وتعدّ الميزانيّة بمبلغ 133.1 تريليون دينار (112.6 مليار دولار) ثالث أكبر موازنة في تاريخ العراق، بعد موازنتيّ عاميّ 2013 و2014. ومع اختلاف واضح للموازنة الحاليّة، مقارنة بالسنوات الأربع الماضية، ازداد الإنفاق بنسبة 27.8 في المئة، الأمر الذي يعني الانتهاء من حقبة السياسة التقشفيّة التي أقرّها...
بقلم سلام زيدان
أقرّ البرلمان العراقيّ مشروع قانون موازنة عام 2019 بمبلغ 112.6 مليار دولار، والتي تعدّ ثالث أكبر موازنة في تاريخ العراق، وسط اعتراض من قبل المحافظات الجنوبيّة.
صوّت البرلمان العراقيّ، في 23 كانون الثاني/يناير، على مشروع قانون موازنة عام 2019، وسط اعتراضات من قبل المحافظات الجنوبيّة.
وتعدّ الميزانيّة بمبلغ 133.1 تريليون دينار (112.6 مليار دولار) ثالث أكبر موازنة في تاريخ العراق، بعد موازنتيّ عاميّ 2013 و2014. ومع اختلاف واضح للموازنة الحاليّة، مقارنة بالسنوات الأربع الماضية، ازداد الإنفاق بنسبة 27.8 في المئة، الأمر الذي يعني الانتهاء من حقبة السياسة التقشفيّة التي أقرّها العراق حتّى عام 2021 بالاتفاق مع صندوق النّقد والبنك الدوليّين.
وعند مقارنة موازنة العام الحاليّ مع عام 2018، فإنّها اعتمدت على تصدير 3.880 مليون برميل يوميّاً، أقلّ من عام 2018 بــ8 آلاف برميل يوميّاً، مع ارتفاع سعر برميل النفط 10 دولارات من 46 دولاراً إلى 56 دولاراً. كما زادت نسبة أقساط الدين الداخليّ والخارجيّ إلى 30.87 في المئة، إذ وصلت إلى 10.7 تريليون دينار (9 مليارات دولار).
وتشكّل الإيرادات النفطيّة 88.8 في المئة من إجماليّ الإيرادات، بينما تراجعت الإيرادات الضريبيّة والرسوم إلى 6.8 تريليون دينار (5.7 مليار دولار)، بعد أن كانت في العام الماضي 9.2 تريليون دينار (7.7 مليار دولار)، الأمر الذي يدلّ على عدم التزام الحكومة باتفاقيّة الاستعداد الإئتمانيّ مع صندوق النّقد الدوليّ، التي وقّعتها لإصلاح الاقتصاد، وتتضمّن إيقاف التوظيف وزيادة أنواع الضرائب المفروضة على المواطنين والشركات، إلاّ أنّ هذه الموازنة ستشهد زيادة في رواتب الموظّفين بنسبة 24.7 في المئة، إذ ستبلغ 43.4 تريليون دينار (36.7 مليار دولار).
وأشار مصدر مسؤول في وزارة الماليّة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"المونيتور"، إلى أنّ "البرلمان لم يناقش وزارة الماليّة في إقرار مشروع قانون الموازنة، إذ قام بحذف الموادّ وتعديلها من دون الرجوع إلى وزارتيّ الماليّة والتخطيط"، وقال: "إنّ الحكومة العراقيّة ستطعن بالموادّ التي أضافها البرلمان أو أجرى تعديلات على بعضها لدى القضاء".
وحصل إقليم كردستان في موازنة عام 2019 على امتيازات لم يحصل عليها منذ عام 2013، إذ ضمن رواتب موظّفيه مع تقليص كميّات النفط من 550 ألف برميل يوميّاً إلى 250 ألف برميل مع حصوله على جزء من النفقات الحاكمة والقروض الاستثماريّة.
وقال ممثّل الأكراد في اللجنة الماليّة المسؤولة عن مناقشة الموازنة في البرلمان أحمد حمه لـ"المونيتور": "لدى الأكراد بعض الملاحظات على موازنة عام 2019، إلاّ أنّها أنصفت إقليم كردستان من خلال تأمين رواتب الموظّفين وزيادة الحصّة إلى 13.93 في المئة من إجماليّ الموازنة، بعد أن كانت 12.67 في المئة والحصول على ملياريّ دولار من القروض الاستثماريّة".
وأشار إلى أنّ "موازنة عام 2019 تضمّنت حلّ المشاكل العالقة مع بغداد خلال السنوات السابقة، الأمر الذي يعني بدء صفحة جديدة مع بغداد"، لافتاً إلى أنّ "480 ألف برميل حجم الإنتاج في إقليم كردستان من النفط ستكون حصّة بغداد منها 250 الف برميل، إضافة إلى 150 ألف برميل تذهب للاستهلاك اليوميّ للبترول في الإقليم، بينما 80 ألف برميل سيستفيد منها الإقليم في التصدير".
وخصّصت الحكومة مبلغ تريليون دينار "846 مليون دولار" لمشروع البترودولار، وهو مبلغ مخصّص للمحافظات المنتجة للنفط والمتضرّرة من ذلك وللمناطق الأكثر تضرّراً من إنتاج النفط وتصفيته، فكانت حصّة البصرة 69.2 في المئة، وتلتها كركوك بنسبة 6.3 في المئة. وبعدها، واسط بنسبة 4 في المئة، مع عدم تخصيص أيّ مبلغ لإقليم كردستان. وبهذه الأموال، يحقّ للحكومات المحليّة شراء الطاقة الكهربائيّة وتقديم الخدمات أو علاج المرضى خارج العراق.
ولكن هذا لم يرض المحافظات الجنوبيّة، فهناك حكومات محليّة في جنوب العراق، رفضت موازنة ٢٠١٩ لعدم قدرتها على إكمال المشاريع المتلكّئة ومواجهة الجمهور الغاضب، الذي حاول مراراً إسقاطها خلال الأشهر الماضية بسبب غياب الخدمات الأساسيّة للحياة مثل المياه الصالحة للشرب والكهرباء وغيرهما.
وفي مقابلة مع "المونيتور"، قال المتحدّث باسم مجلس محافظة البصرة أحمد السليطي: "إنّ موازنة عام 2019، صادرت حقوق محافظة البصرة ومنحت أقلّ من استحقاقها الدستوريّ، خصوصاً أنّ اقتصاد العراق يعتمد عليها بنسبة كبيرة جدّاً".
وأشار إلى أنّ "المشكلة الكبيرة أنّ قانون الموازنة الماليّة حتّى الآن لم يوزّع على أعضاء البرلمان أو يتمّ نشره في موقع البرلمان"، وقال: "عندما نتحدّث مع بعض أعضاء البرلمان، فإنّهم لا يعرفون على ماذا صوّتوا، وإنّ إضافة الموادّ وحذفها في موازنة عام 2019 جرت بشكل غير مدروس وعشوائيّ".
وأكّد أنّ "العراق، للمرّة الأولى، تحصل فيه فوضى بإقرار الموازنة الماليّة التي أظهرت عدم مبالاة البرلمان بمقدّرات الشعب العراقيّ"، لافتاً إلى أنّ "محافظة البصرة ستطعن بقانون الموازنة، وستطالب بحقوقها أمام القضاء العراقيّ بعد نشر القانون في الصحيفة الرسميّة".
يعتبر العراق من البلدان التي تصوغ موازنتها ببدائيّة للسماح بتمرير صفقات الفساد، إذ حصل على درجة 18 من 100 في تقرير مدركات الفساد الصادر عن منظّمة الشفافيّة الدوليّة، مع عدم التزامه بتنفيذ الموازنة الماليّة بشكل كليّ، إذ تنفّذ بنسب لا تتجاوز الـ80 في المئة.
وتأتي المفارقة هنا في أنّ رئيس مجلس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي ذات الخلفيّة الاقتصاديّة جاء في الأساس بأهداف اقتصاديّة للإصلاح، لكنّ حكومته تكرّر الآن الأخطاء نفسها التي حصلت في عاميّ 2012 و2013 من خلال زيادة الإنفاق العشوائيّ، مع عدم تطوير القطاعات الإنتاجيّة.
هذا في حين أنّ إعداد الموازنة الماليّة يجب أن يكون وفقاً لأهداف اقتصاديّة، لا أهداف سياسيّة، إذا البلاد تعاني اليوم من أزمات في الزراعة والصناعة والتعليم والصحّة والكهرباء. ومن باب المثال، أنّ تخصيصات الصحّة في موازنة العام الحاليّ تبلغ 2.4 في المئة فقط، بينما الزراعة لا تتجاوز الـ1 في المئة، والتعليم 3.6 في المئة.
وأخيراً، يبدو أنّ أزمة الموازنة الماليّة قد تمتدّ إلى 3 أشهر أخرى، لرغبة الحكومة بالطعن فيها بعد الإضافات والحذف من قبل البرلمان من دون الرجوع إليها. كما أنّها مرتبطة بالمشاكل التي تحصل بإقالة المحافظين في جنوب العراق وتسميتهم بسبب ارتفاع حصصهم الماليّة ومحاولة الهيمنة عليها من بعض الكتل السياسيّة.
اضف تعليق