغليب للمصالح على حساب الإنفعالات والعواطف، فليس من الحكمة أن نفكر بطريقة المرأة القبيحة التي تعتقد أن عشيقها لن يتركها ويرتبط بأخرى أكثر جمالا وحيوية وهو مايفعله العرب على الدوام، ففي خضم دفعهم المال والضغط على واشنطن وعواصم أوربية لتعطيل الإتفاق مع طهران كانت إدارة أوباما تمهد لتمرير الإتفاق عبر الكونغرس وهدد الرئيس باراك أوباما بإستخدام سلطاته لتمرير المشروع وقد حصل له ما أراد.

تستطيع طهران الحصول على المزيد من الأموال والمكاسب السياسية خلال المرحلة المقبلة وهي تواجه تحديات وإستحقاقات في مقدمتها الملف السوري والبحريني وملف العراق وسوريا، كما إنها ليست لوحدها في الملعب فالخصم السعودي العنيد يتواجد في الميدان ويحضر بقوة في تلك المناطق المضطربة ولديه حلفاء يمولهم في سوريا واليمن كما إن الرياض تستمر في حربها اليمنية وتدفع المزيد من الأموال وتشتري الأسلحة من مناشئ عدة بمبالغ خيالية، ولايبدو إن الحوثيين وجنود علي عبدالله صالح يشترون الأسلحة من الخارج بكثافة، وهم يعتمدون السلاح السعودي ذاته الذي إشترته الرياض بأموالها للرئيس صالح عندما كان حليفا لها، ومعظمه سيطر عليه الحوثيون حين دخلوا معسكرات الجيش اليمني، وبمعنى أدق فإن السعودية تمول حلفاءها وأعداءها في ذات الوقت وهي لاتملك الخيار فالهواجس التي تحكمها في اليمن هي ذاتها التي في البحرين وسوريا والعراق، وتمكنت إيران من جر السعوديين الى المصيدة من خلال توريطهم في ملفات لاتخسر فيها إيران ولاتدفع أموالا طائلة فهي تقترب من جهات داخل تلك الدول تمتلك السيطرة على الموارد وتمول نفسها بنفسها، وماتدفعه الرياض من أموال لحلفائها يزيد بأضعاف مضاعفة على ماتدفعه إيران.

الإنخفاض الحاد في أسعار النفط سيدفع السعودية الى خفض الإنفاق مع زيادة محتملة في أسعار المحروقات والطاقة وهي إجراءات تم إتخاذها بالفعل وتوالت ردود الفعل الغاضبة على ذلك، هذا سيدفع الرياض الى خفض إنفاقها على الملفات الخارجية في سوريا والعراق وعليها أن تخرج من النفق اليمني المظلم بطريقة ما، ولذلك فهي تقوم بتوجيه ضربات جوية قاسية الى اليمن وهو مايفسر التحليل الذي يقول بأنها تستعجل حسم الملف والتخلص من التبعات، بينما تعمل طهران على كسب المزيد من النجاحات وتريد الحصول على مكاسب إضافية من إدارة أوباما التي صارت سعيدة بأنها نجحت في ترويض إيران وإن هذا هو الإنجاز الأكبر الذي يقدمه الرئيس للمرشح الديمقراطي القادم لرئاسة أمريكا.

تتوفر 50 مليار دولار تم رفع الحظر عنها لصالح إيران وهناك إستثمارات بمئات الملايين من الدولارات يمكن أن تدخل السوق الإيرانية بسرعة مع تدفق الشركات الأوربية، ويبدو إن طهران تستطيع أن توفر منها الكثير لدعم حضورها في ميادين المنافسة والتأثير الإقليمي الذي تتصارع في خضمه منذ سنوات عديدة، وهي تمتلك موارد متعددة وقد جرى قرار بتقليص الإعتماد على الموارد النفطية بعد بروزها كصاحب ثان إحتياطي من الغاز في العالم وتمكنها من الإستفادة من موارد متعددة اخرى صناعية وزراعية وفي مجالات تصنيع السيارات والأسلحة والموارد البحرية والكهرباء والغذاء، وهذا يعني إن إيران لن تتراجع عن مشاريعها في المنطقة مع إصرار سعودي على عدم التردد في التدخل ما سيسبب المزيد من الصدام على جبهات عدة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق