تتحدّث مصادر عن تحرّكات سياسيّة خلف الكواليس لعودة حيدر العبادي رئيساً للحكومة مرّة أخرى، بعد سحب الثقة من رئيس الوزراء الحاليّ عادل عبد المهدي، في معادلة سياسيّة جديدة تتحكّم فيها مصالح حزبيّة ومراكز نفوذ. أعلن العبادي تخلّيه عن كلّ مناصبه في الحزب، ممّا أثار تساؤلات...
بقلم: عدنان أبو زيد
تتحدّث مصادر عن تحرّكات سياسيّة خلف الكواليس لعودة حيدر العبادي رئيساً للحكومة مرّة أخرى، بعد سحب الثقة من رئيس الوزراء الحاليّ عادل عبد المهدي، في معادلة سياسيّة جديدة تتحكّم فيها مصالح حزبيّة ومراكز نفوذ.
أعلن رئيس الوزراء العراقيّ السابق رئيس المكتب السياسيّ لحزب الدعوة الإسلاميّة حيدر العبادي في 31 أيّار/مايو 2019، تخلّيه عن كلّ مناصبه في الحزب، ممّا أثار تساؤلات حول وجود خطّة لعودته إلى رئاسة الوزراء.
والتقى العبادي مع السفير الايراني في العراق ايرج مسجدي في ١١ حزيران وتناول الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد عبر العبادي عن رفضه لإجراءات الحصار الاقتصادي المفروض من قبل الولايات المتحدة على ايران. كما أنه التقى مع السفير الامريكي الجديد في بغداد ماثيو تولر في ١٣ حزيران، وأن الجانبين بحثا مجمل الاوضاع السياسية العامة في العراق والمنطقة. وقد تشير اللقاءات الاخيرة للعبادي مع سفراء أكثر الدول تأثيرا في السياسة العراقية الى جهود سياسية لعودته الى رئاسة الوزراء.
وقد بدأ وتطور العبادي عمله السياسي خلال حزب الدعوة. ونجح حزب الدعوة الإسلاميّة الذي تأسّس في عام 1957، في احتكار منصب رئاسة الوزراء منذ عام 2005 ولغاية عام 2018، بتنازل العبادي عن رئاسة الوزراء لصالح السياسيّ المستقلّ عادل عبد المهدي، كمرشّح توافقيّ من قبل أكبر كتلتين في البرلمان، الأولى الإصلاح والإعمار، وتضمّ إضافة إلى ائتلاف النصر بقيادة العبادي، تحالف سائرون بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، وكتلة البناء بزعامة هادي العامري التي تضمّ أجنحة سياسيّة من الحشد الشعبيّ، وفصائل ذات صلة قويّة بإيران.
استقالة العبادي من الحزب هي تمهيد لإعادته إلى رئاسة الوزراء، وفق مصادر كشفت في 7 حزيران/يونيو 2019 عن حراك في تحالف الإصلاح والإعمار، لإعادة العبادي إلى رئاسة الوزراء مجدّداً.
يؤكّد هذا المسعى القياديّ السابق في حزب الدعوة الإسلاميّة والناشط السياسيّ غالب الشابندر الذي قال لـ"المونيتور" إنّ "هناك تفاهمات ترقى إلى اتّفاق غير معلن إلى الآن بين كلّ من العبادي والصدر الذي دعم في ما مضى عبد المهدي في الوصول إلى رئاسة الوزراء، تفضي الى إعادة العبادي إلى رئاسة الحكومة، شرط أن يلبّي العبادي مطالب الصدر في ترك مناصبه في حزب الدعوة الإسلاميّة".
يزداد حديث الشابندر واقعيّة باقتراب إعلان ائتلاف النصر برئاسة العبادي وتيّار الحكمة برئاسة عمّار الحكيم في 7 حزيران/يونيو 2019 حسم أمرهما بالتوجّه إلى المعارضة، حيث لا فرصة أمام عبد المهدي، بسبب عدم قدرته على حسم أيّ من المسائل الخلافيّة، وفق هذا التصوّر.
واقع الحال أنّ خروج العبادي من حزب الدعوة الإسلاميّة مقابل اتّفاق قد يمهّد إلى ولاية ثانية له في حكم العراق، لا يشكّل مفاجأة، ففي 11 أيلول/سبتمبر 2018، أعلن مصدر عن اتّفاق بين العبادي والصدر لخروج العبادي من حزب الدعوة الإسلاميّة، وبقائه كمستقلّ، مقابل دعم الصدر له لولاية ثانية.
يفسّر المفكّر الإسلاميّ علي المؤمن، وهو عضو سابق في حزب الدعوة الإسلاميّة، في حديثه إلى "المونيتور"، خطوة العبادي في ترك مناصبه في الحزب، بأنّها "مدخل إلى ترك الحزب كلّيّاً، بهدف تكريس استقلاليّة مواقفه السياسيّة عن مواقف الحزب"، كاشفاً عن أنّ "العبادي يعمل على تحويل ائتلاف النصر الذي يترأّسه إلى حزب سياسيّ ليبراليّ، وبالتالي، فإنّ الخروج من الحزب مقابل الترشيح إلى رئاسة الوزراء، هو مطلب قديم لحليفيه الصدر والحكيم".
واستبعد الدكتور المؤمن أن "يكون موقع رئاسة الوزراء محلّاً للنزاع في المستقبل المنظور، لأنّ عبد المهدي لا يزال يحظى بدعم معظم الكتل السياسيّة، على الرغم من وجود وجهات نظر معارضة لبعض سياساته، وحتّى لو كانت هناك نيّة لدى بعض الأطراف لإسقاط حكومته، فإنّ البديل لن يكون العبادي".
وشكّل العبادي ائتلاف النصر في 15 كانون الثاني/يناير 2018، داعياً الكيانات السياسيّة إلى الانضمام إليه، فيما تضمّ كتلة النصر 30 نائباً في البرلمان.
وحول هذا التحوّل السياسيّ للعبادي وفيما إذا هو ناجم عن طموح إلى رئاسة الوزراء، يقول القياديّ في ائتلاف النصر علي السنيد لـ"المونيتور" إنّ "الحديث عن عودة العبادي إلى رئاسة الوزراء سابق لأوانه، على الرغم من أنّه احتمال قائم على الدوام"، معتبراً أنّ "التحليلات والاستنتاجات تعبّر عن وجهة نظر أصحابها، فيما وجهة نظر العبادي وائتلاف النصر إلى الآن هي في دعم الحكومة".
وعلى نقيض ممّا قاله السنيد، فإنّ قرار العبادي متوقّع في أيّ لحظة، بإعلان العبادي بنفسه، في 5 أيّار/مايو 2019 الاستعداد للنظر في تولّي رئاسة الوزراء مجدّداً في حال لم يكتب لحكومة عبد المهدي الاستمرار، مشيراً إلى أنّ له تجربة ناجحة بقيادة البلاد.
ما يقرّب من فرص العبادي في رئاسة الوزراء هو بوادر انزعاج تحالف سائرون من عبد المهدي، إذ هدّد القياديّ في تحالف سائرون صباح الساعدي في 5 كانون الأوّل/ديسمبر 2018 عبد المهدي، بـ"بدء العدّ التنازليّ لحكومته في حال استمراره في الخضوع إلى الإرادات والإملاءات"، في إشارة إلى "الحشد الشعبيّ وتحالف البناء"، وفق مستشار مركز التنمية الإعلاميّة المحلّل السياسيّ واثق الجابري الذي قال لـ"المونيتور" إنّ "تخلّي العبادي عن المناصب في حزب الدعوة الإسلاميّة هو للابتعاد عن الخلافات التي شهدها الحزب والاقتراب من تحقيق طموحه في رئاسة الوزراء مجدّداً، حيث ينشغل الآن بتحرّكات سياسيّة واجتماعيّة لهذا الغرض".
وأكّد ذلك أيضاً زعيم التيّار الصدريّ في 25 نيسان/أبريل 2019، قائلاً إنّ مهلة الـ6 أشهر التي منحت إلى عبد المهدي انتهت، مهدّداً بتحرّك شعبيّ، مخاطباً إيّاه: "أنت تعلم أنّ إثبات فرصتك للنجاح قد حدّدت بين 6 أشهر وسنة فقط".
وفي محاولة لاستمالة الصدر الذي يتحفّظ على دور الحشد الشعبيّ السياسيّ، اتّهم العبادي في 25 أيّار/مايو 2019، قيادات في الحشد بجمع ثروات على حساب المال العامّ، متسائلاً عن مصدر الأملاك والعقارات التي تمتلكها هذه القيادات، فيما عّبر عن الاستياء من أداء حكومة عبد المهدي بالقول إنّ "الفاسدين كانوا قد قرّروا عدم فوزي برئاسة ثانية خوفاً على مصالحهم".
وفي حين ليس من طبيعة حكومة عبد المهدي الردّ على الأنباء والتكهّنات التي تخصّها، إلّا أنّ أنباء اقتراب استقالة رئيس الوزراء استفزّتها، ليعلن مصدر مقرّب من عبد المهدي، في 6 حزيران/يونيو 2019 عدم نيّة عبد المهدي تقديم استقالته. لكنّ الحقيقة الماثلة أنّ عبد المهدي، الذي كان مرشّحاً توافقيّاً لا ينتمي إلى كتلة سياسيّة قويّة تدعمه، يبقى رهين رضا الكتل السياسيّة التي رشّحته، ولعلّ هذا أبرز نقاط ضعف وزارته، وسبباً يعجّل إزاحته عن كرسي الرئاسة.
اضف تعليق