اعتبار مؤسسات المجتمع المدني سلطة خامسة تقوي وتتجذر النظام المؤسسي في الأمة، إضافة إلى المزيد من الإتقان في عملية التشريع والتنفيذ لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك لما لمؤسسات المجتمع المدني من خبرة متراكمة، وتجذر في المجتمع، وأصالة وتنوع، ومصادر قوة متعددة، إضافة إلى ذلك يشكل مانعا إضافيا في...
إن حق المواطنين في المشاركة في إدارة الشأن العام واحد من المبادئ الأساسية للديمقراطية الذي يضمن تمكن الناس من التعامل مع المشاكل التي تؤثر على حياتهم بشكل مباشر. فضلا عن ذلك، فإن مشاركة المواطنين تمكن السلطات من تفعيل قدراتها بكفاءة أكبر. وحيث إنه في الغالب يصعب على المواطنين الوصول بشكل فردي لصناع القرار والتأثير على العملية، ينظر لمنظمات المجتمع المدني على أنها الجسر بين المواطنين والسلطات العامة ما يساعد على توضيح آراء المواطنين المعنيين بطريقة بناءة.
لقد شهد التعاون بين السلطات الحكومية (كالبرلمان والحكومة والمؤسسات الحكومية والحكومات المحلية) ومنظمات المجتمع المدني تطورا ملحوظا في دول العالم خلال السنوات الماضية، ويستمر تطوره وتشكله وفقا لما تتطلبه الاحتياجات المحلية. وهناك توجه جلي لتوسيع نطاق وأشكال التعاون ولمؤسسة هذه الشراكة، وذلك لضمان استمرارها واستدامتها.
ليس هناك آليات محددة اتبعتها السلطات العامة في لتسهيل التعامل مع منظمات المجتمع المدني، فبعض الدول عمدت إلى تأسيس مكتب أو دائرة منفصلة أو تعيين شخص كمنسق اتصال يكون مسؤولا عن تعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني وعن دعم تطوريها.
وبعض الدول تقوم بإنشاء هيئات استشارية متعددة القطاعات (مجالس أو هيئات) بهدف خلق منصة للحوار المستمر والمستدام الهادف لمعالجة القضايا التي تؤثر على منظمات المجتمع المدني أو بعض قطاعاتها الفرعية. بالإضافة إلى ذلك، وبعد إدراك شح الموارد المالية المتاحة لتطوير هذا القطاع، تم إنشاء صناديق –مؤسسات منفصلة– لتقديم المساعدات المالية لمنظمات المجتمع المدني.
هناك نظرة إسلامية ربما تكون أكثر تطورا من النظرة الحالية للأدوار التي ينبغي أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني، أو من الواقع الحالي لما هي عليه هذه المؤسسات. وهذه النظرة يتبناها السيد مرتضى الشيرازي، فهو أولا يجعل من مؤسسات المجتمع المدني سلطة خامسة من سلطات الدولة، ويعني بها المؤسسات الاجتماعية والإنسانية والعلمية والحقوقية والدينية وشبهها. وهو ثانيا يطرح مجموعة من المقترحات من أجل أن تكون مؤسسات المجتمع المدني سلطة خامسة من سلطات الدولة، وهي:
1. أن تعطى حصة خاصة لمرشحي مؤسسات المجتمع المدني عبر نظام الكوتا، لتكون لهم مقاعد محددة في البرلمان. والمقترح إضافة إلى ذلك أن يتكون منهم برلمان موازي، والمقصود بالبرلمان الموازي ليس مجرد هيئة مستقلة، أو لجنة تابعة للبرلمان وفي طوله، بل هو برلمان في عرض البرلمان، يمتلك حق التصويت كسائر أعضاء البرلمان، بل ولا تمرر المشاريع المرتبطة إلا بأكثرية المجلسين، وكما نجده في مجلس النواب ومجلس الشيوخ في بعض الدول، أو مجلس الأمة والمجلس الاتحادي في بعضها الآخر.
2. ومنها أن يتكون من مؤسسات المجتمع المدني برلمان آخر مواز للبرلمان الأول، وتجري له انتخابات مستقلة عامة بحسب مقترح، أو خاصة بأعضاء مؤسسات المجتمع المدني بحسب مقترح آخر. ويكون مجموع البرلمانين هو الممثل للشعب في كافة القضايا، وفي صيغة أيسر تكون قضايا مؤسسات المجتمع المدني موكلة إلى هذا البرلمان.
3. ومنها ان تكون غرفة في البرلمان إلى جوار سائر الغرف لممثلين، يعين عددهم بقانون عشرة مثلا عن مجالس شورى المحافظة والقضاء والمدينة والنواحي أو الإحياء، ويكون هؤلاء إحدى السلطات العشر، فلهم برلمان مواز ولهم في المجلس تمثيل ووجود، وهو غير المجلس الاتحادي.
ويرى السيد مرتضى الشيرازي أن السبب واضح في ارجحية الصيغة التي اختارها، وذلك لان مجالس الشورى المنتخبة في المحافظات والأقضية والنواحي وغيرها هي الأكفأ والأقرب إلى تمثيل الناس في كل إقليم أو محافظة من مجرد تعين شخص أو شخصين عن كل إقليم أو ولاية خاصة إذا لم يكن ذلك يتم من قبل المجلس التشريعي للولاية.
بل حتى إذا تم انتخاب ممثلي الولايات من قبل المجلس التشريعي للولاية فان انتخاب مجالس الشورى لممثليهم إلى البرلمان هو الأرجح، لأن المفروض في مجالس الشورى أن تتصدى لإدارة شؤون المحافظة أو القضاء فهي أقرب لحاجات المنطقة والأعرف والأصلح لها من المجالس التشريعية التي يكون الهدف من انتخابها بالأساس هو التشريع، ولكن هذه الجهة ليست مطلقة، كما لا يخفى، ولكن يكفي كونها غالبية.
والحاصل أن الغالبية العظمى من اعتبار مؤسسات المجتمع المدني سلطة خامسة تقوي وتتجذر النظام المؤسسي في الأمة، إضافة إلى المزيد من الإتقان في عملية التشريع والتنفيذ لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك لما لمؤسسات المجتمع المدني من خبرة متراكمة، وتجذر في المجتمع، وأصالة وتنوع، ومصادر قوة متعددة، إضافة إلى ذلك يشكل مانعا إضافيا في مقابل محاولات بعض الأقوياء للاستبداد بالسلطة
وأخيرا نقول من الضروري أن تضع مراكز الدراسات ومجلس الوزراء بالتعاون مع سائر السلطات خطة متكاملة للنهوض بمؤسسات المجتمع المدني حتى: -
أ. تتنوع لكي تمثل شتى شرائح المجتمع ومكوناته؛
ب. ولكي تتكثر حتى تغطي شتى حاجات المجتمع ومناحي الحياة؛
ت. ولكي تكون أكثر فاعلية ونشاطا؛
ث. ولكي تكون من الناحية الكيفية بحجم التحديات أيضا؛
وعلى البرلمان أن يسن قوانين تضمن ذلك كله، وان تضح الحكومة آليات لتفعيلها، وأن يراقب البرلمان أداء الحكومة في هذا الحقل.
اضف تعليق