أننا نكتب لأجل أن نصافح القراء، أو لأجل أن نربت على همومهم، ربما نشاركهم أحزانهم، وفي بعض الأحيان نكتب لأجل موقف استحق منّا قول الحقيقة، لكننا في الوقت نفسه بحاجة أن نكتب لأجل الكُتّاب أنفسهم، وأن نهمس في آذان بعضنا: أن الكتابة يجب أن تبقى صدّاحة، وبرّاقة، ومشوّقة، ومؤثرة، وشجاعة...

الكتابة نعمة: هذه الهبة التي يعرف قيمتها الكتاب الحقيقيون، هي واحدة من أهم متنفسات الحياة، وأنها أوكسجين عذب يمارس طقوس الشهيق والزفير في دورة النفس البشرية بالنسبة لطرفي النعمة.

فالكتابة بوصفها العميق، وبمدلولاتها المتعددة، وبأغراضها المختلفة، هي تمرين معنوي يلجأ إليها الشاعرون بالآخر، وهذا الآخر ربما يكون شخصًا -مثلما خطر ببالكم- وربما يكون وطنًا، وربما مشكلة، وربما شعورًا بالمسؤولية، وربما غرضًا أثار فلّاح الكتابة؛ فحفر أرض كلماته واستخرج نصًا (ذا شكل معين من الكتابة) وغرسه في وسائل الاتصال.

لهذا نجد أن الكتابة فعلًا هي تمرين، وهي عضلة الحياة -إن جاز التعبير-، ولا بد لهذه العضلة من تمارين؛ حتى لا تتعرض للخمول؛ لأن الكاتب حتى لو انزوى، أو انقطع، او حيّدته الظروف عن مزاولة هذا التمرين، حتمًا سيعود له ويمشي في دروبه مهما طال جفاء المحبرة، وصدأ بريق القلم.

إن المهم في صنعة الكتابة هي الرسائل التي يريد الكاتب طرحها إلى القرّاء، هؤلاء القرّاء هم المبتغى والزبائن عالي المستوى، وهم برجوازيي هذه النعمة التي أشرنا إليها في مطلع هذا المكتوب، أنهم أشبه بالطلبة بالنسبة للمؤسسة التعليمية، إذ لا قيمة للمؤسسة التعليمية من دون الطلبة، والحال مثله بالنسبة لموهبة الكتابة، لا جدوى منها إن لم تجد مستقرها في ذهن أو فؤاد القارئ.

والمحترف في هذا المجال هو من يرصد المشكلات التي تهم القارئ وتلامس وجدانه، فإذا أتقن هذه المهارة، وعمل على مد جسورها بينه وبين المتلقي، سيجد نفسه متمرنًا باستمرار على الكتابة، ويلقى أناسًا كُثر ينتظرون حروفه تخرج للنور، وتلتقط موضوعات تعبر عمّا بداخلهم.

أننا نكتب لأجل أن نصافح القراء، أو لأجل أن نربت على همومهم، ربما نشاركهم أحزانهم، وفي بعض الأحيان نكتب لأجل موقف استحق منّا قول الحقيقة، لكننا في الوقت نفسه بحاجة أن نكتب لأجل الكُتّاب أنفسهم، وأن نهمس في آذان بعضنا: أن الكتابة يجب أن تبقى صدّاحة، وبرّاقة، ومشوّقة، ومؤثرة، وشجاعة، وأن يبقى القلم حيًّا، يتمرّن دائمًا من أجل الآخر، ذلك الآخر الذي ذكرناه في متون هذا النص سلفًا.

ربما يطرح قارئا الآن تساؤله عن الغرض من هذه السطور، وما السبب وراء هذه الجمل؟ وأين الرسالة من هذه الكلمات؟ أجيبه ببساطة الكتابة: لو عدت قراءة النص بهدوء، ستجد العديد من الرسائل بين السطور والجمل، وإن أمعنت القراءة جيدًا، ربّما تشكرني.

اضف تعليق