ان مواجهة التطرف والغلو الفكري ليس بالأمر اليسير فالتطرف الفكري قد يتحول الى تطرف سلوكي ينتج منه ارهاب وقتل ودماء في حال تركه دون معالجات فكرية لأن القاعدة المنطقية تقول الفكر بالفكر والجريمة بالعقاب، لذل يتحتم على المتصديين لكل المنابر الدينية والاكاديمية والفنية والإعلامية...
ليس من الخطأ ان يعلن الانسان عن تبينه راياً يراه مصيباً، ويرفض راياً أخراً لاعتقاده انه باطلاً، والانسان دائما يسعى ان يرى الرأي الذي يؤمن به منتصرا فيبدأ بنشره وربما يسعى الى اضعاف الراي الاخر المختلف عنه كما هو الحال في دفاعات البعض عن اراءهم الدينية والفكرية والعلمية وغيرها من الآراء.
ولأي فرد كامل الحق في ان يجتهد في خدمة متبنياته واعتقاداته الفكرية وبذلك يخلق الحراك الفكري بين بني البشر عبر التنافس المشروع والسليم وتحفيز العقول واستثارتها للإتيان بجديد معرفي وفكري يختلف عما يطرحه الاخرين، فلو لم يتصدوا اصحاب العقول بطرح الافكار والدفاع عنها لسادت حالة الركود الفكري، والجمود المعرفي.
وبمعرض الحديث حول اهمية طريقة طرح الفكر نشير الى نهجين مختلفين في المواجهة الفكرية الاول هو نهج القمع بالعنف لأصحاب الراي الاخر المختلف وان كان رأيهم سديداً ومقنعاً من خلال التضييق عليهم والتنكيل بآرائهم وتشويه سمعتهم من خلال تضليل متبنياتهم في المجتمع خشية انتشارها.
وهذا هو نهج الجبابرة والمتغطرسين اللذين يصادرون حريات الانسان وينتهكونها حين تكون هذه الحريات ومنها حرية الفكر تشكل مصدر تهديد لسلطتهم ومصالحهم وبرجوازيتهم، فقد سلك أولئك الفارغون فكرياً هذا النهج ضد من يقف بوجههم ويعارض افكارهم متحججين بحجج محاربة الافكار المنحرفة او بعنوان التصدي للبدع، لكنهم لم ولن يفلحوا فكم حاول العباسيين والامويين ان يطمسوا الافكار السديدة والمنيرة لآل بيت النبوة واظهارها بصورة الافكار المشوهة وغير الحكيمة كي ينفر الناس من هذه الافكار الا انها تزداد توهجاً وبهاء يوم بعد اخر وحين بعد حين و الله متمم نوره ولو كره الكافرون، فهذا الحسين خير نموذج للمضحين من اجل افكارهم ومن اجل اعلاء شأن القضية التي تبناها واستشهد من اجلها، والمبدأ الذي سار عليه لنشر افكار الحق ونجح في ذلك وبات فكره ومنهجه منارا للباحثين عن الحرية في العالم اجمع.
اما النهج الاخر فهم اصحاب الحجة والبرهان المجتهدين في بيان الراي واثبات صحته بالدليل المنطقي و العلمي والنقد الموضوعي للراي الاخر من خلال كشف مكامن الضعف فيه وابطاله ان لم يستند على دعامة رصينة، وهذا هو طريق الانبياء والصالحين واولي الالباب اللذين يتخذون الطريق المشروع لنشر اي مبدأ او فكرة وعرضها بأفضل بيان كما يدعون الى افكارهم بأجمل أساليب التخاطب مع العقول والنفوس على اختلاف مستوياتها الفكرية والثقافية وذلك هو النهج الإلهي الذي قرره القرآن الكريم، يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
فالرسالات السماوية لم تتعامل يوماً مع الانسان بالتعسف والقهر والاجبار بل تعاملت معه باعتباره كائناً عاقلاً مريداً، ولذلك تحترم عقله وتتخاطب معه، وتراهن على الثقة به وحسن اختياره، رافضةً جميع اساليب الهيمنة وممارسة الوصاية الفكرية عليه لان ذلك يتجاهل دور العقل البشري ويلغي مهامه العظيمة وهذا يخالف المبادئ الناظمة للمواجهة الفكرية، لإثبات الحقائق المنطقية وبطلان ما عداها.
ان مواجهة التطرف والغلو الفكري ليس بالأمر اليسير فالتطرف الفكري قد يتحول الى تطرف سلوكي ينتج منه ارهاب وقتل ودماء في حال تركه دون معالجات فكرية لأن القاعدة المنطقية تقول "الفكر بالفكر والجريمة بالعقاب"، لذل يتحتم على المتصديين لكل المنابر الدينية والاكاديمية والفنية والاعلامية توجيه جهودهم لمواجهة ازمة التطرف الفكري والقضاء عليه او الحد منه على اقل تقدير.
فالتطرف ليس الا فكرة تزرع في عقل الانسان تستحوذ على طريقة تفكيره وتنفي كل الافكار المضادة لأفكاره فتصير هي الحقيقة كاملة وكل ما سواها باطل، ثم تسيطر على الإنسان كله، فتحوله إلى عدو للذين لا يؤمنون بنفس فكرته، فيصبح لغم بشري ينفجر في أول من يلامس فكرته او يعارضها.
ختماً نقول: ان الأفكار سلاح ذو حدين على حامليها، يجب الحذر منها وانتقاء الصالح منها لأنها خطرة ان كانت سيئة او مسمومة كالأفكار الافكار الشيطانية ونافعة حين تكون افكار رحمانية فثمة فكرة تجعلك تنحي لصنم وفكرة اخرى تجعلك تحمل فأس لتحطم ذلك الصنم، فحري بالفرد العربي المسلم التسلح بسلاح الفكر النقي والواعي لمواجهة الافكار الدخيلة ورفضها وعدم الانصياع لها مهما بلغ حجم قوتها وبأسها وبذلك نضمن جيل محصن فكرياً وثقافياً يقود المجتمع الى الطليعة لا العكس.
اضف تعليق