q
بقلم بروس ريدل يناير

 

أصبح القادة السعوديون أكثر مذهبية ومناهضةً لإيران من أي وقت مضى، ما يثير بهجة عارمة لدى المؤسسة الدينية الوهّابية التي التزمت الصمت حول الإصلاحات الاجتماعية الواسعة.

ينتهج العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد محمد بن سلمان، بعد ثلاث سنوات على تسلّم الملك سلمان سدّة العرش، السياسة الأكثر حدّة في طابعها المذهبي ومناهضتها لإيران في التاريخ السعودي الحديث. المؤسسة الدينية الوهّابية شريكة متحمّسة في هذا المجال، وهذا عنصر جيّد في حسابات السياسة الداخلية للعائلة المالكة.

يعود النفور السعودي من إيران الشيعية إلى ما قبل الثورة الإسلامية. لم يكن السعوديون يثقون بالشاه وطموحاته الإمبريالية، وتسبّبت الأيديولوجيا المناهِضة للأنظمة الملَكية التي تبنّتها الجمهورية الإسلامية في مزيد من التدهور في علاقاتهم مع بلاد فارس. بيد أن الملك عبدالله وقبله الملك فهد سعيا إلى الحفاظ على درجة من الانفراج في العلاقات مع إيران، حتى في أوج الحرب الإيرانية-العراقية، خشية أن يخرج العداء عن السيطرة. حتى إن عبدالله عيّن ديبلوماسياً سعودياً شيعياً سفيراً لبلاده في طهران، وهي المرة الأولى والوحيدة التي يتسلّم فيها شيعيٌّ منصب سفير للمملكة العربية السعودية. أما الملك سلمان فأقدم على قطع العلاقات كلياً مع إيران بعدما أسفر إعدام إمام شيعي سعودي عن اندلاع تظاهرات ضد السفارة السعودية في طهران.

لقد أثار نجاح إيران في اكتساب نفوذ في العراق وسوريا ولبنان، قلقاً عميقاً لدى المملكة. وكانت الخشية من ظهور نظامٍ مقرّب من إيران بقيادة الحوثيين الشيعة الزيديين الدافع وراء التدخّل السعودي في اليمن قبل ثلاث سنوات. الحرب الدائرة هناك هي بمثابة نزاع بالوكالة بين الرياض وطهران، وهذه الحرب العالقة في مأزق تُكلّف السعوديين المليارات شهرياً في حين أن الكلفة تكاد تكون معدومة بالنسبة إلى طهران. هناك الآن أكثر من مليون لاجئ يمني في السعودية، بحسب وزير الخارجية السعودي، ما يزيد من تكاليف النزاع. لقد نجح الانفصاليون في الجنوب في طرد الحكومة الموالية للسعودية من عدن، ويُلقي العالم بصورة متزايدة باللائمة على السعودية محمّلاً إياها مسؤولية الكارثة الإنسانية في البلاد. نتيجةً لذلك، أدخل السعوديون تعديلاً طفيفاً هذا العام على الحصار الذي يفرضونه على اليمن.

لكن النزاع يلقى استحساناً في أوساط الأئمة السعوديين الذين لطالما سعوا إلى تعزيز المجموعات السنّية السلفية في اليمن. في محافظة المهرة جنوب شرق اليمن، أنشأ السعوديون مركزاً إرسالياً سلفياً لنشر الوهّابية، في خطوةٍ أثارت حفيظة العُمانيين في الدولة المجاورة. يواظب كبار الأئمة في مكة على الإشادة بالملك لمحاربته الزيديين. الأمير محمد هو واجهة الحرب بصفته وزير الدفاع.

يعود العداء الوهّابي للشيعة إلى محمد بن عبد الوهاب ومطلع القرن الثامن عشر. إحدى الركائز الأساسية في الدعوة الوهّابية تصوير الشيعة بالكافرين والمشرِكين. يستخدم الأمير محمد عبارات مقذعة لتوجيه انتقادات لاذعة إلى القيادة الإيرانية، ما يلقى أصداء قوية لدى النواة الوهّابية. وفيما يعتمد سلمان نهجاً أشد عدوانية من نهج عبدالله في قمع المعارضين الشيعة في المنطقة الشرقية في المملكة، يشجّع أيضاً على تبنّي مسارٍ حازم في البحرين المجاورة.

أما المحاولة السعودية لإحداث خضّة في السياسة اللبنانية عبر إرغام رئيس الوزراء سعد الحريري على تقديم استقالته أثناء زيارته الرياض، فقد استهدفت، من جملة ما استهدفت، إيران و"حزب الله"، الذي يُقيم روابط مع الحوثيين منذ وقت طويل. باءت المحاولة بالفشل، لكن السعوديين لن يستسلموا.

بالطبع، للخلاف مع قطر بعدٌ إيراني أيضاً، والمؤسسة الوهّابية تضغط بحماسة من أجل تغيير النظام في الدوحة. في مستهل الأزمة العام الماضي، أصدر المتحدّرون من محمد بن عبد الوهاب رسالة مشتركة اتّهموا فيها الأمير تميم بن حمد آل ثاني بالتجديف لزعمه أنه من سلالة عبد الوهاب، وطردوه فعلياً من الدين. كذلك طالبت الرسالة المفتوحة الموجَّهة من أسرة آل الشيخ، المتحدّرين من عبد الوهاب وشركاء آل سعود في حكم المملكة، بتغيير اسم المسجد الأساسي في الدوحة بحيث لا يعود يحمل اسم عبد الوهاب. المفارقة هي أن هذا الخلاف لم يؤدِّ سوى إلى دفع قطر نحو التقرّب أكثر من إيران.

يمنح اتّباع جدول أعمال ذي طابع مذهبي شديد في الداخل والخارج، الملك وولي العهد دعماً من الأئمة على الرغم من التأييد الذي عبّر عنه وزير الدفاع جهاراً للإسلام "المعتدل" والإصلاحات على غرار السماح للنساء بالقيادة. إنها وسيلة لإرضاء المؤسسة الوهابية التقليدية وآل الشيخ وطمأنتهم إلى أن مصالحهم الأساسية بأمان.

غير أن الخصومة والحروب التي تُشَنّ بالوكالة محفوفة بالمخاطر، وهذا ينطبق في شكل خاص على النزاع في اليمن. يواصل الحوثيون إطلاق صواريخ باليستية على المدن السعودية. سُجِّل عدد قليل من الإصابات حتى تاريخه، إنما الخطر قائمٌ دائماً بأن يتسبّب صاروخ ما بأضرار واسعة وسقوط عدد كبير من الضحايا في الرياض أو مدينة خليجية أخرى، ما يقود حكماً إلى الانتقام من إيران، نظراً إلى أن السعوديين يلقون عليها باللائمة، عن صواب، على خلفية المساعدة التي تقدّمها للحوثيين لبناء برنامجهم الصاروخي. يمكن أن يتسبّب صاروخ يطلقه الحوثيون وينجح في بلوغ هدفه، بوقوع كارثة كبيرة.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق