الإعلام في الوقت الحالي تخلى عن الكثير من اخلاقيات العمل الإعلامي، تجد مقدم البرامج كل وظيفته هو إثارة الصراع والتصادم بين الضيوف، وإلا يعتبر نفسه غير كفوء، وهو بذلك ترك الساحة خالية من دون أن تصاحبها تحليلات منطقية، مبنية على روئ علمية، تمثل الإعلام الواعي الواثق من نفسه...

لا يستهويني الإعلام المطبّل، الذي يتخذ من المديح المتواصل رأس مال لبرامجه ونشراته الإخبارية المنتجة، لإرضاء أصحاب السلطة الذين يملكون في الغالب المؤسسات الإعلامية التي تتخذ من هذا النهج طريقا وسلوكا إعلاميا خاصا بها.

وعلى الطرف الآخر لا يعجبني الإعلام المتطرف الذي لا يعرف أي نوع من أنواع الإيجابية في الطرح، يتعقب وبشكل كامل البقع السوداء تاركا ما حققته الحكومة من إيجابيات على مستوى من المستويات الخدمية والأمنية والعمرانية والتعليمية، وكأنه يسير في بلد صحراء خالية من المباني والمؤسسات.

 هذا النوع من الإعلام هو النوع السائد بين المؤسسات الإعلامية العاملة في البلد، ترى النصف الفارغ من القدح، ولا تريد ان تفتح عينيها لترى المنجز المتحقق، فهي بهذه الحالة اندرجت ضمن الإعلام ذو الأهداف والمصالح الضيقة، البعيدة كل البعد عن المصلحة العامة والمصلحة الوطنية.

يحكي لي أحد الأصدقاء من سكنة بغداد تجربته الذاتية مع توقيتات الدوام اليومية والمدة التي يستغرقها للوصول الى مكان عمله، ففي السابق يحتاج الى مدة تتراوح فيما بين الساعة وخمسة واربعين دقيقة، فيما تقلص هذا الوقت الى خمسة عشر دقيقة بعد افتتاح مجسر قرطبة.

وترى العديد من وسائل الإعلام ترمي هذا الإنجاز ولو (ليس بالمستوى المطلوب)، ترميه بشتى أنواع النقد اللاذع وكأن الحكومة أخفقت في اختيارها هذا الحل وعليها ان تترك الأمر لإنه يحتاج الى خطط استراتيجية بعيدة المدى، ويحتاج الى كلف مالية كبيرة بالاعتماد على الخبرات الأجنبية.

وتحدثت بعض وسائل الإعلام عن هذا العمل ووصفته بأنه خطوة نقل الازدحامات من الأرض الى السماء.

هذا النوع من الطرح وهو تسخيف أي عمل وان كان بسيط او عظيم يعود في الحقيقة الى خوف الأحزاب من تسمية النجاح باسم رئيس الحكومة او أحد وزراءه السابقين او الحاليين وكذلك القادمين، وهو ما ساد عليه العرف من تحطيم وتقليل من قيمة هذا الجهد لكيلا يحسب لجهة على حساب الجات الأخرى.

فلا توجد ولغاية الآن في البلاد وتحديدا لدى الطبقة السياسية ثقافة الإنجاز التراكمي، أي ان يكمل القادم ما بدأه الراحل، مستخدمين الماكنة الإعلامية التي تفتقر هي الأخرى الى الشفافية والحيادية والمهنية في الطرح، وكما وصفتها في بداية المقال بالعمياء، التي لا تريد ان ترى النور.

الإعلام في الوقت الحالي تخلى عن الكثير من اخلاقيات العمل الإعلامي، تجد مقدم البرامج كل وظيفته هو إثارة الصراع والتصادم بين الضيوف، وإلا يعتبر نفسه غير كفوء، وهو بذلك ترك الساحة خالية من دون أن تصاحبها تحليلات منطقية، مبنية على روئ علمية، تمثل الإعلام الواعي الواثق من نفسه.

لا نريد الإعلام، الذي يلقي بالمعلومات أو الرقم أو الإحصائية، بقصد إثارة الخوف وليس باعتبارها مشكلة عليه تشخصيها، بل يجهد نفسه لإثارة الشعب وتحفيز قلق المواطنين على الواقع والمستقبل، يتجاهل تقديم التعليقات والتفسيرات والتحليلات العميقة لأصل المشكلة وينزوي وراء التحليلات والتفسيرات السطحية، التي تزيد الطين بلة، ولا تحل المشاكل وتصحح الأخطاء وتحد من المبالغات، وتقلص من التشاؤم وتزيل الخوف.

‏اليوم بحاجة الى الإعلام، الذي يتكلم ويتحدث عن السلبيات، يحذر ويوضح بكل موضوعية، وإن كانت بعض الأحيان قاسية تثير الخوف والقلق من المستقبل، ويضع الحلول والتصورات، التي تثير الأمل وتطرح الحلول.

ونحن كجمهور نقف مع هذا النوع من الإعلام، الذي لا يستغل أي معلومة تثير الرعب والرعب والخوف والقلق، من دون أن يطرح معها حلولاً واقتراحات من قبل متخصصين فاعلين، يعرفون ما يقولون وكيف يقولون، ومتى يتحدثون، ويعرفون كيف يشخصون أمراض ومشاكل الوطن.

اضف تعليق