تحوّل فلسطين من قضيّة إلى دولة يُرتّب أولاً على الفلسطينين مسؤولية تاريخية بتوحيد صفوفهم و صوتهم و جهودهم، ويفتح امام العرب، دولاً و شعوباً، آفاق عمل جديدة ومُشجّعة نحو جهد عربي مشترك لدولة فلسطينية، لأمن عربي مشترك، حينها ستدرك اسرائيل، إن بقيت، بأنَّ التطبيع، دون دولة فلسطينية...
غادرنا زمنا وفلسطين كانت ” قضيّة “، و أقبلنا على آخر وفلسطين اصبحت ” دولة “. اصبحت دولة،ليس فقط بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة في 10 يناير (مايس) 2024، وبغالبية 143 صوتا يدعم عضويّة فلسطين في المنظمة الدائمة، وانما بيقظة الشعوب واعترافها. البندقية هي التي حرّرت فلسطين من صفة ” قضيّة وألبستها صفة رسمية دولة. البندقيّة وبالاتجاهين، بندقيّة الاحرار صوب المُحتل والقاتل ووقودها الحق و الصبر والأمل والاستشهاد، وبندقية المُحتل و القاتل و بوقود الباطل والمجازر والابادة والتجويع، حيث دماء الضحايا جعلت المُحتل و القاتل و الظالمين في ضياع وفي ضلالٍ مُبين .
حقاً أصابَ في القول و المعنى، الشاعر المرحوم محمد مهدي الجواهري حين قال :” أتعلمُ ام انت لا تعلمُ بأنَّ جراح الضحايا فمُ ” (من قصيدة رثاء أخيه جعفر الذي استشهد في التظاهرات في بغداد، ضد الانتداب البريطاني عام ١٩٤٨) . فعلاً بجراح الجياع وبدماء الشهداء ترتقي الشعوب والاممُ .
على مدى خمسة وسبعين عاماً من عمر فلسطين، وهي ” قضيّة ”، نجحت إسرائيل في القتل و المجاز والاحتلال والاغتيالات والتصفيات،ولكن ماذا كانت المُخرجات ؟
صمود وصبر ونضال و مبادرات سياسية، ومن كل العرب،وفي مقدمتهم طبعاً، الأقرب منّا للقضيّة والأكرم منّا جميعاً بدمائهم من اجل القضية، ولاسرائيل و لأمريكا خسائر وانحطاط و مهانة.
منذ تاريخ 7 اكتوبر (طوفان الأقصى) ولليوم 25 آيار (مايو)، (مدة سبعة اشهر و نصف)، مُدّة تفوق في عطائها الايجابي لفلسطين، مدّة 75 (سبعة عقود ونصف) عاما من البلاء على فلسطين و العرب و شعوب العالم الحُّرة !
عطاء ايجابي على الصعيد القضائي والدبلوماسي و العسكري والاعتباري .
دعونا نتفحًص،على عُجالة،العطاء الايجابي على الصعيد القضائيّ و الدبلوماسي :
أمس، الجمعة،٢٠٢٤ /٥/ ٢٤، أمرتْ محكمة العدل الدولية إسرائيل بأن توقف على الفور هجومها البري على رفح .
الحكم ادانة لإسرائيل، ويزيد من عزلتها الدولية .
قبلَ اقل من اسبوع ( في 20 يناير ) قرر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الطلب إلى المحكمة اصدار أوامر قبض ضد نتنياهو ووزير الدفاع في الحكومة .
أُوجعَ هذا القرار كثيرا إسرائيل، واكثر امريكا، وادخلهما، صراحة، في ”حيص بيص”، فتبنيا تصريحات، ماهي الاّ هذيان، تناسيا انهم شيوخنا في الديمقراطية وحقوق الانسان. ولقساوة التصريحات والتهديدات الموّجهة للمدعي العام للمحكمة وأعضائها، طالبت ”سمير أميس” الملكة الآشورية ( 800) قبل الميلاد، التي تعتلي نصب تمثال الحرية في نيويورك، بالعودة إلى بلادها، وقدّم النحات الفرنسي فردريك بارتولدي (صانع التمثال) اعتذاره للشعب الفرنسي، الذي اهدى نصب الحرية للشعب الأمريكي عام 1871، بمناسبة عيد الاستقلال .
قبل أسبوعين، قررت جمعية الامم المتحدة،بتاريخ 10 يناير (مايو ) ٢٠٢٤، قبول عضوية فلسطين كدولة في الجمعية العامة للامم المتحدة، ورفعت توصية إلى مجلس الامن الدولي بقبول فلسطين عضواً في الامم المتحدة .
وتوعّد كبار رجال الادارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي منظمة الامم المتحدة بقطع التمويل عنها وعن برامج الغذاء العالمي،وقالوا صراحة: دولة فلسطينية او تجويع العالم !
اوربا تستفيق بعد سُبات طويل، حيث بدأت تتعاقب اعترافات الدول الاوربية بدولة فلسطين .
بتاريخ 2024/5/22، أعلنت النرويج وإيرلندا واسبانيا الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، وسيدخل القرار حيّز التنفيذ بتاريخ 28 من الشهر الجاري .
ومن المقرر ان تعلن الدنمارك في الأسبوع القادم اعترافها بالدولة الفلسطينية.
لن تتأخر الدول الأخرى وخاصة إيطاليا و فرنسا، حيث مطالبات برلمانية لحكوماتهم بالاعتراف، على غرار الدول الأوربية التي اعترفت .
طوفان الأقصى اسقط والى الأبد التفوق العسكري الإسرائيلي، وقدرة إسرائيل و امريكا على حسم حرب، وجرهم إلى حرب استنزاف .
و فوق هذا وذاك تواجه إسرائيل غضب الشعوب والتنديد و العُزلة الدولية .
خسرت إسرائيل ما شيّدته، على باطل خلال 75 عاماً، وربحت فلسطين ما صبرت طويلاً على قدومه، خلال سبعة شهور ونصف .
ما عسانا، نحن العرب، ان نفعل ؟
علينا ان نعي استحقاقات العمر الجديد لفلسطين كدولة وليس كقضية، ونعكس المعادلة. دعونا نتحدث عن دولة فلسطين وعن قضية او مشكلة اسرائيل .
علينا الاهتمام بمقومات دولة فلسطين وجعل هذه المقومات مدخلاً او أساساً لمعالجة قضية او مشكلة اسرائيل. ماهي هذه المقومات؟ جغرافية، سلطة، شعب، سيادة .
واعتراف الدول بدولة فلسطين يعني اعترافهم بشعب وبجغرافية فلسطين، وفقاً للقرارات الدولية، وسيادة وسلطة فلسطين.
تحوّل فلسطين من قضيّة إلى دولة يُرتّب أولاً على الفلسطينين مسؤولية تاريخية بتوحيد صفوفهم و صوتهم و جهودهم، ويفتح امام العرب، دولاً و شعوباً، آفاق عمل جديدة ومُشجّعة نحو جهد عربي مشترك لدولة فلسطينية، لأمن عربي مشترك، حينها ستدرك اسرائيل، إن بقيت، بأنَّ التطبيع، دون دولة فلسطينية، دون تطبيق لقرارات مجلس الامن بخصوص الأراضي العربية المحتلة، دون سلام حقيقي، لن يطيل عمر وجودها .
اضف تعليق