أضعفت الثورة الرقمية نماذج أعمال معظم وسائل الإعلام المستقلة وأضرّت باستمراريّتها. وتُقدَّر الخسارة في الإيرادات في عام 2020 بما مجموعه 30 مليار دولار أمريكي. وأصبحت "الصحاري" الإخبارية المحلية أكثر شيوعاً من أي وقت مضى في ظلّ إغلاق وسائل الإعلام أو دمجها مع بعضها البعض أو تقليص حجمها في العديد من أنحاء بلدان الشمال والجنوب، وتُسيطر جماعات المصالح السياسية على وسائل الإعلام المتعثرة. وتُفيد دراسة استقصائية أجراها الاتحاد الدولي للصحفيّين إلى أنّ الاضطراب الناتج عن أزمة كوفيد-19 أسفر عن تعرّض ثلثي العاملين في مجال الإعلام والصحفيين المستقلّين في بلاد العالم قاطبة إلى خصومات من رواتبهم وإلى خسائر في الإيرادات وفقدان الوظائف وإلغاء المهام وتدهور ظروف العمل. وكشفت دراسةٌ استقصائية، أجراها المركز الدولي للصحفيين ومركز "تاو" للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا، أن أكثر من 40٪ من الصحفيين الذين شملتهم الدراسة أفادوا أنهم فقدوا أكثر من نصف دخلهم.
لقد شهدت جائحة كوفيدـ19 ارتفاعاً حاداً في الاعتداءات على الصحفيين، وضعفاً في الأنظمة المتعلّقة بحماية حرية التعبير. وتُظهر دراسة اليونسكو المعنيّة بالعنف الذي تتعرض إليه الصحفيات عبر الإنترنت، والمُرتقب الكشف عن نتائجها قريباً، أنّ 73٪ من الصحفيات اللواتي شملتهنّ الدراسة تعرّضن إلى العنف عبر الإنترنت بسبب عملهنّ. ويتجلّى العنف عبر الإنترنت غالباً في هيئة هجمات منسّقة معادية للمرأة، ويتّخذ أشكالاً جمّة تمتدُّ من لغة الكراهية إلى التهديد بالعنف الجنسي أو الجسدي. ويُفيد المعهدُ الدوليّ للصحافة بأنّ هناك بلدان أبلغت عن وقوع أكثر من 400 انتهاك طال حرية وسائل الإعلام في سياق أزمة كوفيدـ19، بما في ذلك فرض قيود على الوصول إلى المعلومات والمُغالاة في وضع الضوابط التنظيمية ضد الأخبار المزيفة المزعومة، ويُزعم أنّ هذه الإجراءات تصبو إلى معالجة المعلومات المضللة المتعلقة بكوفيد_19.
لا غنى لأيّ فردٍ من أفرادِ المجتمع عن الدور الذي يؤدّيه الصحفيّون في إنتاج المعلومات الواقعية ونشرها. ولا بدّ من الاعتراف بأنّ المعلومات التي يزوّدنا بها الصحفيّون "منفعة عامة"، سواء من خلال دورهم في إماطة اللثام عن الفساد، أو تنبيهنا إلى النزاعات أو فضح المعلومات المضللة بشأن كوفيد-19.
وقد اختيرت الصحفية الاستقصائية والرئيسة التنفيذية لوسيلة إعلامية، ماريا ريسا، من الفلبين للحصول على جائزة اليونسكو/ غيليرمو كانو العالمية لحرية الصحافة لعام 2021، بناءً على توصية لجنة تحكيم دولية مؤلفة من مهنيين في المجال الإعلامي. ويقام حفل تسليم الجائزة في 2 أيار/مايو في ويندهوك بناميبيا، بمناسبة المؤتمر الدولي الخاص باليوم العالمي لحرية الصحافة، وسيبثّ الحفل على الإنترنت.
وقد تولّت ماريا ريسا عدة مهام خلال أكثر من ثلاثين عاماً من حياتها المهنية، حيث عملت كمراسلة صحفية استقصائية رئيسية لآسيا في قناة "CNN"، وكرئيسة للأخبار والشؤون الجارية في مؤسسة "ABS-CBN". كما انخرطت في عدة مبادرات دولية تعمل على تعزيز حرية الصحافة. وتعرضت في السنوات الأخيرة لاعتداءات على شبكة الإنترنت ورُفعت بحقها دعاوى قضائية بسبب تقاريرها الاستقصائية ووضعها كمديرة للموقع الإخباري الإلكتروني "رابلر". وقد أوقفت بسبب جرائم مزعومة تتعلق بممارستها لمهنتها، وتعرضت لحملة متواصلة على شبكة الإنترنت من الإساءة الجنسانية والتهديدات والمضايقات، وصلت إلى حد تلقيها وسطياً أكثر من 90 رسالة كراهية في الساعة عبر منصة فيسبوك.
يعتبر كفاح ماريا الصائب في سبيل حرية التعبير مثالاً يحتذى للعديد من الصحفيين في العالم. تُعتبر قضيتها خير مثال على التوجهات العالمية التي تُهدّد فعلياً حرية الصحافة فتهدد بذلك الديمقراطية.
وتبلغ قيمة الجائزة 25 ألف دولار أمريكي، ويتمثل الهدف منها في تكريم الإسهامات الاستثنائية المبذولة في سبيل الذود عن حرية الصحافة والنهوض بها، ولا سيما في ظل الظروف المحفوفة بالمخاطر. وتحمل الجائزة اسم الصحفي الكولومبي، غيليرمو كانو إيسازا، الذي اغتيل بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر من عام 1986 أمام مقر صحيفته "الإسبكتادور" في بوغوتا (كولومبيا). وتموِّل الجائزة مؤسسة غيليرمو كانو إيسازا (كولومبيا)، ومؤسسة هِلسينغِن سانومات (فنلندا) وصندوق ناميبيا للإعلام.
اضف تعليق