في العراق نفتقر للجائزة الأدبية التي تليق بتاريخ العراق وعمقه الأدبي الإبداعي، حتى جائزة وزارة الثقافة ليست بالمستوى المطلوب، لا من حيث الجانب المادي، ولا من حيث جدية الجوانب التنظيمية لهذه الجائزة، لذلك من الأهمية بمكان تعزيز هذه الجائزة بما يجعل منها أكثر اجتذابا وتأثيرا في الأوساط المتبارية...
ما هو التعريف أو المغزى الذي يمكن أن نوضّح فيه أهمية وجدوى الجوائز الأدبية، وهل لها دور إيجابي أم العكس، فيما لو أردنا أن نناقش هذا السؤال بحيادية تامة؟
بمعنى هل يوجد دور للجوائز الإبداعية في تطوير الثقافة والأدب والأفكار والفنون؟، بعضهم يجيب بشكل مباشر وسريع بأنها وسيلة أو طريقة لتحفيز المبدعين في المجالات كافة وليس الأدب وحده، لكي يتشجَّع المبدعون على إظهار مواهبهم وطاقاتهم بصورة أوضح وأقوى وأكثر تميّزا، وبهذا فإن الجوائز يمكن أن تخلق أجواء تنافسية بين المبدعين.
تُرى هل الهدف من إقامة الجوائز الأدبية هو خلق أجواء تنافسية بين الأدباء والكتاب؟، بالطبع لا يمكن إنكار هذا الهدف ولكن هناك أمور جانبية ترافق إطلاق الجوائز وإعلانها وإدارتها وتنظيمها والأهداف المرسومة قبل إطلاقها، هذه الجوانب كلها تحتاج إلى مناقشات وحوارات صريحة وجادة للعثور على جدوى هذه الجوائز وأهميتها.
هل الجوائز معيار للإبداع الجيد؟
من ناحية إدارة وتنظيم جوائز الأدب أو الجوائز التشجيعية للمبدعين بشكل عام، هناك مشكلة درجة نزاهة الجائزة، وكيفية تحقيقها بسبب تعدد الأطراف التي تدخل في عملية تنظيم هذه الجوائز، فلجان التحكيم غالبا ما تكون متعددة الأفراد والأذواق والرؤى والأفكار، وهذا ينعكس على نزاهة الجائزة وطريقة تحكيمها، هذا يخلق تمايزا وتفاضلا بين الجوائز نفسها.
الأهداف التي تقف وراء إطلاق الجوائز أيضا قد تشكل عائقا أمام نجاحها وقد تكون سببا في هذا النجاح، لاسيما إذا كانت هذه الأهداف قريبة أو بعيدة عن الإبداع، فهناك جوائز عالمية مثل (جائزة نوبل السنوية) وهي أرفع جائزة إبداعية عالمية تشمل الأدب والسلام والعلوم وسواها، لكنها دائما ما تُتَّهم بمنحها إلى مبدعين على أسس سياسية، وهذه مثلبة كبيرة لا يمكن إنكارها وقد يكون من الصعب الاتفاق عليها.
ولكن لابد من القول أن الجوائز ليست معيارا نهائيا لقياس جودة النص الأدبي، ولا يمكن أن تشكل الجوائز فيصلا دقيقا للمفاضلة بين الأعمال الأدبية، لاسيما أن الشبهات تطارد الجوائز في عالمنا العربي، فضلا عن التصريحات التي تتهم بعض الجوائز العالمية الكبيرة بعدم الإنصاف وغياب العدالة أحيانا، وإلصاق التبعية السياسية بها.
لذا فإن الأمر يرتبط بدرجة نزاهة هذه الجائزة أو تلك، وكلما تصاعدت درجة نزاهة الجائزة تصاعدت درجة جدواها وأهميتها ويصح العكس، وهذا يعني أن الجوائز الرصينة هي تلك التي تثبت قوة وحقيقة نزاهتها وعدم تفريقها بين المتبارين إلا على أسس إبداعية بحتة.
في العراق والعالم العربي يسعى الكتاب نحو الجوائز بسبب التفاوت الإعلامي، وقلة تسليط الضوء على تجارب الكتاب الجيدين، وهنالك قضية العلاقات في الأوساط الأدبية وتأثيرها غير العادل، فالأديب الذي يكون في بؤرة العلاقات الأدبية وقريبا من مراكز الثقافة ومنظماتها، لا يحتاج إلى الجوائز، لأنه تحت الضوء، أما الكاتب المغمور أو البعيد عن الضوء وعلاقاته الأدبية قليلة، فإنه يخطط ثم يمضي صوب حصد هذه الجائزة أو تلك لكي يثبت بأنه يكتب النصوص الجيدة.
نزاهة الجائزة عنوان نجاحها
وهنا لابد من القول إن الجوائز الأدبية مطلوبة حتى مع العيوب الكثيرة التي تشوبها، كونها تخلق نوعا من المنافسة بين الكتاب والأدباء والفنانين وكل المبدعين، لكن هناك ضوابط أخرى تمنح الجائزة مكانة مرموقة وجدوى واضحة، منها قيمة مبلغها المادي، والحوافز الأخرى مثل طباعة المشاركات الأولى ومنح تحفيزات تشجيعية أخرى.
علما إننا في العراق نفتقر للجائزة الأدبية التي تليق بتاريخ العراق وعمقه الأدبي الإبداعي، حتى جائزة وزارة الثقافة ليست بالمستوى المطلوب، لا من حيث الجانب المادي، ولا من حيث جدية الجوانب التنظيمية لهذه الجائزة، لذلك من الأهمية بمكان تعزيز هذه الجائزة بما يجعل منها أكثر اجتذابا وتأثيرا في الأوساط المتبارية، ومنها تعزيز الجانب المادي والترويج الإعلامي ومنح الجائزة ثقلا أكبر مما هي عليه الآن لتتوافق مع ثقل العراق الأدبي تاريخيا.
الخلاصة تكتسب الجوائز جدواها من معاييرها التنظيمية، ومن قيمتها المادية والمعنوية، ومن الأهداف التي تُحصَد من إطلاقها، فضلا عن أمر مهم وهو يتعلق بأهم شرط من شروط جدوى وأهمية الجائزة ونعني به (درجة نزاهتها)، لاسيما أن بعض الجوائز المعروفة عربيا سقطت وانطفأت تماما بسبب فقدانها لركن النزاهة الأهم من بين أركان نجاح الجوائز الأدبية.
اضف تعليق