إنّ أقصى ما يستطيعُ هذا النظام فعلهُ لمواطنيه، هو توزيعٍ غيرُ عادلٍ، وغيرُ كفوء لأكثرِ من نصف الريع النفطي كـ امتيازات\" لقلّةٍ من المُنتَفِعين، وكـ إعانات بطالة مُقنّعة لجيشٍ هائلٍ من الموظفّين والمتقاعدين، وتوزيع ما تبقّى من الفُتات على المشمولين بنظام الإعالة الإجتماعيةِ...

لا أحدَ في العراق اليوم وبالذات من جيل الشباب الذي لم يتعرّف على تفاصيل الاستبداد السابق .. يُريدُ إسقاطَ "النظام" الحاليّ. الشبابُ المقهورونَ هؤلاء (فقراً وحرماناً وأنسدادَ أُفُق) يُريدونَ "نظاماً" يخدمُ مصالحهم (وهي "مصالحُ" مشروعةٍ لـ "مواطنين" عاديّين)، هؤلاء ليسوا سياسيّينَ احترفوا لعبة "التخادم"، ولا "زُعماءَ" يُجيدونَ التدليس، للحصولِ على أكبر حصّةٍ من "كعكة" الوطنِ الباذخة، التي تتناوشها سكاكين ُ"الغرباء" من كلّ حدبٍ وصوب، بينما لا يدخلُ منها شيءٌ في بطونهم وبطونِ عوائلهم الجائعة.

هؤلاء، فقط، إكتشفوا (في لحظةِ غضبٍ نبيل) معنى (وحجم) الأكاذيب التي مورست عليهم لما يقربُ من عقدينِ من العُمرِ المهدور، والوقت الضائع.. وأكتشفوا معها (دون تنظيرٍ ومُنظّرينَ، و "مُحلّلين"، و خبراء، وخطاب ثقافة) أنّ هذا "النظام" القائمَ الآن، هو، وبكلّ بساطة، ليسَ نظاماً والأسبابُ هي، كما يأتي:

• هذا "النظامُ" السياسيُّ القائم حاليّاً في العراق، والمُمُسِكُ بزمام السلطةِ والثروةِ الآن، غيرُ قادرٍ على تقديمٍ أيّ شيءٍ إيجابيٍّ لمواطنيه، عدا تلكَ القلّةِ القليلة "المحظوظة" منهم.

• هذا "النظام" الحاكِمُ الآن، لا يستطيعُ خلق الوظائف.. لأنّهُ نظامٌ يقومُ، ويعتمدُ إعتماداً كُليّاً على الريع النفطيّ، ويُهمِلُ القطاعات الإنتاجيّة الأخرى "الأساسيّة"، التي هي الخالقة الرئيسة للدخل والوظائف.

• هذا "النظام" لا يستطيع النهوض بالقطاعات الإنتاجية الأساسية، لأنّهُ يعتمدُ في تمويلِ أسباب بقائهِ على "أذرعٍ" تستورِدُ كُلّ شيء، وبالتالي لا تسمحُ، ولن تسمحَ، بإنتاجِ أيّ شيء. إنّ مصادرُ السلطةِ والثروةِ تأتي هنا من عائد الإستيرادات أساساً. و"المُستوَرَدُ" الأجنبيّ يقتلُ "المُنتَج" الوطنيّ، خاصةً إذا كانَ الإستيرادُ مُنفَلِتاً، ولا يخضعُ لمنطق الحساب الإقتصادي السليم.

• هذا "النظام" يقوم بتمويل استيراداته من خلال استلام العائدات النفطيّة، ثُمّ توزيع جزءٍ هام منها على "الأذرع" التجاريّة المرتبطة به. وتعمل هذه "الأذرُع" الإقتصادية، القويّة والمتينة، على كسر جميع "مفاصل" وضوابط التجارة الخارجية، من خلال سيطرتها (المباشرة وغير المباشرة) على جميع "منافذ" العراق التجارية مع العالم.

• إنّ أقصى ما يستطيعُ هذا "النظام" فعلهُ لمواطنيه، هو "توزيعٍ" غيرُ عادلٍ، وغيرُ كفوء لأكثرِ من نصف الريع النفطي كـ "امتيازات" لقلّةٍ من "المُنتَفِعين"، وكـ "إعانات" بطالة مُقنّعة لجيشٍ هائلٍ من الموظفّين والمتقاعدين، وتوزيع ما تبقّى من "الفُتات" على المشمولين بنظام "الإعالة" الإجتماعيةِ.

• هذا "النظام" السياسي يتحوّل (عندما يتعرّض لتهديد وجوده ذاته) إلى نظام "أبويّ- بطريركي"، يعتمد في إحتواء مُعارضيهِ على منهج العطايا والهبات و"المَكْرُمات" سيّء الصيت .. و يحاولُ الإلتفاف على أزماته البنيوية "المُركبّة"، والهروب" من أزمته الحاليّة (وهي أكبر وأخطر أزماته في مواجهة مواطنيه الفقراء)، بإعتماد "ترتيبات" قصيرة الأجل تقوم على المزيد من "توزيع" الريع (من خلال "توزيع" ما تبقّى من أراضي الدولة في "هوامش" المدن المنسيّةِ منذ عقود، وتوزيع "الإعانات" على العاطلين، و"توزيع" الدرجات الوظيفية، و"توزيع" المساكن التي لم تُشيّد بعد..)، وليس من خلال "استراتيجيات" و "خطط"، وسياسات، تعمل على بناء الاقتصاد المُنتِج، وخلق الأنشطة المولّدة للدخل "الدائم"، المُستدام.

ويُعلِنُ هذا النظام عن "نيّتهِ" في تطبيق هذه "الترتيبات"، دون الإشارة إلى مُحدّدات و تعقيدات "البيئة" التي يعمل في إطارها، وإلى كيفّية تمويله لهذه "الحلول" المقتَرَحةِ كلّها، و دون التحقّق من المدى الزمنيّ لإنجاز ذلك، ودون الإلتفات إلى النتائج الكارثية المترتبة على مثل هذه "الترتيبات" في الأجل الطويل.

• هذا النظامُ "السياسيّ"، لا يعتمدُ على نظامٍ "إقتصاديّ" لهُ دالّة هدف مُحدّدة، ولا يقوم على سياسات واستراتيجيات واضحة المعالِم، تعمل على تحقيق أهداف "سيادية" عُليا، ومُتّفَقُ عليها من قبل العناصر الرئيسة في النظام السياسي، وكُلُّ ذلك كانَ يجبُ انْ يتُمّ في إطار "منظومات" الدولة الحديثة، ومؤسّساتها الفاعلة، وليس من خلال "منظومات" و "قيم" ماقبل الدولة، التي تجاوزتها البلدان الأخرى منذُ قرونٍ.

• إنّ "النظام الإقتصادي" القائم حاليّاً، هو عبارة عن نظام "صفقات"، تتمُّ، وتُنجَز، بإسلوب عمل "البازارات" و "الشورجات" و "دكاكين" ما قبل الإقتصاد الحديث. وإنّ ما يخلِقُ الوظائف، ويعمل على استدامة الدخل، هو النظام الإقتصادي الحديث، وليسَ "المقاولات" سيّئة السمعة، و"صفقات" التخادم المصلحي مُتعدّدة الأطراف، و "مُزايدات" المشاريع سيّئة الصيت.

• هذا النظام السياسي، لا يستطيع بناء وإدارة هذا "النظام الإقتصادي" الحديث، وليس من مصلحته فعلُ ذلك في نهاية المطاف.

• إنّ الفساد هو المُحرِك الرئيس لآليات النظام السياسيّ القائم حاليّاً، و هو جزءٌ أساس من بنيتهِ العامة. وإذا تمّ القضاء على الفساد، من خلال تفتيت وتفكيك بُنيتهِ الأساسيّة، سينهارُ النظامُ برمّته . لذا فإنّ من البديهيّ، أن لا يسمحَ هذا النظام بذلك.

• هذا النظامُ السياسيّ لايؤمنُ بالديموقراطيّة، وبالتداول السلمي للسلطة. إنّهُ يستخدمُ "الوسائل"الديموقراطيّة بهدف الإستيلاء على السلطة . أمّا عندما تُهدّد هذه "الديموقراطيّة" الأسس الراسخة والعميقة لهذه السلطة، فإنهُ سيتحوّل إلى نظام ثيوقراطي- استبدادي- دموي،على الفور.

• هذا النظام ليسَ "شابّاً". هذا النظامُ يشيخُ كُلّ يومٍ بما يُعادِلُ ألف عام.

لذا فإنّ هذا "النظام" لا يثِقُ بالشباب، ويخافُ منهم، ويُشكّكُ في دوافعهم، ويطعنُ في صدق بحثهم عن فُرَصٍ أفضلٍ للعيش بكرامةٍ في وطنهم .. و"يقتلُهم" من خلال مُتلازمة الإحباط، واليأسِ، والتجاهُل، والتجهيل، وإنعدام الأفق .. و يقطعُ عنهم سبلَ الإبداع والريادة والقيادة .. ولا "يُوَظِفّهم" إلاّ في تلكَ المجالات التي يستطيع من خلالها إدامةِ وجودهِ "الهَرِم"، البائس، البليد، لأطولِ مُدّةٍ ممكنة.

• هذا "النظام" لن يسمحَ لـ "الخبراء الشباب"( ولدينا منهم العشرات بمختلف الإختصاصات، حصل بعضهم على أرفع الشهادات العلميّة، ونالوا أعلى الألقاب الأكاديميّة) بأن يقوموا بدورهم في عملية صُنعِ السياسةِ في هذا البلد.. وبالتالي لن يسمحَ لهم بأن يعملوا بفاعلية، في عملية بناءهِ وتطوّرهِ ونهضته.

• هذا "النظامُ" يقوم على "المُحاصصة"، ويسمح بخلق واستنساخ "وزراء" جاءوا من العدم، وحَوّلوا الوزارات (التي تحتاج إلى أفضل الخبرات والمهارات العلمية والمهنية) إلى "إقطاعيّات" طائفيّة و عِرقيّة، وعائلية، ومناطقيّة، يتحكّم فيها "مدراء المكاتب"، بحيث تحوّلتْ الحكومة من حكومة "الوزراء"، إلى حكومة" مدراء المكاتب".

• هذا "النظام" يطردُ "العُملة الجيّدة" من السوق .. ويمنح "العُملة الرديئة" كُلّ أسباب القوّة للنزولِ إلى السوق، وحشر كُلّ العقولِ الجميلةِ في زاويةٍ ضيّقة، من زوايا هذا "الكَهَف" العراقيّ العظيم.

• ليست مطالِب "المُحتَجّينَ" على الأداء الكارثي لهذا النظام طيلة ستة عشرعاماً، هي "مطالبَ" ذاتَ "بُعدٍ واحدٍ"، لفئةٍ ذاتَ "طيفٍ واحدٍ" من الشعب. إنّها حقوقٌ "مُتعدّدة الأبعاد" ترسمُ شكل المصيرَ القادمِ للشعبِ كُلّه .. واختزال هذه "الإحتجاجات" إلى مجرد "بُعدٍ واحدٍ" يتعلقُ بالوظائفِ والخدمات بشكلٍ خاص، وبـ "مظالم" أبناء طائفة معيّنة، ومحافظات ذات طابع "إثني" مُعيّن بشكلِ عام، سيجعلُ النظام السياسي القائم قادراً على احتواءها بسهولة، واستخدامها لإعادة إنتاج "الوجوه" و "الترتيبات" و "المنظومات" ذاتها .. وإعادة "تدويرها" من جديد.

• هذا "النظام" لا يستطيعُ أنْ يُقدّمَ حَلاًّ لأيّةِ مُشكلةٍ مهما كانت بسيطة. هذا نظامٌ مأزومٌ .. وتكمنُ أزمتهُ في إختلالهِ الحاد، و"إجهادهِ الهيكليّ" Structural stress(إجتماعياً وسياسياً واقتصاديّاً)، بفعل ظروف تكوينهِ ذاتها.

• هذا "النظام" هو "مُشكلةٌ" كبيرةٌ و خطيرةٌ .. فهل يمكِنُ أنْ تكونَ هذه "المشكلة"، هي ذاتها، مصدرَ الحلّ؟، هذا هو ما ستُجيبُ عنه .. الأيّامُ القادمة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق