تتعرّض الصحافة المستقلة للخطر، فهي تعاني من ازدياد عمليات قمع حرية الصحافة، واستمرار التهديدات التي تطال سلامة الصحفيين وتآكل نماذج الأعمال التقليدية. فقد ارتفع عدد الصحفيين الذين تم قتلهم في جميع أنحاء العالم بشكل كبير عام 2022، هذه النتائج تسلط الضوء على المخاطر الجسيمة التي لا يزال الصحفيون يواجهونها...
يحلّل تقرير الاتجاهات العالمية في حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام: التقرير العالمي 2021/2022، الذي صدر مؤخرًا عن اليونسكو، حالة حرية وسائل الإعلام وتعدديتها واستقلالها وسلامة الصحفيين خلال السنوات الخمس الماضية.
وتتعرّض الصحافة المستقلة للخطر، فهي تعاني من ازدياد عمليات قمع حرية الصحافة، واستمرار التهديدات التي تطال سلامة الصحفيين وتآكل نماذج الأعمال التقليدية.
فقد ارتفع عدد الصحفيين الذين تم قتلهم في جميع أنحاء العالم بشكل كبير عام 2022، بعد انخفاض على مدى السنوات الثلاث الماضية، وفقا لمنظمة اليونسكو.
وأشارت اليونسكو في تقرير حرية التعبير 2021-2022 إلى مقتل 86 صحفيا العام الماضي، بمعدل صحفي واحد كل أربعة أيام، ارتفاعا من 55 حالة قتل حدثت خلال عام 2021.
وقالت الوكالة الأممية إن هذه النتائج تسلط الضوء على المخاطر الجسيمة وحالات الضعف التي لا يزال الصحفيون يواجهونها أثناء عملهم.
ودعت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي السلطات إلى ضرورة "تكثيف جهودها لوقف هذه الجرائم وضمان معاقبة مرتكبيها لأن اللامبالاة تعد عاملا رئيسيا في هذا المناخ الذي يتسم بالعنف". وقد وصفت أزولاي هذه النتائج بأنها "مثيرة للقلق".
وأشارت اليونسكو إلى أن ما يقرب من نصف الصحفيين القتلى استُهدفوا خارج أوقات العمل وتعرض البعض للهجوم أثناء السفر، أو في مواقف السيارات أو في أماكن عامة أخرى لم يكونوا يؤدون فيها أي عمل رسمي، بينما كان البعض الآخر في منازلهم لحظة مقتلهم.
وحذر التقرير من أن ذلك يعني أنه "لا توجد أماكن آمنة للصحفيين حتى في أوقات فراغهم".
على الرغم من التقدم المحرز في السنوات الخمس الماضية، فإن معدل الإفلات من العقاب على قتل الصحفيين لا يزال "مرتفعا بشكل صادم" عند 86 في المائة.
وقالت المنظمة إن مكافحة الإفلات من العقاب تظل التزاما ملحا يجب تعزيز التعاون الدولي بشأنه.
بالإضافة إلى القتل، وقع الصحفيون في عام 2022 ضحايا لأشكال أخرى من العنف. وشمل ذلك الاختفاء القسري والاختطاف والاحتجاز التعسفي والمضايقات القانونية والعنف الرقمي، مع استهداف النساء بشكل خاص.
وسلطت دراسة اليونسكو الضوء على التحديات التي تواجه الصحفيين، مشيرة إلى أن قوانين التشهير، والقوانين المتعلقة بالإنترنت، وتشريعات مكافحة "الأخبار الكاذبة"، يتم استخدامها كوسيلة للحد من حرية التعبير وخلق بيئة عمل سامة للصحفيين.
وجدت اليونسكو أن أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي كانتا الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين عام 2022 حيث قُتل 44 شخصا، أي أكثر من نصف جميع القتلى في جميع أنحاء العالم.
وكانت أكثر الدول دموية على مستوى العالم هي المكسيك، حيث قُتل 19 شخصا، تليها أوكرانيا التي شهدت مقتل 10 صحفيين ثم هايتي التي قتل فيها تسعة صحفيين. وسجلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ 16 قتيلا بينما شهدت شرق أوروبا مقتل 11 صحفيا.
في حين ارتفع عدد الصحفيين القتلى في البلدان التي تشهد نزاعات إلى 23 عام 2022، مقارنة بـ 20 في العام السابق، كانت الزيادة العالمية مدفوعة في المقام الأول بعمليات القتل في البلدان التي لا تشهد نزاعات. تضاعف هذا العدد تقريبا من 35 حالة عام 2021 إلى 61 عام 2022، وهو يمثل ثلاثة أرباع جميع حالات القتل العام الماضي.
تعود بعض أسباب مقتل الصحفيين إلى أعمال انتقامية بسبب تغطيتهم للجريمة المنظمة أو النزاع المسلح أو تصاعد التطرف.
وقتل آخرون لتغطيتهم مواضيع حساسة مثل الفساد والجرائم البيئية وإساءة استخدام السلطة والاحتجاجات.
تراجع في حرية الصحافة
يدق التقرير ناقوس الخطر جراء التراجع المقلق في مستويات حرية الصحافة حول العالم: حيث تؤكد البيانات والتحليلات الأصلية أنّ 85 بالمئة من سكان العالم شهدوا تراجعًا في حرية الصحافة في بلادهم خلال السنوات الخمس الماضية. ويبحث التقرير أيضًا تأثير فيروس كورونا على بيئات وسائل الإعلام الإخبارية التي تعاني أصلاً، وقد تراوحت الصعوبات بين القيود الجديدة المفروضة على حرية الصحافة ونماذج الأعمال التقليدية الفاشلة.
تستند نتائج التقرير إلى تحليل لـ 160 مصدرًا للبيانات أجرته اليونسكو بالاشتراك مع تحالف داتا بوب (Data-Pop Alliance) حول اتجاهات حرية وسائل الإعلام وتعدديتها واستقلالها وسلامة الصحفيين. واستُكمل هذا التحليل ببحوث أصلية أعدتها مؤسسة Economist Impact خصيصًا من أجل هذا التقرير.
سجلت اليونسكو بين العام 2016 ونهاية العام 2021 مقتل 455 صحفيًا قُتلوا إما بسبب أو أثناء تأديتهم لعملهم. وفي الوقت نفسه، بلغت حالات سَجن الصحفيين مستويات غير مسبوقة.
التدابير القانونية الجديدة تقوّض حرية الصحافة بدلاً من تعزيزها. قامت عشرات الدول منذ العام 2016 بوضع أو تعديل قوانين وأنظمة تهدف إلى تهديد حرية التعبير وحرية الصحافة على الإنترنت.
أدى ازدياد عدد وسائل الإعلام إلى تخفيض أعداد موظفيها أو إغلاق أبوابها بشكل دائم. والآن، تتلقى شركتان فقط، هما غوغل وميتا، ما يقارب نصف إجمالي الإنفاق على الإعلان الرقمي العالمي.
يمكن للبيانات المساعدة في فهم قطاع وسائل الإعلام وحرية التعبير وتقديم الدعم لهما. ولكن في البلدان والمجتمعات حيث لا تزال الصحافة هي الأكثر عرضة للخطر، بقيت صحة النظام الإخباري أشبه بصندوق أسود.
تتعرّض الصحافة المستقلة للخطر، فهي تعاني من ازدياد عمليات قمع حرية الصحافة، واستمرار التهديدات التي تطال سلامة الصحفيين وتآكل نماذج الأعمال التقليدية. ومن أجل التصدي بفعالية لهذه التحديات الملحة، علينا أولاً أن نفهمها. يساعد تقرير الاتجاهات العالمية والبيانات والتحليلات الواردة فيه على المضي قدمًا في فهمنا لهذه التحديات.
تهديدات تُسكت الصحفيين
رغم الجهود المتزايدة التي تُبذل على صعيد عالمي، لا تزال مهنة الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر. وقد ألقت السنوات الأخيرة الضوء على كلٍ من الدور الحيوي الذي يضطلع به الصحفيون في الحفاظ على التدفق الحر للمعلومات وعلى المخاطر الكبرى (القديمة والجديدة) التي تعترضهم. وفي جميع أنحاء العالم، يتعرّض الصحفيون للتحرش أو السَجن أو العنف أو الموت - لمجرد قيامهم بعملهم.
لا تزال مهنة الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر المميتة، فمن أصل كل عشر حالات قتل للصحفيين، تبقى 9 حالات غير محسومة قضائيًا.
لا تزال التهديدات الأخرى الموجّهة للصحفيين، سواء على شبكة الإنترنت أو خارجها، تزداد. فقد بلغت حالات سَجن الصحفيين مستويات غير مسبوقة، فيما حفّز العنف والتحرش على الإنترنت الصحفيين على اتباع نهج الرقابة الذاتية، وفي بعض الحالات الهجمات البدنية.
من العام 2016 إلى نهاية العام 2020، سجلت اليونسكو مقتل 400 صحفي، ما يمثّل انخفاضًا بنسبة 20 بالمئة تقريبًا عن السنوات الخمس السابقة. وقد استمر هذا الانخفاض في العام 2021 حيث سُجل مقتل 55 صحفيًا.
مع ذلك، ما زال المعدل العالمي للإفلات من العقاب على قتل الصحفيين مرتفعًا إلى حدّ يدعو للقلق: فمن أصل كل عشر حالات قتل للصحفيين، تبقى 9 حالات غير محسومة قضائيًا. وحيثما يكون عدد جرائم قتل الصحفيين مرتفعًا وكذلك نسبة الإفلات من العقاب على عمليات القتل هذه، تستمرّ دوامة العنف وتتواصل.
في الوقت ذاته، لا تزال التهديدات الأخرى الموجّهة للصحفيين، سواء على شبكة الإنترنت أو خارجها، تزداد.
بلغت حالات سَجن الصحفيين مستويات غير مسبوقة. وحفّز العنف والتحرش على الإنترنت الصحفيين على اتباع نهج الرقابة الذاتية، وفي بعض الحالات الهجمات البدنية. كما تعرّض الصحفيون للهجوم على نحو متزايد أثناء تغطيتهم للاحتجاجات، من قِبَل مختلف الجهات الفاعلة (بما في ذلك قوات الأمن والمشاركون في الاحتجاجات).
يؤكد العديد من التقارير والدراسات أنّ هذه التهديدات تؤثّر بشكل غير اعتيادي على الصحفيات ومَن يمثّل الأقليات.
في العام 2020، كلّفت اليونسكو بإجراء استبيان لأكثر من 900 صحفي حول العالم بشأن تجارب العنف عبر الإنترنت التي مروا بها. وأفادت 73 بالمئة من أصل 625 صحفية شملهنّ الاستبيان أنهنّ تعرّضن للعنف عبر الإنترنت أثناء عملهن.
تزامنًا مع ذلك، خلقت جائحة كوفيد-19 تحديات جديدة أمام سلامة الصحفيين وزادت من حدة التحديات القائمة.
رغم الاعتراف الواسع النطاق بالصحفيين كعاملين أساسيين خلال الأزمة، واجه هؤلاء الصحفيون المزيد من أعمال التحرش، والضغوط والصدمات النفسية وتعرضوا بشكل أكبر لخطر الإصابة بالفيروس.
ووفقًا لحملة الشارة الدولية، توفي ما لا يقل عن 1967 صحفيًا أصيبوا بفيروس كوفيد-19 بين آذار/ مارس 2020 وشباط/فبراير 2022.
اعترافًا بحجم هذه التهديدات وتأثيرها، سعت جهود دولية ووطنية عديدة إلى حماية الصحفيين وعملهم الحيوي.
فبين الأعوام 2016 و2021، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومجالس إدارة اليونسكو والهيئات الإقليمية 28 قرارًا ومقررًا حول سلامة الصحفيين. وتمّ وضع مؤشر سلامة الصحفيين (مؤشر هدف التنمية المستدامة 16.10.1) لقياس ما حققته خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
تواصل الآليات وخطط العمل الوطنية المعنية بالحماية التصدي للتهديدات المستمرة التي يواجهها الصحفيون في جميع أنحاء العالم. ويتمّ تعزيزها من خلال العمل الحيوي الذي يشمل أيضًا جهود المجتمع المدني والمنظمات على الصعيدين الوطني والدولي.
حرية الصحافة في أوقات الأزمة والتحوّل
تراجعت حرية الصحافة بشكل ملحوظ منذ العام 2012. فخلال السنوات الخمس الماضية، شهد حوالي 85 بالمئة من سكان العالم تراجعًا في حرية الصحافة في بلادهم.
تستمر حرية الصحافة في التراجع في جميع أنحاء العالم.
أصبحت القوانين والسياسات الجديدة تقيّد حرية التعبير على الإنترنت.
شهد التقدم المحرز في سد الفجوة بين الجنسين في غرف الأخبار، وفي الأعمدة الصحفية وفي مجال الأخبار بعينه ركودًا إلى حد كبير.
زاد الفيض من المعلومات المغلوطة والمضللة من سنوات تراجع الثقة بوسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم.
أظهرت الجائحة العالمية الحاجة الملحة إلى الحصول على أخبار ومعلومات موثوقة. مع ذلك، تمّ استخدام إجراءات مكافحة فيروس كورونا لتبرير الانتهاكات الكبيرة المرتكبة بحق حرية الصحافة في 96 بلدًا من أصل 144 بلدًا، وفقًا لدراسة أجراها معهد أصناف الديمقراطية.
إضافة إلى ذلك، ووفقًا لبيانات اليونسكو، لا يزال هناك 160 بلدًا على الأقل يملك قوانين للتشهير الجنائي.
وقد تمّ اعتماد أو تعديل 57 قانونًا ولائحة على الأقل في 44 دولة منذ العام 2016، وهي تحتوي على عبارات مبهمة للغاية أو عقوبات غير متناسبة تهدد حرية التعبير وحرية الصحافة على الإنترنت.
شهدت السنوات الخمس الماضية ارتفاعًا في الإجراءات الأخرى التي تهدد حرية التعبير وشمولية الإنترنت.
لقد تمّ حجب الخدمات الإخبارية على شبكة الإنترنت، والتجسس على الصحفيين بشكل غير قانوني واختراق المواقع الإعلامية.
وبحسب البيانات التي جمعتها منظمة Access Now، بلغت عمليات حجب الإنترنت ذروتها مسجلة 213 حادثًا فريدًا في العام 2019. كما استثمرت بعض الحكومات في قدرتها على فلترة وخنق شبكة الإنترنت. وفي السنوات الخمس الماضية، تضاعفت طلبات الحكومة بإزالة محتوى ما عن منصات الإنترنت الرئيسية.
تزامنًا مع ذلك، تخضع شركات الإنترنت الخاصة للمزيد من التدقيق في كيفية إشرافها على المحتوى وتعديله واستخدامها للبيانات الشخصية للتأثير على ما يراه المستخدمون.
وكجزء من الجهود المتنامية التي يبذلها أصحاب المصلحة المتعددون لتعزيز الشفافية وزيادة المساءلة، وضعت اليونسكو مجموعة مختارة من 26 مبدأ رفيع المستوى يمكن استخدامها كدليل للشركات وصانعي السياسات والجهات التنظيمية.
شهد التقدم المحرز في سد الفجوة بين الجنسين في غرف الأخبار، وفي الأعمدة الصحفية وفي مجال الأخبار بعينه ركودًا إلى حد كبير.
لا تزال المرأة غير ممثلة تمثيلاً كافيًا على المستويات القيادية في المؤسسات الإخبارية وفي «الأخبار الجادة» مثل السياسة. وتشير الدراسات إلى استمرار التحيّز في تمثيل المرأة في الأخبار وتهميشها كمصدر خبير في هذا المجال.
الافتقار إلى الاستقلال الحقيقي
تتعرّض تعددية وسائل الإعلام للتهديدات المتزايدة جراء تدهور نماذج الأعمال التقليدية التي تتّبعها الصحافة. (انظر «الصحافة منفعة عامة»)
لقد جعل هذا التهديد المالي غرف الأخبار أكثر عرضة للضغوط الممارسَة من قبل الجهات الخارجية وأصحاب المنافذ الإعلامية والمدراء التنفيذيين.
ولا يزال الاستيلاء على وسائل الإعلام يشكّل تهديدًا متناميًا عندما تكون وسائل الإعلام الإخبارية حرة في الظاهر ولكنّها تفتقر إلى الاستقلال الحقيقي. فقد وجدت دراسة حديثة أجراها مركز الإعلام والبيانات والمجتمع لـ 546 كيانًا إعلاميًا تديره الدولة في 151 بلدًا أنّ ما يقارب 80 بالمئة منها يفتقر إلى الاستقلالية التحريرية.
في الوقت نفسه، زادت المعلومات المغلوطة والمضللة من سنوات تراجع الثقة في وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم وأصبحت تشكل تهديدًا رئيسيًا للمعلومات كمنفعة عامة.
لقد ساهمت شركات الإنترنت، لا بل سارعت من تنامي هذا التهديد. وفي واقع الأمر، انتشرت المغالطات على تويتر «بشكل أكبر وأسرع وأعمق وأوسع نطاقًا من الحقيقة»، بحسب ما توصّلت إليه دراسة أجراها باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وعليه، يجب اتخاذ المزيد من الإجراءات لمكافحة انتشار المعلومات المضللة، ولكن مع توخي الحذر. وعلى كافة الاستجابات أن تحترم الأطر والمعايير الدولية لحرية التعبير وأن تعزز بيئة مؤاتية تسمح للصحافة الحرة بالعمل دون قيود.
الصحافة منفعة عامة
لا تزال الجماهير والإيرادات تواصل توجّهها نحو الإنترنت، معرِّضةً نماذج الأعمال التقليدية لوسائل الإعلام لخطر محدق.
في خضم جائحة كوفيد-19، أثبتت وسائل الإعلام المستقلة والجديرة بالثقة أنّها منفعة عامة مُنقذة للحياة. مع ذلك، تعاني هذه الوسائل من تهديد اقتصادي شامل وتحتاج للدعم.
ومثلها مثل المنافع العامة الأخرى، تلعب الصحافة دورًا بالغ الأهمية في تعزيز الحيز المدني الصحي.
تزوّد الصحافة المواطنين بمعلومات موثوقة وقائمة على الحقائق، وتعمل في الوقت نفسه كجهة رقابية مستقلة ومسؤولة عن وضع الأجندات.
ولكن، لكي تعمل الصحافة كمنفعة عامة، يجب عليها العمل في ظروف تتيح لها إعداد أخبار وتحليلات مستقلة وعالية الجودة وجديرة بالثقة.
مع اقتصاد الانتباه الذي يزدحم أكثر فأكثر، أصبحت نماذج الأعمال التقليدية التي تعزز استدامة وسائل الإعلام في أزمة.
على المستوى العالمي، تواصل مبيعات الصحف انخفاضها في الوقت الذي تكافح فيه المنافذ الإخبارية لإقامة «العلاقات» التي تتيح لها الحصول على عائدات إعلانية.
ويجد العديد منها أنفسهم معرضين لضغوط متزايدة بسبب انتشار أصوات جديدة في فضاء الإنترنت وخوارزميات الوسطاء الرقميين.
وذلك في وقت أطلق فيه النظام الإيكولوجي الرقمي سيلاً من المحتوى المنافس وحوّل شركات الإنترنت الضخمة إلى الحراس الجدد.
لقد تضاعف تقريبًا عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم من 2.3 مليار في العام 2016 إلى 4.2 مليار في العام 2021. وقد سمح ذلك بزيادة فرص الوصول إلى المحتوى والحصول على المزيد من الأصوات - ولكن لم يترافق ذلك بالضرورة مع القيمة المضافة المميزة للمحتوى الصحفي.
في الوقت نفسه، تحوّلت عائدات الإعلانات بسرعة نحو شركات الإنترنت مبتعدةً عن المنافذ الإخبارية.
والآن، تتلقى شركتا غوغل وميتا ما يقارب نصف إجمالي الإنفاق على الإعلان العالمي الرقمي.
انخفضت عائدات الإعلانات في الصحف العالمية إلى النصف خلال السنوات الخمس الماضية. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، بلغت هذه الخسارة نسبة هائلة تصل إلى الثلثين.
وقد أدى ذلك إلى «صحاري الأخبار»، حيث يبحث الناس في جميع أنحاء العالم عن مصادر إخبارية محلية جديرة بالثقة. وعندما تفقد المجتمعات المحلية مصادرها الإخبارية المحلية، تتأثر المشاركة المدنية سلبًا.
هناك حاجة ماسة إلى سياسات وتدابير جديدة لضمان استمرار الصحافة في عملها كمنفعة عامة. ويشمل ذلك:
- التمويل العام للمنافذ الإخبارية الجديرة بالثقة،
- تحسين الدعم لإعلام الخدمة العامة الحقيقي،
- مضاعفة مساعدات المانحين والاستثمارات الخيرية في إنتاج الأخبار.
يستمر الصحفيون وحلفاؤهم في تجريب أفكار وتقنيات ونماذج تشغيلية مبتكرة لدعم الأخبار المستقلة.
ولكن، لن تكون أي خطة واحدة أو حلّ واحد كافية لكل السياقات.
لذلك، يتعين على الحكومات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص أن يعملوا بسرعة على تعزيز الصحافة الجديرة بالثقة وخلق بيئة أفضل لتتمكّن وسائل الإعلام من الاستمرار. وفي الوقت نفسه، يتعين عليهم احترام معايير استقلالية التحرير وحرية التعبير.
ومن دون ذلك، لن يكون من الممكن ضمان - فضلاً عن توسيع نطاق – ما تقدّمه الصحافة الحرة المستقلة والتعددية كمنفعة عامة.
بيانات أفضل لفهم أفضل
تتيح منظومة البيانات المتنامية الفرصة لتحسين فهمنا لقطاع الإعلام وحرية التعبير ودعمنا لهما.
ولكن، في البلدان والمجتمعات حيث الصحافة هي الأكثر عرضة للخطر، غالبًا ما تبقى صحة النظام الإخباري بشأن القضايا مثل الملكية، والتعددية، والاستقلال، والقدرة على الاستمرار أشبه بصندوق أسود.
إنّ الصورة الموضحة في تقرير الاتجاهات العالمية هذا هي صورة واقعية. وحتى في الوقت الذي شهد فيه المجتمع العالمي ازدياد الأدلة على أهمية وجود وسائل إعلام إخبارية حرة ومستقلة وتعددية ومستدامة حيث تكون سلامة الصحفيين مضمونة، تتعرّض هذه المنفعة العامة للتهديدات على كافة الجبهات.
ولكن هناك ما يدعو إلى التفاؤل مع بروز الجهود الرامية إلى الحفاظ على حرية الصحافة وحماية سلامة الصحفيين حول العالم.
إنّ توسيع نطاق قدرتنا على فهم الاتجاهات والتحديات التي تواجه قطاع الإعلام وحرية التعبير وتحسينها هما بمثابة خطوة حيوية لتحسين عملية إرشاد السياسات والحلول.
قامت اليونسكو وتحالف بوب-داتا بتحديد 160 مصدرًا للبيانات ووضع خرائط لها وتحليلها خصيصًا من أجل هذا التقرير. وباتت مجموعات البيانات هذه متاحة الآن في بنك عام للبيانات تستضيفه اليونسكو.
تتيح منظومة البيانات المتنامية الفرصة لتحسين فهمنا لقطاع الإعلام وحرية التعبير ودعمنا لهما.
من خلال تسجيل الخصائص والاتجاهات والأنماط، يمكن استخدام البيانات لصياغة السلوكيات والسياسات والبرامج. وهذا يوفر الأساس لتحقيق التغييرات الفعلية في العالم.
فعلى سبيل المثال، كشفت جهود صحافة البيانات عمليات الفساد العالمي والتهرب الضريبي وغسل الأموال. وتتراوح الاستخدامات الفعالة الأخرى للبيانات بين رصد التقدم الوطني نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للاستدامة وتحديد خطاب الكراهية على الإنترنت.
ولكن، في البلدان والمجتمعات حيث الصحافة هي الأكثر عرضة للخطر، غالبًا ما تبقى صحة النظام الإخباري بشأن القضايا مثل الملكية، والتعددية، والاستقلال، والقدرة على الاستمرار أشبه بصندوق أسود.
علاوة على ذلك، لابد لاستخدام البيانات بهدف إرشاد السياسات والحلول أن يتغلّب أولاً على الثغرات الكبيرة في التوافر وإمكانية الوصول والاستخدام والاستقرار. ويشمل ذلك تضخيم النطاقات الجغرافية والمواضيعية لإنتاج البيانات وتعزيز مبادئ البيانات المفتوحة.
اضف تعليق