ما أرخص الانسان في بلادنا، على عكس بلاد الدنيا التي ترى فيه قيمة عليا، ووجودا مقدسا، فتراه يقتل عندنا وتهدر كرامته وتصادر حقوقه بلا سبب وجيه، فهل يُعقل أن يُقتل انسان يريد لبلاده وزنا، وأن ينعم الناس بحياة رغيدة مماثلة لما عند الغير، واستعادة هوية مفقودة...

ما أرخص الانسان في بلادنا، على عكس بلاد الدنيا التي ترى فيه قيمة عليا، ووجودا مقدسا، فتراه يقتل عندنا وتهدر كرامته وتصادر حقوقه بلا سبب وجيه، فهل يُعقل أن يُقتل انسان يريد لبلاده وزنا، وأن ينعم الناس بحياة رغيدة مماثلة لما عند الغير، واستعادة هوية مفقودة يتطلع العراقيون للتميز والفخر بها بين الآخرين؟ هم استثنائيون بكل شيء، فلهم من التاريخ أعمقه، ومن الخصال أشرفها، ومن الطباع أنقاها.

وهل من الخطأ أن يتظاهر الناس لإصلاح خطأ في مسار، فلم تنهش فيهم مخالب كل من أصبحت له سلطة عليهم؟ فيساقون للموت سوقا، ولا أحد ممن تولى أمرهم يوقف الموت عند حده، ويعيد للإنسان قدسيته، ومنحه من الحقوق أدناها، وعندما يصرخ متألما يصنف في خانة المتمردين والعملاء، والمقلل من هيبة الزعماء، والمشوه لصورة انجازاتهم، فيُجبر الشباب على الفرار بجلودهم لأوطان الغربة، ويُسحق بالأقدام من تبقى داخل أسوار المستنقع، وليس بوسعهم سوى الأنين، وكأن من حولهم صم بكم، لا يسألون، لا عن هذا ولا عن ذاك، وطالما استمر سلوك اللامبالاة فلا تتوقع ارتقاء للبلاد، ولا تستغرب استباحتها ممن كان محل تندر او محط شفقة.

ولأن قيمة البشر لدينا هكذا، فتخيل ما قيمة فكر المبدعين منهم، فما من محتف به، ولا من يوليه المنزلة التي يستحق، ولا يحقق صاحبه منه فائدة ترتجى لحياته، بل على عكس ذلك تماما، يقطع المبدع من قوت عياله ليسّوق فكره، والأمثلة كثيرة، فلكي تصدر كتابا أمامك طريقان اما أن تطبعه على حسابك، او تمنحه بلا ثمن لدور النشر بحقوق ملكية مدى الحياة، مقابل نسخ محدودة تستحي حتى أن تذكر عددها، ولأنك تريد لفكرك الانتشار، ولشخصك الحضور، والمساهمة بقدر ما تستطيع في بث الروح لوطن وامة تحتضران حتى وان كان تأثيرك لا يعدو الواحد من الألف، وعدم الوقوف متفرجا، بينما وطنك يئن من عميق الجراح، وشعبك يتراجع في حين الامم تتقدم .، فما من خيار سوى الموافقة.

وتسعى لنشر أبحاثك العلمية في مجلات محكمة، ولكن عليك أن تدفع ثمن نشرها، فتقطع أيضا من قوت عيالك لتدفع لها، ومؤخرا عقّدت الجهات المعنية بالبحث العلمي من شروط الترقيات لتربطها بالنشر في مجلات عالمية يقتضي النشر فيها مبالغ تزيد أضعافا عن تلك التي تدفعها للمجلات المحلية، ولا أحد يعوضك ما دفعت.

وينطبق الأمر نفسه اذا ما رغبت بالكتابة في الصحف والمجلات العامة، فلا يدفعون لك ثمن فكرك والوقت الذي أنفقته في الكتابة، والعذر ان الصحافة تمر بأسوأ حالاتها، وليس لها القدرة على مكافأة كتابها، فالورق والأحبار غاليان، والمبيعات في تراجع، والاعلانات في أضيق الحدود، وكلها أعذار صحيحة، فتتضامن مع مناهل الثقافة وتستمر بالكتابة.

ويُطلب منك المشاركة في مناقشة رسالة ماجستير او أطروحة دكتوراه، وتستغرق في قراءتهما اسبوعين على أقل تقدير، وتنفق يوما كاملا في المناقشة لا سيما اذا كنت من محافظة اخرى، وثمن كل ذلك 75 الف دينار لرسالة الماجستير، و100 الف دينار لأطروحة الدكتوراه، ويدفعان لك بعد مرور ما لا يقل عن سنة في أحسن الأحوال، مع انك دفعت نقدا نصفهما اجور نقل من بيتك الى الكلية التي ستجري فيها المناقشة، وبقدرها اذا أردت تناول وجبة غداء او فطور وغيرهما، وفي أحيان معينة تضيع عليك اجورك، ناقشت في احدى الكليات العريقة خمسة رسائل للماجستير، ومضت خمس سنوات، لكن اجورها لم تصلني حتى الآن، هذا جزء من الجهد المجاني، وغيره كثير يطول الحديث فيه، لست متأسفا على ما أقوم به أبدا، لكن كونوا على ثقة عندما يكون الفكر بلا ثمن لن نخطو خطوة واحدة الى الأمام.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق