كشفت دراستنا أن 23% فقط ممن أجابوا على أسئلة الاستطلاع يثقون في الأخبار المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، و34% فقط يصدقون محتوى محركات البحث. ومن الأرجح أن تشكل هذه الأرقام قلقا لشركة غوغل وفيسبوك وغيرها من شركات التكنولوجيا العملاقة التي ليس اعتمادها على الثقة أقل...
ألكسندرا بورشاردت
أوكسفورد- بعد سنوات من الركود، أصبحت تظهر على صناعة الاخبار أخيرا علامات تشير إلى تحسن متواضع. تقرير الأخبار الرقمية لعام 2018- وهي أكثر الدراسات المتعلقة باستهلاك الإعلام الرقمي شمولا- عرف الاشتراك في مواقع الإعلام الرقمي إقبالا بينما بقيت ثقة المستهلك في تلك المواقع مستقرة. وبالنسبة لتجارة تستغل كثيرا لأهداف شريرة وتتاجر في الثقة، يعتبر هذا التحسن المتواضع بمثابة تقدم كبير بالنسبة لها.
ومن المؤكد أن مشاكل الإعلام في العالم مازالت قائمة، إذ يشير تقرير أصدره معهد رويترز لدراسة الصحافة أن 44% فقط من المستهلكين الجدد يثقون بما تنشره شركات الإعلام، ويشكل هذا ارتفاعا بنسبة 1% عن العام الماضي، مما يشير إلى أن مشكل تراجع الثقة الذي تعاني منه هذه الصناعة إما أنه لم يعد قائما أو أنه بصدد التقلص.
وذهبت بعض الدراسات إلى أبعد من ذلك، فعلى سبيل المثال، يشير بارومتر الثقة السنوي لإيدلمان إلى أن الصحفيين بدأوا باسترجاع مصداقيتهم، بينما وصلت الثقة بشكل عام في الصحافة التقليدية والإلكترونية فقط إلى أعلى مستوياتها منذ 7 سنوات. ودفعت هذه الاستنتاجات الشركة لتعلن أن "عودة الخبراء" بدأت تعطي أكلها.
ورغم أن الوقت قد لم يحن بعد ليعلن المسؤولون التنفيذيون في مجال الإعلام انتصارهم، فمن الواضح أن هذه المؤشرات إيجابية بالنسبة لصناعة تضررت سمعتها في السنوات الأخيرة. فقد زرعت الانقسامات السياسية شكوكا لدى الناس في المنابع الإعلامية التي لا تدعم آراءهم، بينما أدى خفض الميزانية المخصصة لغرف الأخبار إلى تراجع جودة الصحافة المتوفرة حاليا. ولكن، وكما تشير إلى ذلك ما استجد من البيانات، فيبدو أن الصحافيين وجدوا طرقا للتعامل مع هذه التحديات.
وربما أكثر ما ورد في تقرير الأخبار الرقمي لهذا العام تفسيرا لما يحدث هو ازدياد عدم الثقة في الأخبار المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فمثلا، كشفت دراستنا أن 23% فقط ممن أجابوا على أسئلة الاستطلاع يثقون في الأخبار المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، و34% فقط يصدقون محتوى محركات البحث. ومن الأرجح أن تشكل هذه الأرقام قلقا لشركة غوغل وفيسبوك وغيرها من شركات التكنولوجيا العملاقة التي ليس اعتمادها على الثقة أقل شأنا من اعتمادها على منظمات الإعلام التقليدي.
ولكن بينما تتعثر منصات مثل فيسبوك، بدأت العديد من منابع الإعلام التقليدية تكسب ثقتها في نفسها، والتغير الحاصل على مستوى معدلات الاشتراك يثبت ذلك. إذ قال 14% من 74000 شخص شملهم الاستطلاع أنهم دفعوا المال مقابل الأخبار الرقمية على الأقل مرة واحدة خلال ال12 شهرا الماضية، بينما اقترب المعدل في دول الشمال من نسبة 30%. وفي الولايات المتحد الأمريكية، خلف هجوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ما سماه ب"إعلام الأخبار الزائفة" تأثيرا عكسيا، حيث دفع هذا الهجوم المزيد من الأشخاص لتشجيع الصحافة المستقلة أكثر من أي وقت مضى. وفي عام 2016، على سبيل المثال، دفع 9% فقط من المستهلكين في أمريكا المال مقابل خدمة الأخبار عبر الأنترنيت، وارتفعت هذه النسبة إلى 16% في عام 2017 وبقيت مستقرة حتى هذا العام.
وحتى في دول لا تفتقر إلى مواقع الأخبار المجانية مثل المملكة المتحدة، يدفع الناس أموالهم في التقارير ذات الجودة. وحقق نموذج مجلة الغارديان في طلب التبرعات أو أداء فاتورة العضوية نجاحا على المستوى المالي. وفي كل بلد شمله الاستطلاع، أظهر الشباب الموالون لليسار السياسي رغبتهم في دفع المال مقابل الأخبار ذات الجودة.
ويقول بعض النقاد أن نموذج شراء الأخبار يتناقض مع الروح الأصلية للأنترنيت التي تتجلى في كونه مكانا لتبادل الافكار والاخبار والمعلومات. وسيؤدي وضع أهم الاحداث في خانة الأداء، كما يقول المعارضون، إلى ظهور أخبار رديئة لمواطنين من الدرجة الثانية.
لكن ما قاله هؤلاء النقاد تنقصه ثلاث نقاط رئيسة. أولا، يرجح أن يكون عدد متصفحي الأنترنيت الذين ليس بوسعهم شراء الأخبار صغيرا إلى حد ما، حيث أن الرغبة في الأداء هي مسألة متعلقة أكثر بأولويات الإنفاق. وعلاوة على هذا، دفع المال مقابل شيء يراه الشخص ذات قيمة يساعد على جعله كذلك، كما يوضح ذلك التوجه نحو إعطاء الأولوية لنماذج العضوية على حساب المقاربات التجارية المحضة.
أخيرا، بالنسبة لمن ليس لديه الإمكانيات لشراء الأخبار فعلا، هناك طرق فعالة يمكن من خلالها وصول الصحافة ذات الجودة إلى الأسر الضعيفة الدخل. مثلا، يمكن إصلاح قانون الضرائب لتصبح ممارسة الصحافة في المتناول، بينما يمكن للحكومة والمؤسسات أن تعزز برمجة الإعلام العام عن طريق تقديم الدعم المالي.
عندما يدفع الأشخاص مقابل محتوى الأخبار، فهذا يحفز الصحافي ليعطي. أي انهم يقومون بفحص دقيق لعملهم لتصبح أكثر قيمة ويتأكدون من الوقائع بعمق ويبدعون ويبحثون ويقللون من الأخبار التافهة المزعجة والملفتة للانتباه التي تنتشر في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي. والأحسن من هذا هو أن مظاهر التغيير هذه تقوي بعضها البعض: كلما تحسن مستوى الصحافة، كلما ازداد احترام المستهلكين لها.
لقد مر زمن طويل ولم نسمع عن خبر سار تنشره صناعة الإعلام عن نفسها. وبما أننا ننشره اليوم، أصبح ملزما علينا العمل بجد أكثر من أي وقت مضى للدفع بعجلة هذا التغيير نحو الجودة والمصداقية والفعالية على المستوى المالي.
اضف تعليق