ان رواية تتحدث عن المستقبل، ستكون مشوقة لو كتبت برؤية تستحضر واقع ما بعد هذا الخراب، لكن للأسف، حصول التداعيات المؤلمة التي وفرت مادة روائية سهلة للبعض مع رغبتهم في الكتابة بما ينسجم وتوجهات لجان الجوائز التي ترافقت بوصفها تحشيدا ثقافيا للحدث...
يفضل علماء الإجتماع، قراءة حياة الشعوب وتواريخها من خلال آدابها، كونها الأقدر على إستجلاء الأعماق، وتصل ما لا يستطيع المؤرخ العادي الوصول اليه.. وبالطبع هذا ينطبق على الآداب غير المسيسة والمنحازة. فرواية عظيمة مثل (البؤساء) لـ فيكتور هيجو، مثلا، تناولت الفترة التي عاشتها فرنسا بين عامي 1815 و1832 حيث الظلم الاجتماعي الذي دفع الناس للثورة على الملك (لويس فيليب)، وتداعيات فشلها.
وكذلك رواية (الحرب والسلام) لـ تولستوي التي صوّرت لنا الآثار الإجتماعية لحملة نابليون على روسيا، وروايات اخرى كثيرة عدّت بمثابة مراجع للباحثين عند تناولهم مرحلة ما في حياة شعب او جماعة. في المقابل هناك روايات إستشرف كتابها المستقبل من خلال قراءتهم الحاضر فتشاءموا، مثل رواية (1984) لجورج أوريل، الذي كتب عن حياة شعب متخيّل يعيش تحت سلطة شمولية قمعية، ليحذّر منها! وكان دافعه لهذا العمل هو موقفه الرافض لتمدد الشيوعية وقتذاك.
كثيرون اليوم، يكتبون عن حياة شعوبهم، لاسيما في منطقتنا التي مازالت تحت تأثير عصف سياسي وأمني مرعب.. لكن الكثير من الحركات السياسية التي كانت سببا في هذا العصف الأهوج، غير واقعية على مستوى حمولتها الثقافية وإمكانية تحقق مشروعها، ونقصد تلك التي تتبنى الأصوليات الدينية أو جهويات عرقية وأمثالها، وهذه الحركات اندفعت الى الميدان السياسي بقوة، لاسيما في (الربيع العربي) لأن هناك من أعدها لهذه المهمة مسبقا! والسؤال الذي يطرح نفسه، هو ماالذي سيحصل لو إن هذه الحركات الإصولية او الجهوية، تمكنت من السلطة وتحكمت بحياة الناس؟!
قد يرى البعض هذا السؤال افتراضيا، ويتجاوز ما لحق بتلك الجهات نفسها من حيف، وتحديدا بعد إشهارها أو إشهار من يدعي تمثيلها السلاح ضد الأنظمة القائمة.. نعتقد ان رواية تتحدث عن المستقبل، ستكون مشوقة لو كتبت برؤية تستحضر واقع ما بعد هذا الخراب، لكن للأسف، حصول التداعيات المؤلمة التي وفرت مادة روائية سهلة للبعض مع رغبتهم في الكتابة بما ينسجم وتوجهات لجان الجوائز التي ترافقت بوصفها تحشيدا ثقافيا للحدث.
جاور التحشيد الاعلامي في (زفّة الربيع العربي)، كرّس حقائق زائفة عن تلك الحركات وقدّمها بصورة الضحية ولو بشكل غير مباشر، فالتداعيات الستراتيجية لمثل هكذا احداث دفعت وستدفع ثمنها الشعوب مستقبلا، وهي مرعبة حقا، وبضمنها بالتاكيد تلك الجهات التي يدعي هؤلاء الانتصار لها والثورة باسمها.
لم نقرأ، مثلا، رواية تتحدث عن سوريا او مصر او ليبيا وحتى العراق، وقد باتت تحت سيطرة الفصائل الأصولية والجهويات الضيقة، وكيف سيكون شكل الحياة معها؟ .. ومرة أخرى نقول، قطعا هذه ليست افتراضات بل واقع كاد يتحقق بالكامل في مرحلة ما، ومن هنا نرى ان استعراض المآسي وحدها عند كل حدث، لايعني بالضرورة الإنتصار للإنسان، بل احيانا يكون هذا بمثابة جرعة معنوية لأعداء الانسان، يتنفسوا منها ثقافيا ويديموا مشاريعهم الجنونية التي خرّبت حياة الناس.. ولهذا نقول، ان هناك رواية او روايات استشرافية لم تكتب بعد.. ولانعتقد انها ستكتب مستقبلا، لأن هموما اخرى ستأتي وينشغل بها الأدباء، ميدانيا كالعادة!!
اضف تعليق