إنّ وظيفة الصحفي الأساسية التي لا تسبقها وظيفة أخرى هي تنوير الرأي العام بـ (كلّ) ما تحتاجه عامّة الناس من معارف وفي "جميع" شؤون الحياة، وشجونها، وهو أي الصحفي بحكم هذه الوظيفة المقدمة على غيرها عابر للاختصاص إلى حقول معرفية متجاورة أو متباعدة كثيرة...
يقال إنّ الشخصية الشهيرة "محمد حسنين هيكل" الذي شغل منصب وزير الإعلام في فترة حكم جمال عبد الناصر كان يفضّل أن يُنادى بلقب "الصحفي" بدلاً من أي لقب رسمي آخر اعتزازًا منه بمهنته الأساسية. ولمحمد حسنين هيكل كما هو معروف عدد كبير نسبيًا من المؤلفات ذائعة الصيت التي غلب فيها الحسّ السياسي عمّا سواه، ومنها كتاب سنوات الغليان، وكتاب لمصر لا لجمال، وكتاب مبارك وزمانه (ثلاثة أجزاء)، وغيرها، ومن مؤلفات محمد حسنين هيكل ما اشتملت عنوانيها الرئيسية على لفظ سياسة تحديدا، خصوصًا كتابيه البارزين (السلاح والسياسة، وكلام في السياسة).
إنّ وظيفة الصحفي الأساسية التي لا تسبقها وظيفة أخرى هي تنوير الرأي العام بـ (كلّ) ما تحتاجه عامّة الناس من معارف وفي "جميع" شؤون الحياة، وشجونها، وهو أي الصحفي بحكم هذه الوظيفة المقدمة على غيرها عابر للاختصاص إلى حقول معرفية متجاورة أو متباعدة كثيرة، ومن هنا فإن مؤاخذة الصحفي على ما يطرحه من آراء في الشأن السياسي أو غيره تدخل في وارد الخطأ أو التوهم في أقل تقدير.
ولتوضيح ما نحن بصدد بيانه فإنّ هناك جملة من التعريفات التي اجتهدت في تقديم صورة كاشفة لجوهر هذه الشخصية، وأبعادها المختلفة، ومن تلك التعريفات على سبيل المثال: "الصحفي هو الشخص الذي يبحث عن الحقيقة وينقلها إلى الجمهور بموضوعية ودقة، وفقاً للمبادئ الأخلاقية والمهنية للصحافة"، و"الصحفي هو الشخص الذي يعمل في مهنة جمع الأخبار والمعلومات، وتحليلها، لغرض تقديمها للجمهور عبر وسائل الصحافة والإعلام المختلفة".
وتتباين التعريفات توسيعا وتضييقا من الناحية اللغوية "الدلالية". ومما يقع في حدود القسم الأول مسألة أنّ الصحفي "هو باحث عن الحقيقة، وناقل لها، ليس في المجال السياسي أو الإخباري فحسب، بل في كلّ ما يسهم في نماء وعي المجتمع، وتقدمه في الثقافة العامة والفكر والفنون والاقتصاد، وما إلى ذلك. فهو صانع معرفة ومؤثّر في تشكيل الرأي العام"، ولعل ما يدخل في نطاق القسم الآخر، تعريف الصحفي من الحيثية القانونية، وبقدر ما يتعلق الأمر بالمنظومة التشريعية العراقية، فقد عرَّف قانون نقابة الصحفيين العراقيين رقم 178 لسنة 1969 الصحفي بأنّه "كلّ عضو في نقابة الصحفيين"، مما يعني أنّ العضوية في النقابة كانت آنذاك شرطًا لاعتبار الشخص صحفيًا على أنّ تعريف قانون حماية الصحفيين في قانون سنة 2011 تجاوز هذا الخلل الفاحش إلى حدٍ ما؛ إذ يشمل القانون آنف الذكر جميع الممارسين للعمل الصحفي المتفرغين، سواء أكانوا أعضاءً في النقابة أم لا، ومع ذلك " التطور" فثمة انتقادات نالت هذا التعريف من زاوية استثناء الصحفيين غير المتفرغين وبضمنهم المدونون، وكذا الصحفيون العاملون في حقل الإعلام؛ لأنّ العرف جرى في العراق، وغيره من الدول التفرقة بين مفهومي الصحافة، والإعلام!
ما أودّ طرحه هنا في ضوء ما نقلته من نصوص سابقة في إطار التعريف الأدبي"الفكري" أو القانوني لكلمة "صحفي" هو التركيز على فكرة أحقيّة الصحفي في أن يُدلي بدلوه "خوضًا" بقضايا لا حصر لها تخصّ المجتمع، والمحيط الذي "يتواجد" فيه، وأنّ عمله هذا ليس من باب التطوّع، فضلا عن التفضّل أو التطفل كما يتوهم بعضهم ، بل هو داخل في صميم مهنته إن كان خبيرًا بتفاصيل مهنته بالفعل كما هو الحال مع طيب الذكر الذي أشرنا إلى قبس من سيرته العطرة في مفتتح الكلام...
أقول هذا، وأشدّد عليه بمناسبة ما يطرحه بعض المشتغلين في الصحافة والإعلام بخصوص نأيهم عن " الخوض" في معترك بعض الأحداث المهمة التي تجري رحاها في مجتمعهم أو محيطهم، ويسوّغ بعضهم هذا الإحجام بذريعة أن هذا الأمر أو ذاك لا يتصل بنطاق اختصاصه أو اختصاصها ؛ من هنا "وجب" تنبيه هؤلاء الواهمين إلى خطل ما يذهبون إليه، لاسيما أن قسما من هؤلاء يملك شعبية جماهيرية بفضل آليات التواصل الحديثة ؛ أو إنه ذو مكانة علمية أو أكاديمية له كلمة مسموعة في صفوف النخبة الذين قد ينجرف بعضهم أو كلّهم في مغبّة تقليده في هذا السلوك أو طريقة التفكير الخاطئة تمامًا في مبتدئها، ومنتهاها من وجهة نظري، ولا أخالني مخطئا في حدود اطلاعي.
اضف تعليق