في العراق حصل العكس تماما، اذ ما أن خرجنا من مأزق الحصار الذي شلّ الدولة وشوّه حياة الناس، حتى دخلنا في غياهب اللاّ دولة وغياب الرؤية المؤسسية التي تنهض بالبلاد، فبعد العام 2003 تحوّل التفنن بالاحتيال ايام الحصار الى تفنن في طرق الفساد، عندما اصبح المال العام سائبا...

عندما نتذكر ايام الحصار في التسعينيات، نتذكر معها اشكالا متعددة من فنون النصب والاحتيال التي كانت غريبة على مجتمعنا، والسبب هو ان الاقتصاد العراقي اصيب بخلل بنيوي، ولم يكن مشكلة اجرائية يمكن حلها بقرارات ادارية، فانفتح الباب امام (نشاط اقتصادي) فوضوي لا يحتكم الى قيم الناس واخلاقها.

التجربة نفسها مرت بدول اخرى عاشت ظروف العراق من حروب وغيرها، لكن الخلاص من كل تلك الاشكال المخزية، بدأ مع انتهاء الظرف الطارئ، وبعد ان استعادت تلك الدول بوصلتها، التي غابت بغياب اقتصاد قوي يضبط المعادلة الحياتية والاجتماعية ويجعل المواطن يشعر بالاطمئنان على حاضره ومستقبله.

في العراق حصل العكس تماما، اذ ما أن خرجنا من مأزق الحصار الذي شلّ الدولة وشوّه حياة الناس، حتى دخلنا في غياهب اللاّ دولة وغياب الرؤية المؤسسية التي تنهض بالبلاد، فبعد العام 2003 تحوّل التفنن بالاحتيال ايام الحصار الى تفنن في طرق الفساد، عندما اصبح المال العام كثيرا جدا وسائبا في الوقت نفسه، والسياسة تحولت الى ما يشبه عمل المافيات، فالفساد لم يقتصر على الاستحواذ على الاموال العامة بطرق ملتوية، وانما ابتكرت طرق غير مألوفة وتوزعت مختلف النشاطات الحياتية ومنها الاعلام.

ولا نقصد ما يروج من خطابات بائسة لبعض وسائل الاعلام، لاسيما الفضائيات، بل ان هناك رائحة فساد صارت تزكم الانوف تتمثل في الحضور الدائم لبعض الوجوه الكريهة، على شاشات بعض الفضائيات وفي برامج نجد ان اغلبها ليس من اختصاص هؤلاء، فبعض النواب و(النائبات) او المسؤولين تراهم وفي اوقات متقاربة على اكثر من شاشة ويتحدثون عن كل شيء ويرسمون مستقبلا زاهرا للبلاد! وينتقدون الفساد ويهددون بفضح الفاسدين!

والسؤال الذي يطرح نفسه، هو ما الذي يجبر هذه القنوات على تضييف هؤلاء بشكل مستمر البعض في كلامنا تجنيا او اتهاما لأناس ليس لدينا دليل مادي عليهم، ونقول نعم، لكن لدينا دليل عقلي يفرض هذا السؤال، وايضا يقدم لنا الاجابة، والإجابة باختصار، هي ان هناك مسؤولين وبرلمانيين ادمنوا الحياة الرغيدة في ظل المنصب وامتيازاته ولا يستطيعون تخيّل انفسهم خارج هذه البحبوحة.

ولذا فهم يبذلون بعض ما عندهم من مال تحصلوا عليه اصلا (ببركة) مواقعهم هذه، ليكونوا تحت الأضواء وليديموا ذلك بفرض انفسهم اعلاميا بوصفهم المدافعين عن حقوق الناس، ولو بأساليب ملتوية ومغمسة بالفساد الذي تسلل الى بعض الفضائيات وصار جزءا من ديمومة نشاطها للأسف؟!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق