ألقى اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي واحتمال مقتله بظلال كثيفة على صورة المملكة في العالم. فإذا كانت الحكومة السعودية قد قتلته أو اختطفته فعلا فسيكون لهذه الجريمة تداعيات كبيرة على السياسة في الشرق الأوسط. فقد اختفى خاشقجي، أحد المنتقدين البارزين لولي العهد السعودي الأمير محمد...
ميسم بهرافيش-رويترز
ألقى اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي واحتمال مقتله بظلال كثيفة على صورة المملكة في العالم. فإذا كانت الحكومة السعودية قد قتلته أو اختطفته فعلا فسيكون لهذه الجريمة تداعيات كبيرة على السياسة في الشرق الأوسط.
فقد اختفى خاشقجي، أحد المنتقدين البارزين لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والذي يقيم في منفى اختياري ونشر مقالات في صحيفة واشنطن بوست، عقب دخوله القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من أكتوبر تشرين الأول.
ويقول أصدقاؤه وخطيبته إن خاشقجي لم يشاهد أو يتصل بأحد منذ ذلك الحين. وتعتقد السلطات التركية أنه قتل وأن جثته ربما تكون قد نقلت مقطعة إلى أجزاء إلى خارج المبنى.
وقال مصدر أمني لرويترز إن مجموعة من 15 مواطنا سعوديا، من بينهم بعض المسؤولين، وصلوا إلى اسطنبول على طائرتين ودخلوا القنصلية في اليوم الذي كان فيه خاشقجي داخلها ثم غادروا البلاد في وقت لاحق.
وقالت صحيفة تركية مؤيدة للحكومة إنها توصلت إلى هويات أفراد تلك المجموعة.
ونفى مصدر سعودي في القنصلية مقتل خاشقجي أو اختطافه في القنصلية ونفى تلك الاتهامات ووصفها بأنها لا أساس لها من الصحة.
وإذا صحت الاتهامات التركية فإن مقتل خاشقجي في جريمة ارتكبت برعاية سعودية سيكون له تداعياته على المنطقة بأسرها. كما أنه سيجدد الانتقادات للأمير محمد الذي أشرف منذ توليه منصبه في يونيو حزيران عام 2017 على حملة تضييق على المعارضة شملت اعتقالات متكررة لقيادات دينية ومثقفين ونشطاء بالإضافة إلى أفراد الأسرة الحاكمة الذين ينتقدون تصرفاته.
وفي سياق التنافس الإيراني السعودي سيوفر ذلك ذخيرة سياسية لطهران وسيجعلها في مكانة أدبية أفضل في وقت تنتقد فيه قيادات أجنبية الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري على نطاق واسع باعتبارهما المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال بث ”الفوضى والموت والدمار“.
وقد بذلت الرياض قصارى جهدها لعزل طهران في المنطقة من احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري رهينة في نوفمبر تشرين الثاني 2017 إلى إقامة تحالف ضمني مع إسرائيل ألد أعداء إيران لمعاقبة قطر على علاقاتها الوثيقة مع الجمهورية الإسلامية.
وفي حين أن هذه الجهود فشلت في أغلبها في تحقيق هدفها بل وكان لها آثار عكسية في بعض الأحيان فإن تأكيد حدوث أي عنف يستهدف خاشقجي برعاية الدولة سيزيد من الصعوبة التي تواجهها القيادة السعودية في تصوير إيران في صورة أكبر قوة للشر في المنطقة.
كذلك فإن مثل هذه الجريمة ستزيد الضغوط الدولية على إدارة ترامب التي ألقت بثقلها وراء الأمير الشاب لتنفيذ ما يقال إنها إصلاحاته وساعدت في تهيئة المسرح لارتقائه العرش. وفي المقابل استفادت الولايات المتحدة من صفقات السلاح المربحة وخطط الاستثمار على نطاق واسع بمبالغ طائلة.
وكان من مصلحة السعودية ودواعي سرورها قرار ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في مايو أيار 2018 الأمر الذي أثار حنق حلفاء واشنطن الأوروبيين.
وبفضل مثل هذا الدعم ذهبت الرياض إلى مدى أبعد فقد قطعت العلاقات الدبلوماسية والعلاقات التجارية مع كندا الحليف التقليدي للولايات المتحدة بسبب تغريدة لوزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند التي نادت بإطلاق سراح اثنتين من ناشطات حقوق الانسان السعوديات من السجن.
إلى جانب ذلك ساندت إدارة ترامب التدخل الذي قادته السعودية في اليمن وكان مثار خلافات بالأسلحة المتقدمة والغطاء السياسي في المؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة.
وقد أدت غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية على حافلة مدرسية في شمال اليمن إلى سقوط 40 طفلا و11 بالغا قتلى في التاسع من أغسطس آب وإصابة 79 آخرين منهم 56 طفلا.
وقالت قناة سي.إن.إن في وقت لاحق إن السلاح المستخدم في هذا الهجوم القاتل كان قنبلة موجهة بالليزر زنتها 500 رطل من صنع شركة لوكهيد مارتن زودتها بها الولايات المتحدة.
وسيؤدي ما اتخذ من إجراءات بحق خاشقجي الناقد البارز لأسلوب السعودية في حرب اليمن وفظائع التحالف بحق المدنيين اليمنيين إلى زيادة كبيرة في الثمن السياسي الذي تدفعه واشنطن لدعم الرياض.
كما أن العلاقات بين السعودية وقطر عضو مجلس التعاون الخليجي وخصم المملكة ستتأثر كذلك بأي تأكيد لارتكاب جريمة بحق خاشقجي بأوامر من الديوان الملكي.
وستسنح للدوحة، التي كانت موضع مقاطعة تجارية ودبلوماسية بقيادة السعودية منذ يونيو حزيران 2017 بسبب دعمها المزعوم للإرهاب، فرصة نادرة لتأكيد طيش السياسة الخارجية السعودية في ظل الأمير محمد.
ومما يمثل أهمية خاصة في هذا السياق أن خاشقجي اختفى في تركيا التي أرسلت بصفتها حليفا قويا لقطر قوات إلى الدوحة للحيلولة دون غزو السعودية لها بعد بدء الحصار.
وفي ضوء العلاقات السياسية والعسكرية والعقائدية الوثيقة بين البلدين اللذين يميلان لجماعة الإخوان المسلمين فمن الممكن أن تدفع قطر أنقرة لإنزال عقاب مناسب بالرياض على اعتداء تم برعاية رسمية على الأرض التركية.
وربما لا تحل قط قضية خاشقجي المأساوية. غير أنه إذا كان قد تعرض بالفعل للقتل أو الاختطاف على أيدي أفراد على صلة بالحكومة السعودية فسيواجه الأمير محمد تداعيات تتجاوز كثيرا مملكته في الشرق الأوسط.
اضف تعليق