المرحلة القادمة قد تكون من المراحل الصعبة بالنسبة لحكومة السوداني، وتتوقف هذه الصعوبة على مدى رغبة إيران في إدامة التصعيد والانخراط الموسع في مواجهة التواجد الأمريكي في المنطقة، ومع ذلك امام السوداني فرصة لتحييد هذه الجهات عن الاستمرار في الاستهداف...
لم تفاجئ الولايات المتحدة الفصائل المسلحة في العراق حين استهدفت آمر لواء 12 التابع لهيئة الحشد الشعبي "حركة النجباء"، أبو تقوى السعيدي مع ستة آخرين، عبر هجوم نفذته طائرة مسيرة وسط العاصمة بغداد وتحديدا في شارع فلسطين الذي يعد المكان الآمن لأغلب هذه الفصائل، فماهي الدلائل والرسائل لهذه الضربات؟
الضربة الامريكية جاءت بعد تحذيرات أمريكية موجهة بشكل رسمي الى الحكومات العراقية وآخرها حكومة محمد شياع السوداني، فضلا عن توجيهها بشكل مباشر الى الفصائل التي اقدمت على استهداف القواعد الامريكية في الشمال والوسط العراقي وسوريا، تعبيرا عن رفضها لوجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية.
واتى الاستهداف بينما تواصل القوات الإسرائيلية شنها الهجوم العدواني على المدنيين العزل في قطاع غزة، ولا يمكن ان نفصل الحالة العراقية عن الحالة الفلسطينية، كون اغلب هذه الفصائل تنادي بضرورة وقف العدوان على الأراضي الفلسطينية، وتلمح الى إمكانية التدخل الى جانب حركة حماس للمشاركة في عملية التحرير او الدفاع عن النفس.
حديث هذه الفصائل المتكرر عن القضية الفلسطينية يجعلها في دائرة الخطر وهدف من اهداف الولايات المتحدة الامريكية، التي أدركت خطورة هذه التحركات لتلك الفصائل في وقت تسعى لتضييق دائرة الصراع والحيلولة دون اتساعها لتجنب إجبارها الدخول بصورة مباشرة الى جانب إسرائيل في مأزقها الأخير بقطاع غزة.
من الملاحظ ارتفاع وتيرة الهجمات ضد القوات الامريكية بعد عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول من عام 2023، حيث توجه حكومة البيت الأبيض أصابع الاتهام الى إيران باعتبارها هي من ترسم خارطة التحركات لهذه الفصائل وهو ما يشكل ازعاجا وإرباكا لعملها الى جانب إسرائيل.
حركة تلك الفصائل بهذا النشاط وضع حكومة محمد شياع السوداني بحرج دائم امام الولايات المتحدة، ورغم محاولة الإدارة الأمريكية التمسك بقواعد الاشتباك مع الفصائل المسلحة، من أجل توفير فرصة لحكومة السوداني للعمل على ضبط الاستقرار في العراق، إلّا أن فشلها في تحقيق هذا الهدف دفعها إلى التحرك الأحادي في الفترة الأخيرة.
للضربات الامريكية دلائل ورسائل كثيرة تريد إيصالها الى إيران عبر وكلائها في العراق، خصوصا وانهم لا يتركون أي مناسبة تمر دون التذكير بالهدف الأساس لهم وهو طرد قوات التحالف من المناطق والمدن العراقية، كان آخر هذه التهديدات هي التي أطلقها زعيم حركة النجباء أكرم الكعبي على خلفية مشاركته في الحفل السنوي لذكرى استهداف القائد أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.
أولى هذه الرسائل وجهت الى حكومة السوادني التي وقفت عاجزة امام المطالب الامريكية المتكررة من اجل وضع حد للهجمات ضد قواتها والهيئات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء، وكذلك القواعد الامريكية في المدن العراقية، اذ تشير هذه الرسائل الى عدم الرضى عن حكومة السوداني، وإنها ستواصل هذه الردود دون مراعاة المزاج السياسي العراقي وكذلك الشعبي الذي كثيرا ما يندد بالاعتداءات المتكررة.
ومن الرسائل أيضا الى حركة النجباء نفسها ومن ثم الى إيران، فهي في الشق الأول تحذير لها من مواصلة عملياتها العسكرية ضد القوات الامريكية، وإنها ستكبدها مزيد من الخسائر في ضربات لاحقة ان لم تكف عن هذه التصرفات المدعومة من إيران.
اما الشق الثاني من رسائل التحذير فهو موجه الى حكومة طهران، اذ يمثل استهداف قيادات مؤثرة في حركة النجباء رسالة واضحة لإيران، باعتبارها الداعم الرئيسي للحركة، وعدم ضبطها للتصعيد الحاصل في المنطقة سيجعلها تواجه تصعيدا في سيناريو الاغتيالات بالمرحلة المقبلة، وقد تتصاعد لتشمل قيادات الصف الأول، سواء على مستوى الحرس الثوري أو قيادات إقليمية حليفة لها.
حكومة السوداني غير غافلة لحجم التداعيات الخطيرة التي من الممكن ان تفرزها عمليات التصعيد المستمر الصادر من الفصائل المسلحة ضد الأهداف الأمريكية في العراق، والرد الأمريكي عليها.
المرحلة القادمة قد تكون من المراحل الصعبة بالنسبة لحكومة السوداني، وتتوقف هذه الصعوبة على مدى رغبة إيران في إدامة التصعيد والانخراط الموسع في مواجهة التواجد الأمريكي في المنطقة، ومع ذلك امام السوداني فرصة لتحييد هذه الجهات عن الاستمرار في الاستهداف وذلك من خلال استمالة بعضها وزجها في المؤسسات الحكومية وإبعادها عن الاعمال العسكرية الى حدا ما.
اضف تعليق