q

مولاي علي الأمغاري

 

لا أظن أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتظر تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تعترف بسيطرة إيران على أربع عواصم عربية، وتبعيتها للثورة الإيرانية الإسلامية، على حد تعبير علي رضا زاكاني، المقرَّب من المرشد الإيراني؛ ليتنبه لسعي إيران للهيمنة على المنطقة.

فتصدير الثورة الإيرانية من صميم الدستور الإيراني، والحرس الثوري هو المكلف بهذه المهمة، فالمادة الثالثة والبند 16 من دستور إيران يقول صراحة في موضوع تصدير الثورة خارج إيران: "تلتزم إيران بتنظيم السياسة الخارجية على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم".

فمخططات إيران الاستعمارية التوسعية تعلمها تركيا، ولم ينتظر الأتراك حتى انطلاق معركة الموصل وقرب البدء في معركة الرقة، للتحذير من الهيمنة الإيرانية الفارسية على العراق وباقي العواصم المحتلة، فوقوفها مع الثورة السورية والمعارضة المسلحة من اليوم الأول، ودعوتها للمنطقة الآمنة، وإطلاقها معركة "درع الفرات" في الشمال السوري، والدخول في تحالف استراتيجي مع عدة دول خليجية، كانت محاولة للحد من النفوذ المتصاعد للجارة الخطيرة إيران.

قال الرئيس التركي أردوغان: "إن دور الحشد الشعبي وتوسع الهيمنة الفارسية في العراق ليس بالأمر الإيجابي".

تصريح الرئيس التركي هذا يوضح قرب اكتمال الهلال الشيعي الفارسي، وتحقيق إيران كل أهدافها، وبالتالي بسط نفوذها على المنطقة، هو الأول من نوعه في التعبير عن خطورة المخططات الإيرانية بالمنطقة، لكن تركيا منذ 2003 وهي تتوجس من النفوذ الإيراني في العراق ثم سوريا ولبنان واليمن وغرب آسيا وباكستان وأفغانستان، كما سعت إلى الحد من الهيمنة الإيرانية على دول المنطقة، لكن دون الدخول في مواجهة صريحة مع إيران.

وهجوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ميليشيات الحشد الشعبي العراقية -التي تعتبر من أدوات التوسع الفارسي بالمنطقة- جاء رداً على تصريحات عدة مسؤولين إيرانيين هاجمت الرئيس التركي المتمسك بموقفه من ميليشيات الحشد الشعبي الإرهابية، ومحاولتها القيام بعملية تطهير طائفي وعرقي بالموصل؛ حيث قال "حسين إبراهيمي"، رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق في البرلمان الإيراني: "إن الرئيس التركي أردوغان أصبح فاقداً لأي شعبية ومكانة في داخل تركيا وخارجها.. وتركيا ستهزم في العراق بصورة مفضوحة، وإن احتلال تركيا لجزء من الأراضي العراقية من دون التنسيق مع الحكومة المركزية في البلاد يُبين لنا أن هناك اتفاقيات وتفاهمات سرية تمت بين أنقرة وواشنطن لتقسيم العراق".

فتركيا في نظر الساسة الإيرانيين هي العقبة القوية التي تخشى إيران مواجهتها؛ لعلمها بما تتمتع به تركيا من قوة في مختلف المجالات، نعم بينهما تعاون اقتصادي متميز، لكن هذا التعاون، الذي يحرص على المصالح المشتركة بين تركيا وإيران، لا يلغي وجود تنافس قوي واختلاف للمصالح بالمنطقة، والذي ظهر في عدة ملفات إقليمية، وفي مقدمتها الملف السوري.

لقد حاولت تركيا وإيران التخفيف من أثر التغيرات في البيئة الدولية المتقلبة جذرياً، وعدم الوقوع في صدام مباشر، وإن كانت بينهما حرب بالوكالة في سوريا.

لكن تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين التي تنتقد المواقف التركية في سوريا والعراق، والرد التركي المحذر من الهيمنة الفارسية على المنطقة عبر أدوات ميليشياوية طائفية إرهابية، يؤشر إلى أن اللغة الدبلوماسية أصبحت لا تتحمل الخلاف التركي - الإيراني، خصوصاً أن إيران لم تراعِ النفوذ التركي بمدينة الموصل، وتتجاهل المصالح التركية بالعراق، ومحاولتها في عدة مرات إحراج الساسة الأتراك عبر تأليب حكومة العبادي على تركيا في قضية معسكر بعشيقة.

مَن قال مِن المحللين السياسيين والدارسين للعلاقات التركية - الإيرانية بأن "المصالح التركية والإيرانية متداخلة ومترابطة بشكل يصعب معه الفصل بينهما أو اتخاذ أي منهما مواقف عدائية ضد الآخر"، قد يكون صحيحاً لبعض الوقت، وليس كل الوقت.

وفي تاريخ العلاقات بين البلدين منذ قرون ما يؤكد ذلك، فإيران لن تقبل بمنافس قوي على النفوذ بالمنطقة، وتركيا ترى أن سيطرة إيران على المنطقة تعني رجوع تركيا لمرحلة الضعف والتقهقر، وأنها أولى بقيادة المنطقة لعدة اعتبارات سياسية واجتماعية ودينية وتاريخية وطائفية وعِرقية واستراتيجية، وإلا فإن تركيا ستكون بين كماشة إيران - الكيان الصهيوني، التي لن ترقب في تركيا إلًّا وَلَا ذِمَّةً.

هل كان تصريح الرئيس التركي المفاجئ بداية التصادم التركي الإيراني العلني خصوصاً أن "محمد شريعتي" سفير إيران الأسبق في منظمة التعاون الإسلامي قال: "إن تركيا من خلال مشاركتها في معركة الموصل تحاول أن تلعب دور إيران في العراق".

وأضاف شريعتي: "تركيا تقول: لماذا إيران تتواجد بقوة في العراق ولكن لا يسمح لتركيا أن يكون لها دور فاعل وتواجد في العراق؟ التواجد الإيراني في العراق يتم عبر التنسيق مع الحكومة العراقية، عكس تركيا التي ترفض بغداد تدخلها في الشؤون الداخلية للبلاد" عن "عربي 21".

هل ستدخل تركيا في صدام مباشر مع إيران، كحل واقعي وأخير للحفاظ على نفوذها بالمنطقة؟

وهل تغامر إيران بعلاقاتها مع تركيا من أجل تحقيق هيمنتها على المنطقة، وبالتالي فتح جبهة جديدة مع قوة ليست كباقي قوى المنطقة، خصوصاً بعد 15 يوليو/تموز؟.

اضف تعليق