بقلم آرش کرمی
تواصل ابنة الرّئيس السّابق أكبر هاشمي رفسنجاني طرح الشكوك حول وفاة والدها، لكنّ الدّافع وراء ذلك قد يكون سياسيًا بقدر ما هو متعلّق بإيجاد الحقيقة.
يبدو أنّ سبب وفاة آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني منذ عام أمر يصعب شرحه بقدر ما يصعب شرح مسيرته السّياسيّة الضّخمة. يوم 7 كانون الثاني/يناير، قال ياسر هاشمي، أحد أبناء رفسنجاني، إنّ الرّئيس حسن روحاني رفض ما توصّل إليه المجلس الأعلى للأمن القومي بشأن قضيّة موت رفسنجاني وطلب من المجلس إعادة فتح التّحقيق.
لكنّ هذا المطلب ليس بجديد. ففي 16 كانون الأوّل/ديسمبر، قالت إحدى بنات رفسنجاني، فائزة هاشمي، لإحدى الصّحف الإيرانيّة إنّ المجلس أخبرها بأنّ جثّة رفسنجاني كانت تحوي 10 أضعاف الإشعاعات المسموح بها. وقال أيضًا محمد هاشمي شقيق رفسنجاني في اليوم عينه إنّ أحدًا لم يشرح بعد كيف أصيب شقيقه بنوبة قلبيّة. وكرّر تصريحاته هذه في 7 كانون الثاني/يناير قائلاً إنّ غياب الإجابات يودي إلى شكوك بشأن موت رفسنجاني. تصدّرت هذه التصريحات كلّها العناوين في وسائل الإعلام الإيرانيّة وأدّت مرّة جديدة إلى تكهّنات بشأن النهاية المفاجئة لإحدى الشخصيّات السّياسيّة الأكثر نفوذًا في إيران الحديثة.
فموت الشّخصيّات السّياسيّة المفاجئ الذي لا يمكن تفسيره ليس أمرًا غريبًا في إيران. توفّي علي شريعتي، أحد أشهر المثقّفين والثوريّين في إيران، في العام 1977 عن عمر يناهز 43 عامًا أثناء وجوده في المنفى بالمملكة المتّحدة. وكذلك توفّي ابنا آية الله روح الله الخميني بشكل مفاجئ: مصطفى أثناء وجوده في المنفى بالنجف في العام 1977 وأحمد في العام 1995، بعد ستّ سنوات على موت والده. توفيّت أيضًا بشكل مفاجئ شخصيّات أقلّ شهرة متورّطة في فضائح سياسيّة، كطبيب كان قد أدلى بشهادته حول التعذيب الممارس في أحد سجون إيران الشهيرة فتوفّي أيضًا بشكل غامض في العام 2009، مع أنّ المسؤولين يؤكّدون انتحاره.
إلا أنّ موت رفسنجاني يكتسب ربّما أهميّة أكبر من أهميّة كلّ الحالات المذكورة أعلاه. على الرّغم من خسارته في عدد من الانتخابات بعد تولّيه رئاسة البلاد لولايتين متتاليتين في تسعينيّات القرن الماضي، شهد رفسنجاني ارتفاعًا في شعبيّته في العقد الماضي؛ فتأييده للاتّفاق النّووي الإيراني، وتحسّن علاقاته بالغرب وعداوته مع المتشدّدين في البلاد أكسبته سمعة كرجل دولة كبير حكيم يعبّر عن آراء الإيرانيّين أصحاب الفكر الأكثر تحرّرًا الذين يسعون إلى وضع حدّ لعزلة البلاد. ومع دعمه لروحاني في العام 2013، أثبت رفسنجاني أنّه ما زال يتمتّع بنفوذ عام كافٍ، إلى جانب الرّئيس السّابق محمد خاتمي، للتأثير في الانتخابات الرّئاسيّة.
في حين يخضع الإعلام الإيراني داخل البلاد لقيود لجهة إطلاق التكهّنات بشأن موت رفسنجاني، لا ينطبق ذلك على وسائل الإعلام في الخارج. وفي مقابلة يوم 17 كانون الأوّل/ديسمبر مع راديو فردا المموّل من الحكومة الأميركيّة، لخّص مجتبى وحيدي، المحرّر الإصلاحي السّابق ومستشار المرشّح الإصلاحي لانتخابات العام 2009 الرّئاسيّة مهدي كروبي، بعضًا من النظريّات المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانيّة.
قال وحيدي إنّه لم يتمّ أبدًا عرض أيّ زيارات لرفسنجاني في المستشفى في حين تُنشَر عادة صور مماثلة للمسؤولين. بالإضافة إلى ذلك، إنّ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي أقام صلاة الجنازة على رفسنجاني، لم يقرأ عبارة محدّدة معتمدة أثناء الصّلاة، وهي "إنا لا نعلم منه إلا خيرًا"، وهي غالبًا ما تقرأ في صلاة الجنازة مع أنّها ليست إلزاميّة. وأضاف وحيدي بقوله إنّ الخامنئي ردّد هذه العبارة ثلاث مرّات في جنازة آية الله عباس واعظ طبسي، الذي ترأس مؤسّسة "أستان قدس رضوي" في مسقط رأس الخامنئي بمشهد.
وأفاد وحيدي بقوله أيضًا إنّ الرّئيس السابق رفسنجاني الذي توفّي عن عمر الثانية والثمانين كان يبدو أكثر المسؤولين البارزين صحّة في إيران. وهذا أمر صرّحت به أيضًا ابنة رفسنجاني فاطمة هاشمي التي أكّدت في وقت سابق إنّه كان "أقوى" من أيّ من أولاده الخمسة. وقالت أيضًا إنّه قبل وفاته بأسبوع، خضع لفحص على يد طبيب إيراني مقيم في الولايات المتّحدة وخلصت النتيجة إلى أنّه يتمتّع بصحّة جيّدة. أمّا الأكثر إثارة للقلق هو ما أفادت به فاطمة هاشمي حول إفراغ خزنة والدها في مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي كان يرأسه وقت وفاته، وذلك قبل أن يتسنّى للعائلة الوصول إليها، ولم يتمّ العثور على أيّ وصيّة تابعة لرفسنجاني. ويُعتقَد أنّ الخزنة كانت تحتوي على وثائق مهمّة تخصّ والدها.
أشار وحيدي إلى أنّ موت رفسنجاني، فضلاً عن المناورات السّياسيّة المتواصلة في إيران، بخاصّة تلك التي ينفّذها الرّئيس السّابق محمود أحمدي نجاد الذي تقوم نزاعات علنيّة بينه وبين القضاء الإيراني، تشير إلى احتمال حدوث تغييرات كبرى قريبًا في إيران، وإلى أنّ التيارات المختلفة تتّخذ مواقعها كي تكون هي المسيطرة في المعارك القادمة. وقد جرى الإدلاء بهذه التصريحات قبل انطلاق الاحتجاجات الأخيرة في مشهد في أواخر الشّهر الماضي وامتدادها سريعًا إلى كافة أنحاء البلاد.
وقال وحيدي إنّه يعتقد أنّ التّغيير المقبل له علاقة بالقيادة، مشيرًا إلى أنّ الخامنئي ربّما يكون مريضًا. ولو بقي رفسنجاني على قيد الحياة، كان ليؤدّي دورًا هامًا في اختيار المرشد الأعلى المقبل في إيران نظرًا إلى عضويّة الرّئيس السّابق في مجلس خبراء القيادة ودوره في تأسيس مسيرة عدد كبير من المسؤولين من المستويات المتوسّطة في النظام البيروقراطي المتمدّد بالجمهوريّة الإسلاميّة.
إلا أنّ الشائعات حول تدهور صحّة الخامنئي تسري في وسائل الإعلام الأجنبيّة منذ أكثر من عقد من الزّمن وهي شكّلت موضوعًا مفضّلاً للتكهّنات لدى مراقبي إيران. لكن نظرًا إلى الطّبيعة الحسّاسة لهذه المزاعم، الأرجح ألا نحصل أبدًا على جواب واضح.
غالبًا ما تكون أبسط الإجابات هي أفضلها: من السّهل جدًا أن يكون رفسنجاني قد توفي ببساطة من جراء نوبة قلبيّة.
يتركنا هذا أمام سؤال هو كيف ستستمرّ أسرة رفسنجاني بالتفاعل. من الممكن أن تواصل فائزة هاشمي طرح التساؤلات حول موت والدها وتستعمل التّحقيق في هذه القضيّة كوسيلة ضدّ المتشدّدين في البلاد كلّما حاولوا الضّغط عليها وعلى أسرتها.
وتجدر الإشارة إلى أنّه من بين كلّ أبناء رفسنجاني، فائزة هاشمي هي صاحبة الطّموح السّياسي الأكبر، وهي تجاوزت حدود الخطاب السّياسي الذي ترتاح إليه المؤسّسات المحافظة وغير المنتخبة. أمضت فائزة هاشمي ستّة أشهر في السّجن على خلفيّة تأييدها للاحتجاجات التي تلت الانتخابات الرّئاسيّة في العام 2009، وأعربت عن دعمها للبهائيّين في إيران والتقطت صورًا معهم، وهي خطوة أثارت حتّى استياء والدها. عبّرت عن معارضتها للحجاب الإلزامي وانتقدت القوانين التي تمنع النساء من دخول المدرّجات. ومع آخر تصريحاتها في موضوع والدها، ربّما تشير إلى أنّه على الرّغم من غياب والدها، قد تسعى إلى مواصلة مسيرتها واستعمال قضيّة موت والدها كوسيلة صَدّ كلّما حاول المتشدّدون في البلاد الضّغط على أسرتها. اعتدنا رؤية هذا النوع من فنّ الفوز بالخداع في السّياسات المحليّة بإيران، وفي مثل هذه المناورات السّياسيّة، حظيت فائزة هاشمي بأستاذ بارع.
اضف تعليق