في اعقاب المظاهرات الشعبية الواسعة النطاق في العراق، ازدادت الأصوات المطالبة باستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ومن بينها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يحاول ان يُظهر نفسه بأنه المدافع عن العراق وبطل الحكومة النظيفة، اذ قال بأنه لا ينبغي السماح للأحزاب السياسية الحالية...
بقلم: شيرين هانتر-صحيفة لوبي لوغ
ترجمة: هبه عباس محمد علي-مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
في اعقاب المظاهرات الشعبية الواسعة النطاق في العراق، ازدادت الأصوات المطالبة باستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ومن بينها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يحاول ان يُظهر نفسه بأنه المدافع عن العراق وبطل الحكومة النظيفة، اذ قال بأنه لا ينبغي السماح للأحزاب السياسية الحالية المشاركة في الانتخابات المبكرة، ويدل استمرار هذه الاحتجاجات على ان الانتخابات المبكرة حتمية واستقالة عبد المهدي حتمية ايضاً.
لكن السؤال هو هل سيؤدي تغيير الحكومة مرة أخرى الى تحقيق الاستقرار والسلام والازدهار، فمنذ وقت ليس ببعيد كان العراقيون يعتقدون أن حكومة نوري المالكي (2006-2014) كانت مسؤولة عن جميع علل العراق. لكن رحيله ومجيء حيدر العبادي لم يغير الأمر كثيراً، وكان عادل عبد المهدي نفسه خيارًا توفيقيًا لمنصب رئيس الوزراء ونتيجة للطبيعة غير الحاسمة للانتخابات البرلمانية التي جرت في آيار ٢٠١٨ اذ لم يحصل أي حزب او ائتلاف على الأغلبية المطلقة، على الرغم من حصول ائتلاف الصدر (سائرون) على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وفي الانتخابات المرتقبة ما لم يحصل تلاعب كبير في التصويت، فإن هناك احتمال ضعيف لظهور فائز واضح وهنا من المرجح ان يتخذ رئيس الوزراء المقبل حل وسط. والاحتمال الآخر هو أن يبرز شخص مثل الصدر كقائد وطني وأن يعين شخصًا ما رئيسًا بشكل أساسي لتنفيذ رؤيته الخاصة للعراق.
باختصار، لا يمكن ان تُعزى مسؤولية مشاكل العراق منذ الغزو الأمريكي عام ٢٠٠٣ حتى الآن الى قصور قادة معينين، اذ تعود جذور هذه المشاكل الى الطبيعة المنقسمة للمجتمع العراقي وتأثير السياسة الإقليمية والدولية، لاسيما المنافسة بين إيران والخليج العربي والصراع الأمريكي الإيراني. لذا فهي لم تحدث بسبب شخصيات وآراء رؤساء وزرائها.
الانقسام العرقي والطائفي
على الرغم من كونه مركزا لحضارة بلاد ما بين النهرين ومقر الخلافة العباسية، لكن مسألة الطوائف والاعراق جديدة على العراق اذ ظهرت في اعقاب الحرب العالمية الأولى وتمثلت بالعرب والاكراد والتركمان فضلا على السنة والشيعة، وقد مارس السنة التمييز ضد الشيعة وقد بلغ اوج سياساتهم المعادية للشيعة في عهد البعثيين، كما نفذت الحكومات العراقية المتعاقبة سياسة قومية عربية على الصعيدين المحلي والدولي، متجاهلة تاريخ البلاد الديموغرافي المتنوع.
لقد أدى الغزو الأمريكي عام 2003 إلى القضاء على ديكتاتورية صدام، ولكنه أدى الى ظهور التوترات العرقية والطائفية المكبوتة منذ زمن طويل، وقد حصل الشيعة على مركز مهيمن ضمن نظام الحكم الجديد في العراق. لكن لم يتصالح السنة أبداً مع هذا التغيير في ثرواتهم، اذ عملوا في عام 2005 على تقويض المؤسسة الجديدة من خلال رفض المشاركة في الانتخابات البرلمانية. وفي وقت لاحق، لجأت بعض العناصر داخل هذا المجتمع إلى أساليب أكثر عنفا، وان مجموعات مثل تنظيم القاعدة في العراق وفي وقت لاحق تنظيم "داعش" تعكس هذه الهجمة المضادة.
الطبيعة المجزأة للمجتمع والقيادة الشيعية
انقسم الشيعة بقادتهم السياسيين والدينيين الى عدة فرق، وان جزء من هذه الانقسامات مستمد من تحاربهم في المنفى ابان حكم صدام حسين، فعلى سبيل المثال القادة الشيعة الذين قضوا مدة نفيهم في إيران لديهم موقف أكثر إيجابية تجاه طهران، اما الذين قضوا مدة نفيهم في أماكن أخرى، كانوا أكثر ضجرا من ايران وتأثيرها المحتمل. فضلا على ذلك، ان من بقي في العراق أثناء حكم صدام، مثل أسرة الصدر، شعروا بأنهم يستحقون لعب الدور الحاسم في تشكيل مستقبل ما بعد صدام.
انقسمت المؤسسة الدينية الشيعية في العراق بسبب الميول الأيديولوجية -خاصة بين أولئك الذين يفضلون التشيع الهادئ وغير السياسي المنعكس في وجهات نظر الراحل آية الله أبو القاسم الخوئي ونسله وآية الله السيستاني -ورجال الدين الشباب الأكثر تأثراً بالثورة الإيرانية، ثم هناك تنافسات بين الأسر الدينية الرئيسة مثل الصدريين والحكيم والخوئي، فعلى سبيل المثال، بعد سقوط صدام حسين بفترة وجيزة، اندلعت اشتباكات بين مؤيدي الخوئي ومؤيدي مقتدى الصدر.
وبعد تفكك الدولة والتخلص من النخبة السياسية القديمة، كان من المؤكد ان تحدث هذه المنافسة الشديدة على السلطة بين مختلف المجموعات والشخصيات، وتعد هذه المنافسات مصدراً رئيسا لعدم الاستقرار في العراق.
المنافسة الإقليمية وعامل إيران
لم يكن التغيير السياسي مقبولا بالنسبة لسنة العراق فضلا على الدول العربية السنية ومنها المملكة العربية السعودية التي عدت هذا التغيير مكسب استراتيجي وسياسي لإيران، وقال الرئيس السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل بأن الولايات المتحدة قدمت العراق لإيران على طبق من فضة، في بادئ الامر كان يعد هذا التصريح مبالغ فيه لكن من الواضح بعد هيمنة الشيعة على الحكم زاد نفوذ ايران في العراق وكان محدودا خلال السنوات الأولى، لكن أدى رفض العرب السنة لحكومة بغداد الجديدة ومساعدتهم للجماعات السنية المتطرفة كتنظيم "داعش" الى تقرب العراق من ايران.
كما اسهم العامل الإيراني الى ادخال إسرائيل في السياسة العراقية وان الهجوم الذي شنته إسرائيل على الحشد الشعبي هو خير دليل على هذا التورط، كما أدى الصراع السوري الى تعكير صفو العلاقة السياسية اذ اصبح العراق الرابط الأرضي بين ايران وسوريا، ومتورطا في الجهود المبذولة لاحتواء وجود ايران في سوريا والقضاء عليه في نهاية المطاف فضلا على تورطه في قضايا الشرق الأوسط كالقضية الفلسطينية، تريده ايران ان يصبح جزءًا من جبهة المقاومة المزعومة، بينما يريد منه العرب والولايات المتحدة الانضمام إلى الجبهة التوفيقية.
الصراع الأمريكي-الإيراني
ان السبب المهم وراء عدم الاستقرار هو الصراع الأمريكي-الإيراني وتأثيره على العراق، فالدعم المقدم الى مجامع مثل داعش تم استخدامه كشعار لطهران، فالولايات المتحدة تريد ان تنأى الحكومة العراقية بنفسها عن طهران وهذا ينظم في وضع صعب، تكهن بعض الخبراء بأن أحد أسباب عدم رضا الولايات المتحدة عن عادل عبد المهدي هو رفضه الالتزام بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران أو تقليص علاقاته بطهران. باختصار، أحد الأسباب الرئيسية لمشاكل العراق كان النزاع الأمريكي الإيراني وسياسة الولايات المتحدة للضغط على إيران.
باختصار، حتى لو كان هناك تغيير في الحكومة العراقية وإصلاح شامل لمؤسساتها السياسية، كما اقترح بعض السياسيين، فإن الاستقرار الدائم سيبقى بعيد المنال من دون اجراء تسوية اقليمية وتقليل المنافسة العربية الإيرانية والامر الأكثر أهمية هو تقليل حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
اضف تعليق