q
تسود حالة إصرار غير عادية من بعض الصحف الغربية البارزة، البريطانية على وجه التحديد، على حتمية الحرب الإسرائيلية الإيرانية وما قد يرتب عليها من تغييرات سياسية في منطقة الشرق الأوسط، فلماذا تصر الصحافة البريطانية على تأجيج الحروب؟، وما مدى تأثير الرسائل الاعلامية التي تنشرها على الدول المستهدفة؟، وهل هذه التقارير البريطانية هي احداث حقيقية وتحليلات واقعية ام مجرد دعاية سوداء ضمن الحرب النفسية السياسية بين إسرائيل وايران؟...

تسود حالة إصرار غير عادية من بعض الصحف الغربية البارزة، البريطانية على وجه التحديد، على حتمية الحرب الإسرائيلية الإيرانية وما قد يرتب عليها من تغييرات سياسية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من ان الكثير من المتخصصين في الشؤون الاعلامية يرون ان الهدف من صناعة الاعلام هو تغطية الاحداث والحصول على ارباح مادية عن طريق الاعلانات التي باتت مصدرا رئيسا لتمويل الكثير من وسائل الاعلام المتطورة، لكن واقع العمل الاعلامي يشير الى ان تكون هناك دوافع أخرى تتخطى مجرد جني الارباح، اذ ان هيمنة الاعلام على مختلف الاصعدة ودوره في تشكيل الرأي العام يمكن يكون عنصرا اساسيا في تجنيد الجمهور لأجندة خاصة غير معروفة المقاصد، قد تخبئ ورائها دهاليز الصناعة الاعلامية.

إن الخطورة تأتي من أن بعض وسائل الاعلام، التي تعمل على افتعال الازمات واستثمار التشاحن السياسي لتمرير اجندتها، فهي تحاول صناعة صور نمطية معنية تخدم مصالحها، هنا تفقد الوسيلة دورها التنويري والتوجيهي والإرشادي، لأن الصحافة هي رسالة قبل ان تكون مهنة، فمنذ أن وجدت الصحافة شكّلتْ أداة مهمة في بناء القيم المجتمعية السليمة، لذا يجب ان تكون مرآة صادقة في طرحها وتناول موضوعاتها، الامر الذي قاد الى منحها لقب او تسمية (السلطة الرابعة) لما لها من دور مؤثر في بلورة الرأي العام وتوجيه اتجاهات وخيارات المجتمعات.

وعليه تطرح المعطيات التي تقدمها الصحافة البريطانية تساؤلات مهمة بحسب المراقبين الاعلاميين، لماذا تصر الصحافة البريطانية على تأجيج الحروب؟، وما مدى تأثير الرسائل الاعلامية التي تنشرها على الدول المستهدفة؟، وهل هذه التقارير البريطانية هي احداث حقيقية وتحليلات واقعية ام مجرد دعاية سوداء ضمن الحرب النفسية السياسية بين إسرائيل وايران؟

نذر حرب إسرائيلية إيرانية

اهتمت أكثر من صحيفة بالتصعيد في المواجهة بين إسرائيل وإيران، فنشرت صحيفة الصنداي تايمز تقريرا موسعا من مراسلها في القدس وتحليلا استراتيجيا كتبه السير لورانس فريدمان البروفسور المختص بدرسات الحرب في كينغز كوليج بلندن.

ويقول المراسل في تقريره، الذي حمل عنوان "إسرائيل تستعد لهجوم إيراني مع وصول شبح الحرب إلى درجة الغليان"، إن جنود وضباط الفرقة 98 المحمولة جوا في الجيش الإسرائيلي تلقوا في الساعة 7.32 من صباح الخميس نداء إنذار طوارئ على هواتفهم، الذي كان يصادف يوم الاستقلال في إسرائيل وكان معظمهم مستلقين في أسرتهم في يوم راحة، ويضيف أن نداءات الإنذار والطوارئ كانت في الماضي تبث عبر الراديو والتلفزيون لكنها في هذه الإيام تصل عبر الرسائل النصية على الهاتف.

ويوضح المراسل أن بعض منتسبي الفرقة سارعوا لارتداء ملابسهم العسكرية للالتحاق بوحداتهم، بيد أنهم تلقوا لاحقا رسالة نصية بإلغاء الإنذار السابق، ويضيف أن الجيش الإسرائيلي أعاد الإنذار الأول إلى خطأ تقني ونفى الشائعات التي تقول إنه كان جراء هجوم إلكتروني، ويرى المراسل أنه مهما كان السبب فإن ما حدث كان إشارة أخرى إلى القلق في الأيام الاخيرة داخل الجيش الإسرائيلي.

ويقول المراسل إن هجوما إيرانيا متوقع وليس ثمة طريقة للتأثير على معنويات الإسرائيليين أكثر من تنفيذه في يوم الاستقلال، ويضيف أن اليوم مر من دون حادثة أخرى، لكن الاستخبارات الإسرائيلية مقتنعة أن إيران تخطط لرد انتقامي على الضربة الإسرائيلية قبل إسبوعين، إذ ضربت الصواريخ الإسرائيلية في وقت مبكر من يوم 9 أبريل/نيسان مجمعا في قاعدة تيفور قرب تدمر في سوريا، وكان هدف الضربة حظيرة طائرات يستخدمها الحرس الثوري الإيراني، وقد قتل سبعة من ضباطه، بينهم ضابط برتبة عقيد.

ويقول التقرير إن الشكل الذي ستتخذه الضربة المضادة الإيرانية لم يتوضح بعد، بيد أن الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد أنها لن تكون شبيهة بحالات سابقة، عندما استخدمت إيران وكلاء لها لتنفيذ ضربات ضد عدوها، فهذه المرة ستكون عبر القوة الجوية لقوات الحرس الثوري للجمهورية الإسلامية.

ويضيف أن احد الاحتمالات يتمثل باستخدام طائرات من دون طيار محملة بالمتفجرات، كما يسيطر الحرس الثوري على شبكة صواريخ بعيدة المدى جهز بها نظام الرئيس بشار الأسد ومقاتلي حزب الله في لبنان.

ويشير المراسل إلى أن الجيش الإسرائيلي وُضع في حالة تأهب قصوى، ونشرت بطاريات صواريخ القبة الحديدة الدفاعية، وألغيت مناورات كانت مقررة في الآسكا لطواقم طيران طائرات أف 15 المقاتلة الإسرائيلية والقوة الجوية الأمريكية.

مخاطر هائلة

وفي مقاله التحليلي في الصحيفة نفسها يقول السير فريدمان إن إسرائيل وإيران تتبادلان الشجب والتهديد منذ وقت طويل، ولا أهمية هنا لحقيقة أنهما ليستا عدوتين طبيعيتين، إذ تفصل بينهما مسافة أكثر من 600 ميل، وليس ثمة أي نزاعات حدودية بينهما، وعندما يتعلق الأمر بمستقبل بشار الأسد في سوريا تميل إسرائيل إلى الاتفاق مع إيران على أنه من الأفضل بقاؤه في السلطة، خشية ما سيعقب انهيار النظام في سوريا.

ويسهب المقال في شرح الخلفية التاريخية للعلاقات الإسرائيلية الإيرانية التي كانت مزدهرة في عهد الشاه ضمن حلف استراتيجي يجمع البلدين بالاستناد إلى عدم ثقتهما بالدول العربية، ثم يعرج على تدهور هذه العلاقات بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ويرى فريدمان أن إسرائيل تفضل أن تتخذ إدارة ترامب خطا متشددا ضد إيران، كما أنها بضغطها على الأمريكيين للعب دور فاعل في مواجهة إيران، صاغت شراكة ظلت بعيدة الاحتمال مع المملكة العربية السعودية، إذ تظل القضية الفلسطينية حاجزا أمام تقاربهما أكثر.

ويرى الكاتب أن روسيا هي الوحيدة التي في موضع يؤهلها للحديث مع كل من الإيرانيين والإسرائيليين، وأنها ستخسر الكثير إذا اندلعت حرب بينهما على الأراضي السورية. وبالنسبة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذا مثال آخر على نوع المشكلات التي يواجهها الآن بوصفه القوة الخارجية المهيمنة في سوريا، ولكن ليس ثمة دليل على أن لديه نفوذا لفرض حل على كلا الجانبين.

ويخلص فريدمان إلى القول إن تلك واحدة من الحالات التي يجب أن لا تتحول فيها البلاغة المحرضة على القتال إلى اندفاع نحو الحرب، فالمواجهة على نطاق واسع ستجلب مخاطر هائلة لكل من إسرائيل وإيران.

في التايمز: "حرب مقبلة بين إيران وإسرائيل ستغير الشرق الأوسط"

تنفرد صحيفة التايمز بين صحف لبريطانية بنشر مقال تحليلي على مساحة صفحتين داخليتين فيها بشأن الحرب في سوريا والأوضاع المتأزمة في الشرق الأوسط تحت عنوان "خصومات تدفع بالشرق الأوسط إلى حربه المقبلة".

ويرى المقال، الذي كتبه محرر الشؤون الدبلواسية روجر بويز، أن الصراع السري بين إيران وإسرائيل بات الآن مفتوحا وعلنيا، ولا أحد يعرف أين سينتهي ما يسميه صراع "الجبابرة" في الشرق الأوسط.

ويقول بويز إن الحرب الدائرة في سوريا استمرت لثلاثين شهرا أكثر من الحرب العالمية الثانية ومازالت مستعرة في صراع غيّر طبيعة الحرب الحديثة وسيعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط، بحسب تعبيره.

ويضيف أن هذه الحرب شهدت اختبار نحو 150 من أنظمة الأسلحة الروسية، وقد أعيد استخدام التكتيكات القتالية للقرن العشرين من القصف المكثف المعروف باسم "سجادة القنابل" إلى التسميم بغاز الكلور لاختبار مدى امكانية استخدامها في حروب اليوم. كما مطّت وسائل التواصل الاجتماعي الحدود الاخلاقية: فبتنا نرى مسلحين يأخذون صور "سيلفي" مع أعضاء بشرية مبتورة، أو مقاطع الفيديو التي تصور قتل رهائن غطيت رؤوسهم بأكياس وباتت تأخذ طريقها إلى الانترنت، حيث يتلقى مراهقون غربيون محبطون تعليمات من مسلحين لنقل حمام الدم السوري إلى مدنهم وبلداتهم.

ويشير بويز إلى أن الأكاديميات العسكرية ومراكز الأبحاث تحلل تجربة المذبحة الجماعية تلك وتستخلص العبر منها. ومن بين الدروس الكثيرة المستخلصة من الحرب السورية يشدد على ثلاثة منها: الأول هو أن معظم المشاركين في هذه الحرب بدأوا من دون خبرة وبشح في التمويل وبدون كفاءة، الأمر الذي أدى إلى زيادة الخسائر بين المدنيين والعسكريين، ولكن بمرور الزمن تعلم معظم هؤلاء المقاتلين دروسا خاطئة وفشلوا في التأقلم لذا باتوا ورقة محترقة اليوم بنظره، ويرى بويز أن ما نراه انخفاضا في معدل الخسائر البشرية والإصابات ناجم فقط عن أن جماعات المراقبة توقفت عن عد الضحايا بعد أن تجاوز الرقم المقدر للقتلى أكثر من نصف مليون، أما الدرس الثاني بنظره فيتمثل في أن الاستخدام الروسي للقوة منذ عام 2015 أدى إلى نتائج متسارعة ولكن أكثر قساوة مما تنتجه تكنيكات القتال الحربية المقيدة المعتمدة في الدول الديمقراطية، وهو ما يعني بنظره أن المبادرة للانتصار بالحرب قد مُررت إلى الدولة القادرة على تجاهل التمييز بين المسلحين والمجتمعات المحلية التي تحتضنهم.

أما الدرس الثالث الأكثر أهمية بنظر الكاتب هو أن حربا طويلة الأمد مثل تلك ستنتهي إلى قتال بين الأكثر كفاءة وبين الماكينات العسكرية التي عركتها الحروب وامتلكت الخبرة القتالية. وفي هذه الحالة يشير بويز إلى أننا لن نرى استعراضا للقوة بين واشنطن وموسكو، إذ أن الرئيس دونالد ترامب لا يخفي نيته بسحب جنوده الـ 2000 من سوريا وإعادتهم إلى بلادهم.

لذا يرى الكاتب أن المواجهة ستكون بين إيران التي تدعم بشكل مباشر بقاء الأسد في السلطة وتقاتل من أجل تحقيق تفوق وهيمنة إقليمية، وإسرائيل التي تعد التوسع الإيراني تهديدا لوجودها.

بين نتنياهو وسليماني

ويسترجع بويز أحداث المواجهات المباشرة بين الجانبين في سوريا، ومن بينها إسقاط طائرة إيرانية مسلحة من دون طيار فوق إسرائيل في فبراير/شباط الماضي، وتحرك إسرائيل لضرب قاعدة إيرانية لتسيير طائرات من دون طيار "وقتل قائدها وضباطها في التاسع من الشهر الجاري قبيل أيام من الضربات الجوية الغربية على منشآت الأسد الكيمياوية".

ويضيف أن حربا خاصة تكشفت مع ما لا يقل عن 100 ضربة على قوافل أسلحة إيرانية، لم يعلن عنها، وزرع فايروسات في أنظمة كومبيوتر البرنامج النووي الإيراني وعمليات اغتيال لعلماء ذرة، وباتت معروفة بعد رفع الستارة عن الحرب السورية.

وينقل الكاتب عن الباحث البرتغالي الخبير في مجال الجغرافيا السياسية، برونو ماكايس، حديثه عن احتفال جنرال صيني بالتدخل الروسي في أوكرانيا في عام 2014، قائلا إنه أعطى الصين عشر سنوات إضافية للتهيؤ لمواجهتها الكونية مع الولايات المتحدة، حيث تحولت روسيا إلى العدو رقم واحد للولايات المتحدة وتنفست الصين الصعداء.

ويرى بويز أن شيئا مماثلا حدث في سوريا أعطى إسرائيل وقتا إضافيا وحول الانتباه إلى الأسد، مخفيا اللحظة التي عليها فيها أن تحوّل حربها السرية مع طهران إلى مواجهة ضارية مكشوفة، ويخلص بويز إلى أن هذه الفسحة قد انتهت الآن، وباتت كل من إيران وإسرائيل في مواجهة مباشرة، ولكن لا أحد يعلم كيف ستدار؟

ويخصص بويز بقية مقاله لمقارنة تفصيلية بين خبرات وقدرات الرجلين الأبرز في هذه المواجهة وهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والجنرال قاسم سليماني، ذراع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية العسكري، وقائد فيلق القدس، المسؤول عن المهمات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني.

اضف تعليق