لا أظن أحدا يجهل أهمية الاعلام مهما بلغ به التخلف، فوسائل الاعلام تحاصرنا من الجهات الأربع، والصراعات التي يعج بها عالمنا المعاصر صارت تُدار اعلاميا، ومن خلاله تتسلل بقية أدوات الصراع لتحقيق المصالح القومية، فله من القوة والتأثير في الدول ما يرتقي لمستوى استخدام العنف او التلويح به...

لا أظن أحدا يجهل أهمية الاعلام مهما بلغ به التخلف، فوسائل الاعلام تحاصرنا من الجهات الأربع، والصراعات التي يعج بها عالمنا المعاصر صارت تُدار اعلاميا، ومن خلاله تتسلل بقية أدوات الصراع لتحقيق المصالح القومية، فله من القوة والتأثير في الدول ما يرتقي لمستوى استخدام العنف او التلويح به.

وتمكنت بعض وسائل الاعلام من أن تكون دولا، لها من التأثير ما يرعب الآخرين، ويجعلهم يحسبون ألف حساب قبل اتخاذ أية خطوة، ودول لا معنى لها على الخريطة لولا وسائلها الاعلامية، وبعضها بالرغم من وزنها الثقيل، لكنها تراجعت كثيرا بسبب ضعف اعلامها ومحدودية تأثيره او ضيق نطاقه.

ولم يعد واقعيا وصف الاعلام بالسلطة الرابعة، بل هو السلطة الأولى بلا منازع، فمن خلاله تسّوق الدول والأفراد والجماعات نفسها، حتى صرنا لا نميز بين الغث والسمين، فامتلاك مهارات الاعلام يمكنها التغطية على أية حالة ضعف، فلا غرابة أن يصبح تافها نجما متألقا في عالم التواصل الاجتماعي، بينما مبدع حقيقي لا يعرفه أحد لجهله بكيفية الترويج لإبداعه، كل ذلك جعل الانترنيت كالهواء والماء، لا يمكن للناس الاستغناء عنه الا قسرا، فيصابون بالكآبة ويشعرون بفراغ قاتل، وفي حالة حجبه مستعدة للاحتجاج ضد الحكومات بالقوة نفسها عند احتجاجهم لغلاء المعيشة او تراجع الخدمات او تعثر الكهرباء.

(فالراوتر) صار فردا من أفراد الأسرة، يسأل عن وجوده القريب والبعيد، الكبير والصغير، وان غاب يُفتقد، وبحضوره يشيع التفاؤل، بينما جلس التلفزيون على مصطبة الاحتياط، في حين ارتبطت الأنفاس الاخيرة للراديو بالمصادفة، فانسحب عن جميع مواقعه المتقدمة ليرتكن في زاوية منسية من زوايا المركبات.

وسط هذه الأجواء المكتظة بالمضامين والأشكال والصور التي يشبهها البعض بالهواء الذي تتوقف حياتنا على ما فيه من اوكسجين، وفي الوقت نفسه محمل بالمايكروبات والأتربة. ولكي نحافظ على جسم سليم وصحة وعافية، يستلزم وعيا صحيا عاليا، ولا يمكن لهذا الوعي أن يتحقق من غير تعليم، وهذا ما أدركته الامم مبكرا، فاستحدثت المدرسة.

وسط هذه الأجواء ما زلنا نتعامل بعشوائية يهيمن علينا سلوك اللامبالاة بالرغم من ادراكنا لما ينطوي عليه الانترنيت بمواقعه المختلفة من مخاطر لا تقل سوءا عن أضرار الهواء الملوث.

فقد أدمنا وأطفالنا استخدام هذه المواقع، واذا كان العمل والمسؤوليات تلهينا نحن الآباء عن استخدامه بإفراط، فالفراغ الذي يحيط بالأبناء وانعدام قنوات الترفيه واللعب، جعلت الانترنيت متنفسهم الوحيد، فأدمنوه. وأصبح الموبايل رفيقا دائما، يضعونه تحت الوسادة، تمتد أيديهم له في لحظة الاستيقاظ التي تغيرت من الصباح الى المساء، يد تفرك العينين والاخرى عليه، جميع العوائل تشترك في هذا الهم الكبير، وبدأت تلمس مشكلاته الا القليل منها، لكنها ليست بمنأى عنه عبر سبل شتى.

ولم يعد بمقدورنا تقنين استخداماتهم للمواقع الالكترونية الا بأسلوب القسر، ولن ينفع هذا الأسلوب على الدوام، ثم لا نعرف بدقة كيف نقنن استخداماتهم بطريقة علمية محسوبة. من هنا تبرز التربية الاعلامية التي غدت حاجة مجتمعية ماسة، فرضها اتساع مساحة المستخدمين، ولكي تحقق هذه التربية أهدافها، لابد أن تكون ممنهجة، أي أن تجري عبر المدرسة، بمعنى آخر استحداث درس التربية الاعلامية في المراحل الدراسية الأولية حتى نهاية المرحلة الجامعية، وهذا يتطلب تأهيل معلمين ومدرسيين للقيام بهذا الدور التربوي الجديد، وكليات وأقسام الاعلام هي الأقرب لإعدادهم. لكن الموجود منها غير كاف لسد حاجة وزارة التربية، ما يستدعي استحداث كليات للإعلام في جميع جامعات البلاد، فلابد من رؤية استراتيجية بعيدة المدى لهذا الموضوع، لا أتمنى التفكير فيه عندما تخرج الامور عن السيطرة. وللذين يقع هذا الموضوع خارج اهتمامهم أقول: ان تربية العقول لا تقل أهمية عن تربية الأذواق والأجسام التي تجري عبر درسي التربية الفنية والرياضية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق