يستعدّ العراق مع بدء العقوبات الأميركيّة على إيران في تشرين الثاني/نوفمبر، لإيقاف تصدير النفط من حقول كركوك إلى الدولة الجارة، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً على مستقبل العلاقات السياسيّة بين البلدين، وعن ردود أفعال النفوذ الإيرانيّ في العراق على المقاطعة النفطيّة. في موقف لرئيس الوزراء...
بقلم عدنان أبو زيد
يستعدّ العراق مع بدء العقوبات الأميركيّة على إيران في تشرين الثاني/نوفمبر، لإيقاف تصدير النفط من حقول كركوك إلى الدولة الجارة، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً على مستقبل العلاقات السياسيّة بين البلدين، وعن ردود أفعال النفوذ الإيرانيّ في العراق على المقاطعة النفطيّة.
في موقف لرئيس الوزراء العراقيّ الجديد عادل عبد المهدي، لا يختلف فيه عن سياسة رئيس الوزراء العراقيّ السابق حيدر العبادي في الالتزام بالعقوبات الأميركيّة على إيران، أعلن عبد المهدي في 26 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018 بعد ساعات على أدائه اليمين الدستوريّة، أنّه سيمنح الأولويّة لمصالح العراق الخاصّة واستقلاليّته في ما يتعلّق بتطبيق العقوبات الأميركيّة على إيران.
ولكن يبدو أنّ العراق لا يستطيع أن يستغني عن جارته إيران بسبب الارتباط الوثيق بين اقتصاد البلدين. ولهذا، طلب العراق من الولايات المتّحدة الأميركيّة السماح بمواصلة استيراد إمدادات حيويّة من الغاز والطاقة والمواد الغذائيّة من إيران، وقد وافقت واشنطن بالفعل في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، على ألّا يتمّ التعامل بالدولار الأميركيّ. ولكن يبدو أنّ الاستثناءات لا تشمل تصدير النفط من حقل كركوك، حيث أكّد وزير النفط الجديد ثامر الغضبان أنّ العراق سوف "يراجع صادرات النفط الحاليّة إلى إيران".
ومن الناحية العمليّة، فإنّ مصادر وزارة النفط العراقيّة كشفت في 26 تشرين الأوّل/أكتوبر عن أنّ العراق سيوقف نقل النفط الخام من حقول كركوك إلى إيران خلال النصف الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، امتثالاً إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتّحدة الأميركيّة على طهران.
يرى المتحدّث باسم وزارة النفط عاصم جهاد في حديثه إلى "المونيتور" أنّ "الامتثال إلى العقوبات الأميركيّة على إيران، سوف يكون له ضرر أقلّ على الاقتصاد العراقيّ، بعدما زاد العراق صادراته للنفط التي بلغت في شهر تشربن الأوّل/أكتوبر 2018 أكثر من 3 ملايين برميل يوميّاً من الموانئ الجنوبيّة في محافظة البصرة، محقّقة إيرادات ماليّة تجاوزت الـ8 مليارات دولار".
في الجانب المتّصل بالتأثير الاقتصاديّ على خطوة المقاطعة، يشير جهاد إلى أنّ "هذه الزيادة الهائلة من الصادرات النفطيّة، تقابلها كمّيّة ضئيلة من الصادرات إلى إيران تقدّر بأقلّ من 30 ألف برميل يوميّاً، ممّا يجعل من المقاطعة ذات تأثير ضئيل على الواردات الماليّة من النفط".
وإذا كان عاصم يتحدّث من وجهة نظر نفطيّة بحتة، فإنّ الخبير النفطيّ في وزارة النفط حمزة الجواهري، يتحدّث إلى "المونيتور" عن "تداعيات سياسيّة لعدم الامتثال إلى العقوبات، أبرزها أنّ العراق يعتمد على الجانب الإيرانيّ في مجال الطاقة الكهربائيّة، وعند تطبيقها سيخسر 5 آلاف ميغاواط، وهي كمّيّة من الطاقة لا يمكن فنّيّاً تعويضها، الأمر الذي يتسبّب في نقمة شعبيّة ووضع سياسيّ وأمنيّ مضطرب، ظهر بوضوح في تظاهرات الجنوب ومناطق أخرى من البلاد".
من جانب آخر، يرى الجواهري أنّه "مهما كانت الصعوبة، فإنّ العراق مضطرّ إلى الالتزام بالعقوبات، لأنّه لا يزال تحت طائلة البند السابع، وفي حال لم يتمّ الالتزام بالعقوبات فستكون هناك مشكلة كبيرة قد تؤدّي إلى الحجز على الأموال العراقيّة، ممّا يؤثّر على العلاقات السياسيّة بين البلدين".
يعتقد أمين سرّ المرصد الوطنيّ للإعلام الباحث والمحلّل السياسيّ محمود الهاشمي أنّ "القوى السياسيّة المتحالفة مع إيران والفصائل التي قاتلت تنظيم "داعش" وتلقّت الدعم منها، ترفض أيّ مساس بالعلاقات مع الدولة الجارة". بسبب ذلك، يرى الهاشمي أنّ "التصريحات بالتزام العراق بتطبيق العقوبات ومن ضمنها المقاطعة النفطيّة، هي مجرّد إعلان ترويجيّ لأسباب سياسيّة".
يتوقّع الهاشمي "فشل أيّ قطع للعلاقات النفطيّة مع إيران والالتزام بباقي بنود العقوبات، بسبب الميزان التجاريّ بين البلدين الذي يتجاوز الـ12 مليار دولار، في وقت يعاني العراق من توقّف 15 ألف مصنع ومعمل عن العمل، وكساد في الزراعة مع أزمة ماء وكهرباء، ممّا يجعل من انسيابيّة التصدير والاستيراد عبر الحدود العراقيّة-الإيرانيّة مسألة حياة".
إلى جانب الأسباب التي ذكرها الهاشمي في صعوبة إيقاف العلاقات النفطيّة بين البلدين، ما أفاده محلّلون في 27 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، أنّ الحدود الطويلة المشتركة سوف تفشل تطبيق العقوبات ضدّ إيران في شكل كامل، وهي تجربة حصلت بين العراق والأردن إبّان العقوبات الأميركيّة ضدّ النظام العراقيّ السابق، في فترة التسعينيّات، حيث أدّت الحدود المشتركة والعلاقات المتطوّرة، إلى عدم التزام الأردن بالعقوبات الأميركيّة.
وفي حين أعلن مدير عامّ شركة تعبئة الغاز العراقيّة التابعة إلى وزارة النفط علي عبد الكريم الموسوي في 28 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، أنّ "العقوبات الأميركيّة تؤثّر على العراق في شكل مباشر"، تقول الخبيرة الاقتصاديّة ومستشارة رابطة المصارف الأهليّة سلام سميسم لـ"المونيتور" إنّ "واشنطن وبغداد تدركان خطر المقاطعة النفطيّة على العراق، الأمر الذي أدّى وفق رويترز يوم الجمعة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 إلى الإعلان عن أنّ العراق حصل على استثناء موقّت يسمح للعراق باستيراد الغاز الإيرانيّ الذي يستخدم كوقود لمحطّات الطاقة الكهربائيّة، ذلك أنّ النقص في إمدادات الكهرباء سيخلّف نقمة شعبيّة لا تريد واشنطن للحكومة الجديدة أن تواجهها".
وترى سميسم أنّ ذلك "سيؤدّي إلى استمرار العلاقات السياسيّة الجيّدة بين العراق وإيران"، مؤكّدة أنّ "نظام مدفوعات جديد سيبدأ في العراق في 5 تشرين الثاني/نوفمبر يجعل من الصعب على العراق التعامل بالدولار مع إيران بسبب الرقابة الصارمة على البنوك العراقيّة، ممّا يؤثّر على الوضع الاقتصاديّ والاستقرار في العراق، وبالتالي يدفع واشنطن إلى مرونة في تعامل بغداد مع البضائع الإيرانيّة، لأنّها تحرص على استتباب الوضع العراقيّ".
وفي حين تسوّق وسائل إعلام عراقيّة موالية في خطابها لإيران بأنّ حكومة بغداد مستعدّة للوقوف مع طهران في أزمتها لمواجهة العقوبات الأميركيّة، وهي عازمة على تجاوز كلّ الخطوط لإنقاذ جارتها، لما تربطهما من علاقات وثيقة بعد عام 2003، وهو العام الذي سقط فيه نظام صدّام حسين، العدوّ لإيران، فإنّه من الواضح أنّ ملفّ العلاقات النفطيّة مع إيران والعقوبات عليها سوف تكون من أبرز التحدّيات أمام حكومة عبد المهدي، وقد يدفع ذلك بغداد إلى التحرّك بفعالية للعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران، أو لإقناع الولايات المتّحدة الأميركيّة بإعفائها من العقوبات.
اضف تعليق