أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الجمعة الماضي 13 تشرين الأول/ اكتوبر 2017 عن استراتيجيته الشاملة اتجاه إيران، وعلى الرغم من الغموض وعدم الوضوح الذي تميزت به هذه الاستراتيجية، إلا أنها كانت واضحة بخصوص الاتفاق النووي الإيراني، إذ لم يصادق الرئيس على الاتفاق ووضعه إمام الكونغرس لمدة 60 يوم؛ وذلك من أجل مراجعته واتخاذ ما يلزم اتخاذه وفقاً للرؤية الترامبية، ونتيجة لذلك اخذ الغموض يكتنف مستقبل هذا الاتفاق، ولربما حتى الدوائر والمؤسسات القريبة من الإدارة الأمريكية لم تستطع التكهن بمستقبل الاتفاق، لاسيما وأن فكرة إلغاء الاتفاق أو مراجعته أو الانسحاب منه من الجانب الأمريكي اصطدمت بردود فعل دولية رافضة، ولربما أيضاً ستتعارض رؤية الرئيس بشأن هذا الاتفاق مع رؤية المؤسسات الأمريكية.

ولهذا فإن هناك كثير من الأسئلة التي تثار في مستقبل هذا الاتفاق خلال الشهرين المقبلين، منها ما يتعلق بروح الاتفاق ومنها ما يتعلق بسلوك الإدارة الأمريكية ورؤية الأمريكيين له، وما يمكن أن يستقر عليه نمط التفكير الأمريكي بشكل عام.

اعتراضات ترامب على الاتفاق النووي: للرئيس الأمريكي جملة من الاعتراضات على هذا الاتفاق منها ما يتعلق برؤيته السياسية والحزبية ومنها ما يتعلق بنظرته الاقتصادية "كرجل اقتصادي"، وهي:

• الاستفادة المالية بالنسبة لطهران من الاتفاق النووي: فالاتفاق وفقاً لتصريحات سابقة للرئيس يعطي لإيران (150) مليار دولا، في أن واشنطن لا تحصل على أي شيء، وفي هذا إشارة واضحة من الرئيس للأموال المجمدة التي حصلت عليها طهران من خلال مبيعها النفط الإيراني التي كانت مجمدة في البنوك الدولية بسبب العقوبات.

• نشاط إيران المستمر في تجاربها الصاروخية: فإيران ما زالت مستمرة بنشاطها الصاروخي الباليستي بعيد المدى من خلال تعاونها مع كوريا الشمالية في تطوير برنامجها الصاروخي.

• ضعف اداء وكالة الطاقة الذرية: كثيراً ما اشتكى الرئيس ترامب من أن الوكالة الدولية لا تملك سلطات مراقبة كافية على المنشآت النووية، ولا يستطيع مفتشوها الوصول إلى مواقع عسكرية مغلقة يمكن أن تقوم طهران بأعمال سرية فيها.

• برنامج إيران النووي مؤجل: إن القيود المفروضة على طهران "حسب الاتفاق" هي لفترة زمنية محدودة، وبعد انتهاء هذه الفترة ستطلق إيران العنان لبرنامجها النووي وحيازة اسلحة نووية.

• يشكل الرئيس الأمريكي على إيران، بأنها لم تحترم روح الاتفاق النووي من خلال نشاطها الإقليمي ونشاطها الصاروخي.

المصادقة الأمريكية على الاتفاق

الأمريكيون لديهم قانون منذ العام 2015 يلزم او يطلب من الرئيس ترامب أن يعلن عن مدى الالتزام إيران بمضمون الاتفاق النووي؛ وذلك من خلال مصادقة الرئيس على بنود الاتفاق كل ثلاثة أشهر. الرئيس الأمريكي لا يريد أن يعلن عن الالتزام طهران ببنود الاتفاق كما اعلنته وكالة الطاقة الذرية، وإنما يريد أن يجر طهران إلى إعادة التفاوض على بنود الاتفاق من خلال الاشكاليات التي يثيرها بين الحين والآخر عن مدى الالتزام طهران ببنود الاتفاق سواء تلك المتعلقة بأنشطتها الصاروخية أو دورها الإقليمي في المنطقة. ولهذا لم يصادق الرئيس على الاتفاق النووي هذه المرة، بل وضعه إمام الكونغرس لمدة (60) يوم ليقرر الأخير بعدها عن ما يريد أن يفعله حيال الاتفاق.

كيف ترى الإدارة الأمريكية الاتفاق النووي؟

تنظر الإدارة الأمريكية الحالية وبعض المؤسسات الأمريكية بأن هذا الاتفاق ضعيف، ولا يمكن ان يكبح جماح إيران في المنطقة والعالم؛ ولذلك تضغط الإدارة الأمريكية على شركاءها الأوروبيين والمجتمع الدولي لتعديل الاتفاق.

كيف يمكن تعديل الاتفاق وفقاً للرؤية الأمريكية؟

• إن الاتفاق النووي "وفقاً للرؤية الأمريكية" سيتيح لإيران بعد (10) أو (15) عام الحصول على التكنولوجية العسكرية التي سيتم من خلالها تطوير اسلحتها النووية "على الرغم من الالتزام الدولي الذي وضع على طهران بعدم السماح لها بتطوير اسلحتها النووية بأي حال من الاحوال". ولهذا فأن الإدارة الأمريكية تريد إعادة التفاوض من أجل عدم السماح لطهران أن تمتلك سلاح نووي على المدى البعيد.

• على إيران أن تسمح للمفتشين الدوليين في الوصول إلى المنشآت العسكرية، ليس فقط المنشآت التي اتفقت بخصوصها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإنما المنشآت العسكرية دون شروط.

• تريد الإدارة الأمريكية من خلال إعادة التفاوض على بنود الاتفاق النووي أن يكون هناك ربط بين الاتفاق النووي ونشاطات إيران الإقليمية في المنطقة وتحجيم دور الحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان والمنطقة بشكل عام.

• مواجهة الخطر الإيراني ليس فقط من خلال تجربتها للصواريخ الباليستية وإنما من خلال امتلاكها للصواريخ "كروز"، إذ ترى واشنطن بأن إيران لها ترسانة كبيرة من هذه الصواريخ التي تستخدمها لزعزعة الأمن في المنطقة.

• كذلك تريد واشنطن أدانة دولية لنشاط طهران في بعض الدول العربية.

ماذا سيفعل الكونغرس في مهلة الـ (60) يوم؟

إن عدم تصديق الرئيس ترامب على الاتفاق النووي ووضعه للكرة بملعب الكونغرس لمراجعة بعض بنوده، لا يمكن أن تخرج عن ثلاث خيارات:

1. يستطيع الكونغرس أن يعيد نفس العقوبات التي فرضها على إيران في السابق والتي ادخلتها في المفاوضات حول برنامجها النووي، إلا أن الخطر في ذلك يكمن بأن الولايات المتحدة لا تريد أن تكون الطرف الأول الذي يخرق الاتفاق بشكل رسمي، فضلاً عن ذلك، ربما هناك صعوبة أخرى تكمن في عدم وجود اصوات كافية داخل الكونغرس لإعادة العقوبات السابقة على إيران.

2. يستطيع الكونغرس أيضاً أن يفرض عقوبات جديدة على طهران، ليست نفس العقوبات القديمة التي من شأنها أن تخرق الاتفاق، وإنما عقوبات جديدة تتعلق بنشاطات إيران التي لم يتضمنها الاتفاق النووي مثل تجربتها الصاروخية أو تلك النشاطات المتعلقة بدور إيران في المنطقة، إلا أن هناك صعوبة في إيجاد عقوبات حقيقة يستطيع أن يصوت عليها الكونغرس؛ لكون أن فرض عقوبات جديدة تحتاج ما يقارب الـ (60) صوت وليس فقط أغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ.

3. عدم فعل أي شيء حقيقي من قبل الكونغرس واكتفاءه بتمرير بعض القرارات غير الملزمة في مستقبل الاتفاق أو ادخال بعض التعديلات المتعلقة بشروط إلغاء الاتفاق والانسحاب منه أو إعادة فرض العقوبات في حال استمرت إيران بنشاطها الصاروخي.

ماذا سيفعل الرئيس ترامب في حال فشل الكونغرس؟

قانونياً سيذهب الاتفاق إلى الكونغرس للمراجعة كل بنوده خلال مدة (60) يوم، وفي حال فشل الكونغرس في فعل أي شيء حيال الاتفاق النووي خلال المدة المذكورة، سواء تعلق الأمر بالانقسامات الحزبية داخل الكونغرس بين الجمهورين والديموقراطيين أو رفضت طهران الجلوس من أجل إعادة التفاوض على الاتفاق، فأن الاخير سيُعد ملغياً، وهذا ما قاله الرئيس ترامب خلال معرض كلامه عن الاستراتيجية الأمريكية حيال إيران، وعلى الرغم من أن هذا الخيار لا يملك ارضية واسعة في المؤسسات الأمريكية ويبقى مجرد كلام، إلا أنه من الممكن أن يكون أحد خيارات الرئيس الأمريكي في المرحلة المقبلة، لاسيما في حال فشل الكونغرس الأمريكي في فعل أي شيء.

لماذا لا يلغي عدم مصادقة الرئيس الأمريكي الاتفاق النووي؟

وذلك لأنه لا يوجد أي بند في الاتفاق يشترط موافقة رؤساء الدول الموقعة على الاتفاق، إلا أن النظام الأمريكي الداخلي يشترط موافقة الكونغرس، فالرئيس السابق باراك أوباما تغلب على احتمالية رفض الكونغرس ووضع الاتفاق في صيغة خطة عمل مشتركة؛ ولذلك رد الكونغرس بالإلزام الرئيس باطلاعه كل (90) يوماً على مدى التزام إيران ببنود الاتفاق؛ ليبقى على قرار تعليق العقوبات؛ ولهذا فأن الكونغرس لم يمنح الرئيس صلاحية إلغاء الاتفاق بل طلب منه تجديد التصديق عليه.

هل الاتفاق النووي الإيراني في أمان؟

ربما لا يكون الاتفاق النووي مثار الجدل الرئيس بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران؛ لأن الإدارة الأمريكية تريد من طهران كبح جماع الجماعات المسلحة في اليمن وسوريا ولبنان ووضع قيود على برنامجها المتعلق بالصواريخ الباليستية، فعدم التزام طهران بهذه الشروط، ربما يجبر الولايات المتحدة الأمريكية على الانسحاب من الاتفاق النووي. وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي فيما بعد، بأن إلغاء الاتفاق أو الانسحاب منه أمر وارد جداً وبنسبة كبيرة، وعلى هذا الاساس ربما يكون مستقبل الاتفاق النووي هذه المرة في خطر أكثر من أي وقت مضى، لاسيما وأن الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب قد اعلنت انسحابها من اتفاقية المناخ ومنظمة اليونسكو وقد تكون في طريقها للانسحاب من الاتفاق، بالرغم من صعوبة الموقف الدولي. لكن ربما سيبقى مستقبل الاتفاق النووي الايراني رهن الاتفاقات والتفاهمات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها المؤثرين والمجتمع الدولي.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق