وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، فقد عبّر وزير الخارجية السابق جون كيري في لقاء مع جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، عن رأي مفاده أنه سيكون من الأفضل لطهران أن تنتظر السنوات المتبقية من إدارة ترامب قبل الانخراط في محادثات جديدة مع الخليفة الديمقراطي. ما قاله كيري...
بقلم: شيرين هانتر أستاذة أبحاث في مركز للتفاهم لإسلامي-المسيحي بجامعة جورجتاون في مدينة واشنطن
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، نقلا عن صحيفة لوبي لوغ
ترجمة: هبه عباس محمد علي
وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، فقد عبّر وزير الخارجية السابق جون كيري في لقاء مع جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، عن رأي مفاده أنه سيكون من الأفضل لطهران أن تنتظر السنوات المتبقية من إدارة ترامب قبل الانخراط في محادثات جديدة مع الخليفة الديمقراطي. في الواقع، ما قاله كيري في المقابلة التي أجراها مع قناة فوكس نيوز: "حسنا، الجميع ينتظرون التحدث عن انتظار الرئيس ترامب."
وعلى الرغم من عدم معرفة ما إذا كان هذا البيان يرقى إلى أن كيري ينصح ظريف بعدم التعامل مع إدارة ترامب أم لا، لكن ليس من مصلحة إيران انتظار رحيل ترامب، فالقيام بذلك سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية العديدة التي تواجهها إيران، مما يدفع واشنطن إلى فرض المزيد من القيود على إيران، وحتى زيادة خطر وقوع هجوم عسكري أمريكي محتمل.
تفترض مثل هذه الاستراتيجية الخاصة بانتظار ترامب أن سياسات الإدارات الأمريكية السابقة تجاه إيران كانت مختلفة بشكل كبير عن سياسات إدارة ترامب، وأن الإدارة الديمقراطية المستقبلية، أو ربما حتى الرئيس الأكثر اعتدالا من الجمهوريين، سوف يتبنى نهجا مختلفا تجاه طهران، لكن على الرغم من ذلك تشير السياسات الإيرانية للإدارات السابقة من عام 1988 فصاعدًا بقوة إلى أنه من غير المحتمل حدوث مثل هذا التغيير، وان أحد الأسباب الرئيسة لهذه الشكوك هو الوضع الدولي المتغير منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
نهاية الحرب الباردة والعلاقات الأمريكية-الإيرانية
خلال فترة الثمانينات، تأثر النهج الأمريكي تجاه طهران بشكل كبير بالعامل السوفيتي والحرب الباردة المستمرة، وهذا أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة الى عدم الضغط على الجمهورية الإسلامية وعدم اتخاذ أي اجراء عسكري مباشر ضدها، حتى أثناء أزمة الرهائن في الفترة 1979-1981. كانت واشنطن تخشى من أن يكون الضغط المفرط، او الهجوم العسكري على إيران ذريعة لموسكو من اجل الانتقال إلى إيران أو السيطرة عليها.
منذ أن كان الاتحاد السوفييتي في أفغانستان بالفعل، كان هذا احتمالًا حقيقيا واردا، ومن الممكن ان تؤدي هيمنة موسكو على إيران إلى تقويض الموقف الأمريكي في الخليج الفارسي بشكل خطير، كان هذا القلق الأخير وراء إعلان تعاليم كارتر. وبحلول عام 1987، بدأ الوضع يتغير فضلا على تغير الحسابات الأمريكية بخصوص إيران، فكان هذا هو العام الذي بدأ فيه ميخائيل جورباتشوف إصلاحاته وأعلن ما يسمى بـ "التفكير الجديد" في السياسة الخارجية السوفيتية. ووفقاً لهذا النهج الجديد، فإن سياسة الاتحاد السوفييتي الخارجية تحددها حسابات المصلحة الوطنية وليست المنافسة الإيديولوجية مع الغرب. ووفقًا لـ "التفكير الجديد"، كانت سياسة موسكو الخارجية هي المساعدة على نشاطها الاقتصادي، وفي الواقع كان هذا التغيير في التفكير السوفييتي، بداية نهاية الحرب الباردة.
التأثير على سياسة الولايات المتحدة
هذا التغيير من وجهة نظر السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي يعني أيضاً أن موسكو لن تتحدى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولا في الخليج الفارسي، بما في ذلك إيران. وهكذا، في نيسان / أبريل 1988، هاجمت الولايات المتحدة السفن الإيرانية والمنصات النفطية، وأدت هذه الهجمات إلى القضاء على أي آمال ايرانية لهزيمة العراق وجعلتها توافق على وقف إطلاق النار في حربها مع العراق، وبعد انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية، على الرغم من محاولات طهران، اختارت أمريكا عراق صدام حسين كشريك وحلف جديد لها في الخليج الفارسي لكنها أصيبت بخيبة أمل شديدة عندما هاجمت بغداد الكويت في عام 1991. في ذلك الوقت، قدمت أمريكا عرضًا إلى طهران للانظمام إلى التحالف المناهض لصدام، لكن لم تسمح السياسة الداخلية لإيران بمثل هذه اللفتة الجريئة، اذ بقيت محايدة إلى حد كبير، الأمر الذي ساعد في انتصار تحالف صدام.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في ديسمبر 1991، أعلن وزير الخارجية جيمس بيكر خلال رحلة إلى آسيا الوسطى أن إدارة جورج بوش ستعرقل وجود إيران في الفضاء ما بعد السوفيتي. ثم جاءت سياسة الاحتواء المزدوج لإدارة كلينتون، والعقوبات الاقتصادية عام 1996، والجهود المستمرة لإبعاد إيران عن تطوير شبكات الطاقة والنقل الإقليمية، وكان الهدف النهائي لاستراتيجية الاحتواء المزدوج هو تغيير النظام من خلال العقوبات والضغوط الأخرى، وليس باستخدام القوة.
وفي ظل تأثير احداث ١١ سبتمبر، تغير الاحتواء المزدوج إلى سياسة تغيير الأنظمة النشطة في العديد من دول الشرق الأوسط وأحدها إيران. فعلى سبيل المثال، كانت إدارة جورج دبليو بوش تعتبر إيران أحد دول (محور الشر) الثلاث، ولكن حتى إدارة أوباما -خاصة عندما كانت هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية -اتبعت سياسة الضغط بدلاً من التحفيز، اذ لم تكن لغة كلنتون فيما يتعلق بإيران أكثر اعتدالاً من لغة دونالد ترامب، وقالت في تصريح ما " إذا هاجمت إيران إسرائيل، فإن أمريكا سوف تمحوها"، وكانت أيضا أول من تحدث عن فرض عقوبات قاسية على طهران. في الواقع، جاءت أسوأ العقوبات تحت رئاسة أوباما. كما زعمت كلينتون أن إصرارها على فرض عقوبات صارمة حمل إيران إلى طاولة المفاوضات، كما درست إدارة أوباما فكرة توجيه ضربة عسكرية لإيران، ولو فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة في عام 2016، لاتبعت على الأرجح سياسة قاسية تجاه طهران.
أدى التنفيذ البطيء لتلك الجوانب من خطة العمل المشتركة (JCPOA) المتعلقة بتخفيف العقوبات في عهد الرئيس أوباما إلى تذمر إيران، فخلال الأشهر المتبقية من رئاسة أوباما، لم يكن هناك أي اختراقات في العمليات المصرفية ولا استثمارات أمريكية كبيرة في إيران، وفور توقيع إدارة أوباما على خطة العمل المشتركة، أثارت مسألة الصواريخ. وباختصار، لقد قام دونالد ترامب بتصعيد الخلاف فقط، اذ إن جوهر سياسته -أي محاولة ارضاخ إيران من خلال الضغط – لا يختلف عن السياسات ذاتها التي اتبعتها الإدارات الامريكية الأربع الأخيرة.
استمرار السياسة
كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران متسقة إلى حد كبير، اذ لم تتغير المضايقات الرئيسية في العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ إنشاء الجمهورية الإسلامية. وعلى الرغم من نوبات التعاون التكتيكي في أفغانستان، وحتى لفترة من الوقت في العراق، وتقديمها حلول للخلافات، لكن استمر الخطاب الإيراني المعادي لأمريكا. كما لم يتغير موقف إيران من إسرائيل والقضية الفلسطينية باستمرار نزاعها مع إسرائيل، وهناك أمل ضئيل في تطبيع العلاقات مع واشنطن في ظل حكم أي رئيس ايراني، ولا يخفى علينا ان إسرائيل وأنصارها ساهموا إلى حد كبير في سياسة أميركا الصارمة تجاه إيران.
في ضوء هذا التاريخ، فإن انتظار رحيل ترامب على أمل التوصل الى عقد صفقة أفضل مع أمريكا لن يؤدي إلا إلى إطالة معاناة إيران وشعبها. في عام 1980، تأخرت إيران في التوصل إلى اتفاق بشأن أزمة الرهائن على أمل الحصول على صفقة أفضل مع خصم جيمي كارتر، لكن أدى هذا التكتيك الى تقويض الرئيس الإيراني المعتدل نسبيا، أبو الحسن بني صدر، وعزز موقف المتشددين، وأغرق البلاد في حرب مدمرة دامت ثماني سنوات مع العراق.
وعلى الرغم من اتخاذ إدارة ترامب موقفا عدائيا متوقعا تجاه إيران، لكن من المحتمل ألا تحصل إيران على صفقة أفضل من أي جهة تأتي بعد ذلك.
اضف تعليق