تشهد مدينة البصرة العراقيّة الغنيّة بالنفط وذات الميناء الوحيد في البلد، تشديد الصراع بين الولايات المتّحدة الأميركيّة وإيران، حيث تنشط فيها فصائل مسلّحة موالية لإيران تهدّد الولايات المتّحدة الأميركيّة بين الحين والآخر، ومن المتوقّع أن يؤثّر هذا التنافس على الوضع الاقتصاديّ في مدينة البصرة خصوصاً...
بقلم حمدي ملك
يحذّر مسؤولون وخبراء في مدينة البصرة من التأثيرات السلبيّة الواسعة على المدينة من جرّاء قرار الخارجيّة الأميركيّة إغلاق قنصليّتها هناك.
تشهد مدينة البصرة العراقيّة الغنيّة بالنفط وذات الميناء الوحيد في البلد، تشديد الصراع بين الولايات المتّحدة الأميركيّة وإيران، حيث تنشط فيها فصائل مسلّحة موالية لإيران تهدّد الولايات المتّحدة الأميركيّة بين الحين والآخر، ومن المتوقّع أن يؤثّر هذا التنافس على الوضع الاقتصاديّ في مدينة البصرة خصوصاً، والعراق عموماً.
ولقد أعلنت وزارة الخارجيّة الأميركيّة في 28 أيلول/سبتمبر عزمها إغلاق قنصليّتها في مدينة البصرة وسحب ديبلوماسيّيها منها، بعدما استهدفت 3 قذائف هاون القنصليّة الأميركيّة هناك.
واتّهم وزير الخارجيّة الأميركيّ مايك بومبيو في 29 أيلول/سبتمبر قوّة القدس التابعة إلى الحرس الثوريّ الإيرانيّ وقائدها قاسم سليماني بالوقوف وراء هذه التهديدات، مشيراً إلى "أنّ الولايات المتّحدة ستردّ فوراً، وبشكل مناسب، على أيّ هجوم يستهدف منشآت أميركيّة".
وسبّبت هذه التوتّرات قلقاً في الساحة العراقيّة، وحذّر محافظ البصرة أسعد العيداني من أنّ تشديد الصراع الإيرانيّ - الأميركيّ على الساحة العراقيّة عموماً، والبصرة خصوصاً، يؤثّر سلباً على مدينته، لافتاً في 29 أيلول/سبتمبر إلى أنّ "إغلاق القنصليّة الأميركيّة في البصرة ناتج من صراعات إقليميّة"، مؤكّداً أنّ "قرار الغلق له تأثيرات سلبيّة على البصرة".
وأعرب القياديّ في التيّار الصدريّ حاكم الزامليّ في 30 أيلول/سبتمبر عن خشيته من تصاعد التوتّر بين الولايات المتّحدة وإيران على الساحة العراقيّة، وقال: "إنّ ما نسمعه الآن من تصريحات متشنّجة بين إيران وأميركا سيكون له أثر سلبيّ بكلّ تأكيد على الوضع العراقيّ".
أضاف: "إنّ إغلاق القنصليّة الأميركيّة في هذا التوقيت له هدف، وهو يصبّ في تصعيد الصراع الأميركيّ – الإيرانيّ، ونحن نخشى من هذا التصاعد لما له من تأثير على الوضع العراقيّ".
ومن المعروف أنّ لدى التيّار الصدريّ موقفاً عدائيّاً تجاه الولايات المتّحدة، ولكن في الوقت نفسه يحاول الابتعاد عن المحور الإيرانيّ في العراق.
وكان السفير الأميركيّ في العراق دوغلاس سيليمان قد أعلن في 27 أيلول/سبتمبر، قبل يوم واحد فقط من إغلاق القنصليّة، عزم بلاده بالشراكة مع اليونيسف، زيادة فرص الحصول على المياه النظيفة لـ750 ألف شخص في البصرة، مبيّناً أنّ بلاده ستساعد في تنظيم مؤتمر للمياه برعاية الأمانة العامّة لمجلس الوزراء العراقيّ لتحديد أولويّات المشاريع السريعة في البصرة. والجدير بالذكر أنّ أزمة مياه الشرب كانت الشرارة الأولى لانطلاق المظاهرات العارمة في بداية أيلول/سبتمبر.
وأكّد المستشار السابق للتحالف الدوليّ بقيادة أميركا ضدّ "داعش" في العراق كاظم الوائلي في تصريح لـ"المونيتور" التأثير السلبيّ لهذا الصراع على الوضع الاقتصاديّ في البصرة والعراق، وقال: "إنّ وجود القنصليّة الأميركيّة يعتبر علامة من علامات الأمان في البصرة. أمّا إغلاقها فهو إشارة إلى الوضع غير المستقرّ في المدينة، وهذا يؤدّي إلى زيادة أسعار خدمات التأمين التي تستفيد منها الشركات العظمى في قطاع النفط".
وأشار إلى أنّ هذا من جانبه سيزيد من كلفة إنتاج النفط في العراق، وتمتلك البصرة حقول نفط كثيرة، بعضها الأكبر على مستوى العالم وتعمل فيها أكبر شركات النفط العالميّة.
ويبدو من الصعب، بل من المستبعد جدّاً الآن، إمكانيّة إرسال مساعدات أميركيّة إلى المدينة بعد إغلاق قنصليّتها، إذ كان دوغلاس سيليمان قد وعد الشعب البصريّ بالمساعدة في تخفيف المعاناة عنهم في ملفّات عدّة، وعلى رأسها أزمة مياه الشرب التي يعاني منها المواطن البصريّ.
وقال كاظم الوائلي: "هناك 200 مليون دولار خصّصت لمدينة البصرة من قبل الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة (USAID)، لمشاريع الماء وبناء المستشفيات والمدارس في المدينة، وهذه الأموال سوف تنسحب وتعود إلى الخزينة الأميركيّة".
وفي مؤشّر على التصعيد بين الجانب الأميركيّ والفصائل القريبة من إيران، أصدرت الولايات المتّحدة تحذيراً جديداً لرعاياها في 28 أيلول/سبتمبر طالبتهم بعدم السفر إلى العراق بسبب وجود مخاطر كبيرة تتمثّل في "العنف والاختطاف".
من جهتها، نفت الفصائل المسلّحة العراقيّة القريبة من إيران، مسؤوليّتها عن هذه الهجمات، معتبرة أنّ قرار إغلاق القنصليّة هو تصعيد ضدّها.
وكان الأمين العام لكتائب سيّد الشهداء أبو آلاء الولائي قد أكّد في اليوم نفسه أنّ إغلاق القنصليّة الأميركيّة هو محاولة للهروب من الحقائق التي تمتلكها الكتائب بشأن "تورّط الأميركيّين في حرق مؤسّسات الدولة في البصرة".
وكانت شخصيّات كثيرة مقرّبة من إيران في الحشد الشعبيّ، وعلى رأسها معاون هيئة الحشد أبو مهدي المهندس، قد اتّهمت القنصليّة الأميركيّة بالوقوف وراء حرق مقرّات فصائل الحشد الشعبيّ والقنصليّة الإيرانيّة في البصرة، بداية سبتمبر/أيلول الماضيّ.
ومع احتماليّة خلوّ الجهد الأميركيّ بالمجالات التنمويّة في البصرة، كثّفت هيئة الحشد الشعبيّ القريبة من إيران نشاطاتها الخدميّة في المدينة في محاولة لكسب قلوب البصريّين"، وأرسلت العشرات من كوادرها وآليّاتها إلى البصرة في سعيها إلى تخفيف أزمة الخدمات التي تعاني منها المدينة وتسبّبت في اندلاع المظاهرات فيها.
وزار أبو مهدي المهندس البصرة في 3 تشرين الأوّل/أكتوبر، واجتمع مع كوادر الهندسة العسكريّة التابعة إلى هيئة الحشد والمسؤولين التنفيذيّين في المدينة، وقال: "قرّرنا استغلال الجهد الهندسيّ وتوظيفه في إنهاء المشاكل الحادّة. وقرّرنا أيضاً أن نبقى على الأقلّ لمدّة سنة ونأتي بجهد كبير ونعمل".
وكان المسؤول في هندسة الحشد محمّد تركي قد أكّد في 20 أيلول/سبتمبر أنّه، وبتوجيه من أبو مهدي المهندس، سيقدّم كلّ جهد الهندسة العسكريّة إلى الحشد الشعبيّ في مدينة البصرة بشكل مجانيّ، ولكن لا يبدو في استطاعة الحشد الشعبيّ ملء فراغ الشركات العالميّة في حال قرّرت ترك المدينة.
ومع اشتداد الصراع بين الولايات المتّحدة وإيران في المنطقة، هناك بوادر تحوّل مدينة البصرة التي تعرف بالعاصمة الاقتصاديّة للعراق، إلى مركز للصراع والحروب، بدلاً من مركز للتنمية الاقتصاديّة والازدهار، الأمر الذي يفاقم وضعها الاقتصاديّ السيّئ أصلاً.
اضف تعليق