q
فور دخول حزمة العقوبات الأميركيّة الأولى على إيران حيّز التنفيذ في 7 آب انهالت على وسائل الإعلام المحليّة في العراق بيانات وتصريحات متناقضة للمسؤولين العراقيّين، تلتها مواقف للأحزاب والميليشيات معبّرة عن التزامها بالعقوبات تارة أو مستنكرة ومعارضة لها طوراً، الأمر الذي يظهر مدى حرج الحكومة العراقيّة...
بقلم عمر الجفال

 

الموقف الرسمي العراقي في الالتزام بالعقوبات الامريكية ضد ايران واجهه انتقادات واسعة من الاحزاب والميليشيات الموالية لايران مطالبين الحكومة العراقية بتقديم الدعم الكامل لايران خلال العقوبات.

فور دخول حزمة العقوبات الأميركيّة الأولى على إيران حيّز التنفيذ في 7 آب/أغسطس، انهالت على وسائل الإعلام المحليّة في العراق بيانات وتصريحات متناقضة للمسؤولين العراقيّين، تلتها مواقف للأحزاب والميليشيات معبّرة عن التزامها بالعقوبات تارة أو مستنكرة ومعارضة لها طوراً، الأمر الذي يظهر مدى حرج الحكومة العراقيّة وضعفها في اتخاذ موقف مستقلّ وقويّ في بلد يتشارك فيه النفوذ كلّ من الولايات المتّحدة الأميركيّة وإيران.

وقبل دخول العقوبات بيوم واحد حيّز التنفيذ، قال رئيس الجمهوريّة العراقيّ فؤاد معصوم في مقابلة مع قناة "الحرّة": "إنّ ظروف العراق وطبيعة علاقاته مع إيران تجعل من الصعب عليه الالتزام بتنفيذ العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران". وعاد فشدّد مرّة أخرى، بلهجة حائرة، على صعوبة تطبيقها.

وعلى العكس من فؤاد معصوم، بدا رئيس مجلس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي أكثر وضوحاً في موقفه من العقوبات، حين أجاب في مؤتمره الصحافيّ الأسبوعيّ بـ8 آب/أغسطس على سؤال بشأنها، قائلاً: "من الناحية المبدئيّة، نحن ضدّ العقوبات بالمطلق".

واستذكر مدى قسوة العقوبات الدوليّة على العراق مطلع تسعينيّات القرن الماضي، إثر غزو النظام السابق للكويت. ورغم تشديده على عدم التفاعل أو التعاطف مع العقوبات الاقتصاديّة ضدّ إيران، بيد أنّه قال: "سنلتزم بها لأنّنا لا نريد أن نعرّض مصالح العراقيّين للخطر".

وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه حيدر العبادي التزام العراق بالعقوبات الأميركيّة، بدا واضحاً أنّ العقوبات لم تحظَ بنقاش جادٍ داخل أروقة الحكومة الاتحاديّة العراقيّة، ولم تصدر تعليمات عن كيفيّة التعامل معها، إذ قال رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في مؤتمره الصحافيّ الأسبوعيّ الذي سبق مؤتمر العبادي بساعات: "إنّ موقف الإقليم تجاه العقوبات الأميركيّة على إيران سيكون في إطار الموقف العراقيّ"، وهو ما يعني أنّ نيجيرفان بارزاني لم يتلقّ أيّ توضيح حول كيفيّة التعامل مع العقوبات.

ومقابل الآراء المتذبذبة في الموقف الرسميّ العراقيّ، ظهر غضب الأحزاب السياسيّة والفصائل الشيعيّة المسلّحة المقرّبة من إيران بشكل جليّ، إذ لم تكتف هذه الأطراف بالتعبير عن غضبها من العقوبات، وإنّما دانت موقف العبادي الذي أكّد التزامه بتنفيذها.

لكن كيف سيتعامل العراق مع العقوبات؟ وما هي الخطوات التي ستتّخذها الحكومة؟ وهل تتمّ مناقشة خطّة واقعيّة في التزام العراق بالعقوبات، من دون أن يتضرّر هو نفسه، إذ أنّه يعتمد أيضاً بشكل كبير على عدد من المنتجات الإيرانيّة، وله عقود في مجال الكهرباء والغاز والنفط مع طهران؟ كلّ هذه الأسئلة لم يحصل مراسل "المونيتور" على أيّ جواب عليها في اتصالاته مع مستشارين أو مقرّبين من العبادي، إذ يتجنّب الجميع إبداء رأي إعلاميّ بعد موجة الغضب الهائل ضدّ العبادي من قبل الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، بعد موقفه الأخير من الالتزام بالعقوبات.

وحاول المتحدّث باسم الحكومة العراقيّة سعد الحديثي تهدئة الموقف الغاضب ضدّ العبادي بالتقليل من أهميّة العقوبات بالنّسبة إلى العراق، إذ قال في 9 آب/أغسطس لوكالة "المسلّة": "الأمر المتعلّق بالعقوبات هو فقرة جزئيّة محدّدة تخصّ التعاملات المصرفيّة والتحويلات الماليّة. أمّا القضايا الأخرى فلن يكون العراق طرفاً فيها. وانطلاقاً من هذا المبدأ، فإنّ الحكومة العراقيّة سوف تلتزم بالجزء الخاص المتعلّق بالتحويلات المصرفيّة والتعاملات الماليّة بالدولار مع إيران، وما عدا ذلك، فلا توجد مشكلة بالنّسبة إلى العراق".

ولكن تظهر المؤشرات على خلاف رأي سعد الحديثي، إذ أنّ العراق سيكون أكثر الأطراف وأسرعها تضرّراً من فرض العقوبات الأميركيّة على إيران، نظراً لحجم التبادل التجاريّ مع جارته الشرقيّة الذي يتجاوز الـ١٢ مليار دولار سنويّاً. وهناك شراكات اقتصاديّة مهمّة بين العراق وإيران في قطاعات الكهرباء والغاز والنفط ستضع العراق أمام انهيار هذه القطاعات، فيما لو قرّر الامتثال الفوريّ للعقوبات الأميركيّة. وكلّ هذه التبادلات تتطلّب تعاملات مصرفيّة وتحويلات ماليّة، التي أشار الحديثي إلى التزام العراق بخصوصها في موضوع العقوبات.

وكشف مظهر محمّد صالح، وهو المستشار الاقتصاديّ للعبادي، في 9 آب/أغسطس عن وجود حراك ديبلوماسيّ لتجنيب العراق مشكلات العقوبات الأميركيّة على إيران، من خلال الحصول على مخارج قانونيّة للحفاظ على التبادلات التجاريّة الواسعة بين العراق وإيران من دون الوقوع في مخالفة العقوبات الأميركيّة. ولم يفصّل مظهر محمّد صالح كيفيّة ذلك، إلاّ أنّ التجارب السابقة في ملف العقوبات تشير إلى احتمال اتخاذ العراق طرقاً بديلة للتحويلات الماليّة من دون استخدام الدولار، مثل تبادل السلع مباشرة أو انتقال السلع الإيرانيّة إلى الأسواق العالميّة عبر وساطة شركات عراقيّة.

بدوره، أكّد أستاذ مادّة الاقتصاد في جامعة البصرة الدكتور نبيل جعفر أنّه "لا يمكن للعراق إلاّ الموافقة على حزمة العقوبات الأميركيّة على إيران لأنّها ترتبط مباشرة بتصدير النفط، وهو المصدر الأساس للاقتصاد العراقيّ"، وقال: "في الحزمة الأميركيّة الثانية من العقوبات على تصدير النفط الايرانيّ في تشرين الثاني المقبل/نوفمبر، فإنّ العراق في حال كان موقفه عدم الامتثال للعقوبات على إيران، فسيحرم أيضاً من تصدير نفطه".

ورأى نبيل جعفر بتطبيق العقوبات على إيران انعكاساً سلبيّاً على الاقتصاد العراقيّ، وقال: "سيتوقّف استيراده من الغاز الإيرانيّ، الأمر الذي يعني توقّف بعض محطّات توليد الطاقة الكهربائيّة، وبالتالي تفاقم أزمة الكهرباء"، لكنّه بدا متفائلاً بهذا الواقع، إذ أشار إلى أنّ "الصناعات العراقيّة قد تشهد صحوة مهمّة من أجل تعويض السلع المستوردة من إيران".

وفي واقع الحال، سيتضرّر العراق من العقوبات على إيران في الحالتين، إلاّ أنّه إذا تشكّلت حكومة جديدة مقرّبة من إيران ورفضت تطبيق العقوبات سيصبح الضرر أكبر، وهو الأمر الذي لا يمكن للعراق تحمّله في ظلّ تفاقم الأوضاع الداخليّة ووجود غليان شعبيّ بسبب نقص الخدمات وتنامي الفساد.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق