المنطقة تتعرض الى استهداف مباشر من قبل إسرائيل وبرعاية أمريكية لذلك تسعى واشنطن ان تبعد نفسها من دائرة الاستهداف فيها، وهذا بحد ذاته يعكس واقع جديد مفروض على المنطقة وعلى العالم اجمع يعطي فسحة جيدة في قراءة المشهد من جانب آخر، وهو ان منطقة الشرق الأوسط ليست سهلة...
يمثل قرار الرئيس "دونالد ترامب" بسحب القوات الامريكية المتمركزة منذ أكثر من عشرين عاماً من قاعدة فيكتوريا في بغداد وعين الاسد في الانبار وإعادة نشرهما في أربيل، وربما سيكون هناك انسحاب من بعض الدول العربية يمثل تحولاً وتغييراً في الموقف السياسي والعسكري لواشنطن تجاه الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل المتغيرات الخطيرة والكبيرة والتي تشهدها المنطقة عموماً.
السيناريوهات المحتملة لهذا الانسحاب متعددة إذا ما قرأناه أنه فعلاً انسحاب، فالعراق أجرى اتفاقية إستراتيجية مع التحالف الدولي، وتم التصويت عليها في مجلس النواب وتعد الوحيدة التي أقرت بثلثي أعضاءه، وأجرت الحكومات المتعاقبة العديد من الحوارات بشان "إنهاء مهمة التحالف الدولي" والتي تمثل وجود 84 دولة في هذا التحالف وتكللت هذه الحوارات بانسحاب آخر القوات من العراق.
السيناريو الآخر والذي يرى بان الانسحاب يأتي في ظل التوترات والتهديدات المتصاعدة ضد الجمهورية الإسلامية، والتي بحسب المعطيات ربما ستتعرض لضربة من قبل إسرائيل، وان الانسحاب الامريكي الى أربيل ربما يأتي في اطار إبعاد قواعدها العسكرية من أي استهداف داخلي او خارجي، الامر الذي تخشاه الولايات المتحدة وتعمل على إبعاد قواتها من خطر الاستهداف.
السيناريو الثالث والذي ربما هو الاقرب الى الواقع، فعقلية الرئيس الامريكي "النفوذ المالي" وينظر الى العالم على انه منجم من المال، وان وجود أي قوات له في دول العالم والتي منها العراق ينبغي أن يقابله ثمن، وعلى الدول التي تتواجد فيها القواعد الامريكية دفع ثمن وجود هذه القواعد على أراضيها وان تكون ملكاً لواشنطن مع دفع تكاليف وجود هذه القوات، ما دفع دول تتواجد فيها القوات الامريكية الى الرضوخ لقرارات ترامب في دفع تكاليف وجود قواته في بلدانها والتي منها "كوريا الجنوبية واليابان والمانيا" وللآن العراق لايملك مال يمكن ان يسدد بثمنه وجود هذه القوات، فان واشنطن قررت سحبها من العراق لتتحول الى أربيل ومن ثم الانسحاب النهائي من العراق.
هناك من يرى أن الخطوة الامريكية تمثل إعادة توجيه دقيقة تهدف الى تحقيق توازن جديد بين المتطلبات الامنية للحفاظ على النفوذ الاستراتيجي والمخاطر العملياتية في السياسة الداخلية والتوترات الاقليمية، لان فهم الاهداف والدوافع والنتائج المتوقعة لهذا التغيير يمكن ان يسهم في تسليط الضوء على الإطار الاوسع لاستراتيجية الدفاع الامريكية في الرشق الاوسط مستقبلاً، ويتمثل الهدف الرئيسي لواشنطن في الحفاظ على نفوذها في العراق مع توفير حماية لقواتها من المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الاوسط.
واشنطن تسعى الى تخفيف التكلفة السياسية لهذا التواجد في العراق، خصوصاً فيما حصل صراع في المنطقة قد تستهدف فيه هذه القواعد ما يؤدي الى حصول خسائر بشرية في قواتها متواجدة في قاعدتي فيكتوريا وعين الاسد والذي قد يورد واشنطن في صراعات جديدة بغنى عنها، وان من خلال هذا الانسحاب فان واشنطن تقلل من انتصار الشعور السائد في الشرق الأوسط بان طهران قادرة على استهداف القواعد الامريكية وان الجندي الامريكي بات في دائرة استهداف بندقيتها.
العراق من جهته يواجه ضغوطاً كبيرة من أجل التغيير الجيوسياسي والمتمثل بضرورة حل الفصائل المسلحة ودمج الحشد الشعبي في القوات الامنية والعسكرية، وهو الامر الذي ترفضه بغداد وتعده تدخلاً في شؤونها الداخلية ويعطي مسوغاً واضحاً لإعادة التهديد المباشر لعصابات داعش في العراق والمنطقة عموماً، كما هو الحال فان حكومة السيد السوداني تتعرض الى ضغوطاً شعبية في ضرورة إنهاء الوجود العسكري الامريكي نهائياً من العراق، وبالتالي فإن انسحاب هذه القوات سيخفف الضغط عليه ويجعله يعمل باستقلالية أكثر.
مهما تعددت الاسباب وراء انسحاب القوات الامريكية يبقى شيء مهم، وهو أن المنطقة تتعرض الى استهداف مباشر من قبل إسرائيل وبرعاية أمريكية لذلك تسعى واشنطن ان تبعد نفسها من دائرة الاستهداف فيها، وهذا بحد ذاته يعكس واقع جديد مفروض على المنطقة وعلى العالم اجمع يعطي فسحة جيدة في قراءة المشهد من جانب آخر، وهو ان منطقة الشرق الأوسط ليست سهلة المنال لإسرائيل او واشنطن، وان التدخلات مهما تصاعدت في إيجاد متغيرات جيوسياسة الا ان الواقع يتحدث عن مواجهة جديدة مقبلة يدخل الجميع فيها.



اضف تعليق