الصحافة الثقافية لها بصمتها الخاصة على المستوى العالمي والعربي، وهناك تجارب مهمة وكبيرة في هذا النوع الصحفي الثقافي المتمرس، فالصحافة الثقافية لها أسلوبها الصحفي الخاص، وهي بعيدة كل البعد عن الأساليب الصحفية المعتادة، ولا يمكن أن تتشابه أو تقترب من اساليب الصحافة الخبرية أو سواها...
الصحافة الثقافية لها بصمتها الخاصة على المستوى العالمي والعربي، وهناك تجارب مهمة وكبيرة في هذا النوع الصحفي الثقافي المتمرس، فالصحافة الثقافية لها أسلوبها الصحفي الخاص، وهي بعيدة كل البعد عن الأساليب الصحفية المعتادة، ولا يمكن أن تتشابه أو تقترب من اساليب الصحافة الخبرية أو سواها.
في العراق وتحديدا في مدينة كربلاء، وُلِدت تجربة رائعة ومتميزة في الصحافة الثقافية عبر صدور مجلة فصلية أدبية ثقافية تعتم بالأدب العربي عموما ومنه الأدب العراقي بطبيعة الحال، هذه التجربة الناجحة في الصحافة الثقافية تتمثل في صدور (مجلة الرقيم) الفصلية التي مضى على إصدار العدد الأول منها أكثر من خمس سنوات.
هناك عناصر واضحة أسهمت في نجاح هذه الدورية الأدبية المتميزة يمكن إجمالها في التالي:
أولا: عنصر التخصص الأدبي لهذه المجلة، وتركيزها على السرد، وعلى النقد، ومنحها فرصا جيدة للتجارب السردية الواعدة والراكزة على حد سواء.
ثانيا: استمرارية صدور هذه الدورية، وعدم إصابتها بالتلكّؤ أو التأخير كما يحدث مع تجارب أخرى في الصحافة الثقافية.
ثالثا: انفتاح هذه المجلة على الكتاب والأدباء العرب بشكل عام، سواء في المغرب العربي أو الشرق العربي أو مصر وسوريا والأردن ولبنان وكل الدول العربية حتى الأفريقية منها.
رابعا: هذا الانفتاح لمجلة الرقيم أعطاها هوية ذات بعد واسع، فهي لا تحصر منشورتها في مجالات محددة، ولا تركز على أسماء بعينها.
خامسا: أهمية الأسماء الأدبية والنقدية على وجه الخصوص التي تنشر في هذه المجلة.
سادسا: عمق التجارب الأدبية والنقدية التي حرصت كل الحرص في التواصل مع مجلة الرقيم، لنشر مضامينها النقدية الحديثة، وأفكارها، في إطار ثقافة أدبية متجددة.
سابعا: حرص القائمين على إصدار وتحرير هذا المطبوع الثقافي الرصين، على تقديم مضامين ما يرد إيها بصورة تدل على الاهتمام والاحترام، مما جعل الرقيم محط اعتزاز الأدباء والكتاب العرب والعراقيين.
هنا لابد من القول أن العناصر التي ذكرناها في أعلاه مجتمعة، جعلت من مجلة الرقيم مطبوعا صحفيا مهتما بالثقافة والأدب على نحو لافت، واحتلت هذه المجلة الفصلة حيزا لها في المشهد الثقافي العربي، فهناك نقاد عرب كبار يتواصلون مع الرقيم وينشرون تجاربهم النقدية فيها، سواء في صيغة دراسات وبحوث متخصصة، أو عبر نشر مقالات نقدية ترصد الحركة الأدبية الثقافية وتتابع الإصدارات والتجارب الجديدة.
ولكي نعايش هذه التجربة في الصحافة الثقافية عن قرب، نلقي هذا الضوء المبتسَر على العدد الأخير الذي صدر قبل ايام من مجلة الرقيم الفصلية وقد حمل هذا العدد الرقم (36):
بدأ هذا العدد بكلمة رئيس التحرير، الروائي عباس خلف علي، التي حملت عنوان (المصطلح الفني وآفاق السرد)، حيث يركز في هذه الكلمة الافتتاحية على أهمية تحصيل المنتِج للنص على التجربة الكبيرة الخلاقة التي تمده بالقدرة على تقديم نص يمكنه جذب ذائقة القارئ وحثّه على التقارب والتفاعل مع تجربة النص، إذ يقول عباس خلف: لا يمكن ممارسة فن الكتابة من دون تجربة كبيرة، قادرة على استفزاز ذهنية التلقي، وتحريك الراسب في القاع وتفعيل الرؤى) وقد تضمن هذه الكلمة رؤى تفسيرية نقدية مهمة نترك الاطلاع عليها للمتلقي.
يبدأ العدد الجديد 36 من مجلة الرقيم بحقل الدراسات الفكرية والأدبية، حيث يطالع القارئ في دراسة جادة قدمها د. سمير الخليل وهو ناقد عراقي معروف وأكاديمي متخصص في النقد الأدبي، فيلقي فيها ضوءا على رواية (بنات غائب طعمة فرمان) للروائي العراقي فليح خضير الزيدي، وتسعى هذه الدراسة لاستبطان المحور الفانتازي الذي أطّر المضمون السردي لهذه الرواية التي أشاد بها النقاد، فهي بالإضافة إلى اقتران عنوان بأحد الروائيين الأفذاذ في تاريخ السرد العراقي، لكنها تميز بعمق السرد وتعامل المؤلف بحرفية عالية مع المحور الفانتازي الي غلف المساحة السردية لهذه الرواية، وقد أجاد الناقد المبدع الخليل كعادته كونه يتعامل بجدية نقدية عالية مع منقوداته المختلفة.
ملحمة الشاوية وزمنها الضائع/ ظاهرة المحلية –محكي الانتساب- التخيل العرفاني في رواية (لا تنس ما تقول) لشعيب حليفي.. هي الدراسة الثانية في هذا الحقل وقد كتبها د.محمد محي الدين/ المغرب، ليسلط الضوء على هذه الرواية، حيث تميزت الدراسة بالطابع النقدي الذي يستند إلى مضمون الرواية وما تثيره من حضور فاعل للمحلية سرديا أو من حيثث طبيعة الأحداث المروية بدقة عالية.
وأيضا نقرأ دراسة بعنوان عباس خلف علي يبرئ ساحة البصاصين الضحايا كتبها الناقد العراقي أ. اسماعيل ابراهيم عبد من العراق، عن رواية (البصاصون) التي صدرت مؤخرا للروائي عباس خلف، وتناول فيها الناقد حيثيات السرد والجانب الفني للمؤلف الذي قدم رواية مغاير في المشهد السردي.
ونقرأ أيضا دراسة تحت عنوان (العمل النرجسي ودور في الافصاح في رواية (أخاديد الأسوار) لزهرة رميج) كتبتها أ داحة حليمة/ من المغرب، وألقت الضوء على هذه الرواية وفق تقانات نقدية معاصرة تميز بها نقاد المغرب العربي بصفة خاصة.
لنصل إلى حقل الدراسات الثقافية، فنقرأ في هذا الباب دراسة تحت عنوان:
جدلية الأنا والآخر وتجلياتها في رواية (قواعد العشق الأربعون)، كتبتها د. زينة ابراهيم الخرسان /من العراق، وقد سعت الناقدة لإظهار طبيعة الحوارات التي غالبا ما تجري بين الأنا والآخر، لتنتهي إلى نوع من الصراع أو التصالح في مناطق ومحطات مختلفة.
ثم نقرأ دراسة تحت عنوان (سيمياء الإهداء في مؤلفات د فاضل التميمي) كتبتها أ. حوراء حميد التميمي من العراق، وهي دراسة متخصصة في مؤلفات الناقد العراقي المعروف الدكتور فاضل التميمي والاهداءات التي طرزت مؤلفاته، وتتميز الدراسة بكونها ذات تفرد نوعي يثير شهية القراءة عند القراء.
وفي باب المتابعات، نقرأ موضوعا تحت عنوان: الخطاب الإعلامي الديني موضوعا لبلاغة الحجاج، قدمه د. عزيز أوسو من المغرب، وأخيرا متابعة بعنوان السيميائيات النشأة والتطور، كتبتها الدكتورة فاطمة الناوي من المغرب أيضا.
وفي باب رؤى، نقرأ (التقنية ثوب السرد العرائسي الأخاذ/ قراءة في رواية قنطرة لأحمد السماوي) دراسة كتبها الأستاذ عبد الله نصر من السعودية ملقيا الضوء على هذه الرواية العراقية، ثم نقرأ موضوعا تحت عنوان: (هواجس الاغتراب وتحولاته في ديوان ممالك لمؤيد الرواي) يقدمها الأستاذ عدنان أبو أندلس من العراق.
وهناك موضوع ضمن هذا الباب أيضا تحت عنوان (الحرب في حي الطرب بين مدرعة بو تمكين وتقنية الموت لنجم والي) يكتبه الأستاذ صباح هرمز من العراق، وأخيرا نقرأ موضوعا حمل عنوان (توظيف الأسطورة وأنسنة الجمادات في (مرغو نهدي بعطره الأزرق)، كتبه الناقد العراقي المعروف علوان السلمان من العراق.
ونتابع أيضا موضوعا أقرب إلى (النقاش النقدي الأدبي) جدير بالقراءة، جرى مع الناقد العراقي المتفرد ياسين النصير، وجاء تحت عنوان النقد وازعا أخلاقيا محضا) قدمه الأديب الناقد الأستاذ عبد الهادي الزعر من العراق.
لنقرأ حوار العدد تحت عنوان: رحلة القص والسرد من (الحزن الوسيم) إلى شامر عند تحسين كرمياني، أجراه الأديب الأستاذ حسين ميرزا حسين من العراق.
وفي باب نصوص، نقرأ نصا ثريا وغنيا في مضمونه وجوانبه الفنية المتميزة للكاتب العراقي المعروف ابراهيم سبتي وجاء تحت عنوان (شجرة بيضاء)، ثم نصا آخر بعنوان (الرجل الذي عض نفسه) للأديبة هدى الشماسي من المغرب. وهناك إضاءة عن رسالة جامعية حول قصائد الحلي.
وفي باب شهادات وتجارب، ينشر علي حسين عبيد جانبا من مذكراته تحت عنوان (مذكرات قابلة للنسيان) ضمن كتابه الذي حمل عنوان الجزء الأول من هذه المذكرات وهو يضم 18 عنوانا فرعيا ضمن مشروع يمتد لعدة أجزاء.
لتنهي أبواب هذه المجلة الرصينة التي نأمل لها الثبات والتقدم والاستمرارية في متابعة المشهد الثقافي الأدبي في العراق وفي الوطن العربي عموما.
اضف تعليق