حمدي ملك
كشف بيان صادر عن حكومة إقليم كردستان في ٧ أيّار/مايو عن جهود فريق إستشاري يتشكّل من خبراء تابعين إلى وزارات الدفاع في الولايات المتّحدة وبريطانيا وألمانيا فيما يخصّ "إعادة تشكيل القوّات العسكريّة التابعة لوزارة البيشمركة" بهدف "بناء وتشكيل قوّة عسكريّة متكاملة مهنيّة للبيشمركة".
وكان قد أعلن رئيس أركان قوات البيشمركة الفريق جمال إيمينكي في ٢٩ نيسان/أبريل عن مساعي وزارة البيشمركة لإعادة النظر في هيكليّة الوزارة. وأوضح أنّ المرحلة الأولى للعمليّة ستكون بإعادة تنظيم لوائين بمساعدة من الولايات المتّحدة الامريكيّة. ومن جهة أخرى، أعلنت وكالة التعاون الدفاعيّ الأمنيّ وهي دائرة تابعة الى وزارة الدفاع الأمريكيّة في ١٩ نيسان/أبريل عن موافقة الولايات المتّحدة على بيع أسلحة ومعدّات عسكريّة بمبلغ يتجاوز ٢٩٥ مليون دولار أمريكيّ لتجهيز لوائين من قوّات المشاة في البيشمركة، فضلاً عن كتيبتي إسناد المدفعيّ.
وتدفع الولايات المتّحدة قيمة هذه الشحنات بحسب ممثّلة إقليم كردستان في الولايات المتّحدة بيان سامي عبد الرحمن. وتأتي هذه الصفقة في إطار "المساعدات الأمريكيّة المستمرّة للقوّات الكرديّة"، كما صرّح بذلك أمين عام وزارة البيشمركة جبّار ياور في ٢٠ من نيسان/أبريل. وأشار ياور في تصريح آخر في ١٩ نيسان/أبريل "الى أنّ واشنطن فعلت الأمر نفسه مع لوائين من البيشمركة في وقت سابق، حيث تكفّلت بتدريبهم وتسليحهم وتقديم كلّ ما يلزم". واكملت الولايات المتّحدة تدريب ١٨ ألف عنصر من البيشمركة وهي توفّر مستلزمات كثيرة كالمؤن الغذائيّة والمحروقات ل٢٦ الف عنصر من هذه القوّات، كما تدعم توفير رواتب ٣٦ الف عنصر من البيشمركة.
وغيّرت الحرب الدائرة مع تنظيم داعش طبيعة العلاقات بين البيشمركة والجيش الامريكيّ، كما صرّح قائد قوات التحالف الدولي ضدّ تنظيم "داعش" الجنرال ستيفن تاونسند في ٢٨ مارس/آذار. ووقّعت حكومتا إقليم كردستان العراق والولايات المتّحدة في تموز/يوليو من عام ٢٠١٦ ولأوّل مرّة، مذكّرة تفاهم في مجال التعاون العسكريّ.
ولا يقتصر الدعم الأمريكيّ لقوات البيشمركة على الجهات الحكوميّة، بل هناك جهات تشريعيّة في الولايات المتّحدة تسند مشاريع الإقليم المتعلّقة بالحصول على أكثر قدر ممكن من الإستقلاليّة عن بغداد. وفي هذا الإتجاه عبّر السيناتور الأمريكيّ ماركو روبيو في ٢٦ نيسان/أبريل عن قلقه حول مسألة تسليح قوّات البيشمركة عن طريق الحكومة العراقيّة وقال: "لقد أثبت الكرد أنّهم حلفاء أساسيّون لنا في الحرب ضد داعش... الكثير هنا (ومن ضمهنم) أنا منفتحون على فكرة الإسناد المباشر".
ولكنّ لم تغيّر الحكومة في واشنطن من سياستها حيال تسليح البيشمركة حتّى الآن وهي مصرّة على أن يتمّ إرسال السلاح الى إقليم كردستان عن طريق الحكومة المركزيّة في بغداد. وشدّدت وزارة الخارجية الأمريكيّة في٢٠ نيسان/أبريل على أنّ: "الحكومة المركزيّة العراقيّة هي الجهة الوحيدة المخوّلة بشراء الأسلحة من الولايات المتّحدة". وأنّ أمريكا "تبيع الأسلحة والمعدّات العسكريّة الى الحكومة المركزيّة العراقيّة ومن خلالها".
ومنذ سنوات طويلة تحاول سلطات الإقليم جاهدة الحصول على مساعدات عسكريّة من دون أخذ موافقة بغداد. فعلى سبيل المثال تستفيد كردستان من خدمات شركات لوبي كبرى من أجل التأثير على سياسات واشنطن في هذا الإتجاه.
وأفضت هذه الجهود علاوة على خوف بعض الجهات في الكونغرس الأمريكيّ من سيطرة إيران على الحكومة المركزيّة في نيسان/أبريل من عام ٢٠١٥ الى محاولة تشريع قانون يلزم الحكومة الأمريكيّة إرسال المساعدات الى البيشمركة دون الرجوع الى بغداد. وتعامل مقترح القانون هذا مع كردستان على أساس أنّها دولة. ولكنّ في نهاية الأمر لم يحظ هذا المقترح على الدعم المطلوب ليصبح قانوناً.
وقد شاركت القوّات الخاصّة في الجيش الأمريكي مع قوات كرديّة في عمليّات نوعيّة من دون أخذ الإذن من بغداد. غير أنّ الحكومة العراقيّة نجحت في تحديد العلاقة المباشرة بين القوّتين. ويقول الخبير الأمنيّ البارز والزميل في معهد واشنطن مايكل نايتس في تصريح ل"المونيتور": "بعد عمليّة انزال حويجة السيئة الصيت في عام ٢٠١٥ والتي قتل فيها جنديّ أمريكيّ، إعترضت الحكومة العراقيّة بقوّة على عدم علمها المسبق في العمليّة. وفرضت بغداد شرطاً على ألّا تحصل هكذا عمليّات إلاّ بعد أخذ إذنها، وهذا هو الذي يحصل الآن".
ومن الواضح أنّ واشنطن ترى في الحكومة المركزيّة العراقيّة بقيادة العبادي حليفاً إستراتيجياً في حربها ضد داعش. ولا تستطيع أمريكا الإستغناء عن الحكومة المركزيّة في بغداد في ظلّ سياستها المبنيّة على الإتّكاء على الحلفاء المحليين في الحرب ضد "داعش"، بدل الدخول المباشر في الحرب مع هذه المنظّمة.
كما أنّ الولايات المتّحدة لا ترغب في تضعيف العبادي، خوفاً من سيطرة جهات مقرّبة الى إيران على الحكومة المركزيّة. وهذا يشكّل عائقاً أمام تطوير العلاقات المباشرة مابين قوّات البيشمركة والجيش الأمريكيّ، رغم أن هذه القوّات تعدّ من أهمّ حلفاء أمريكا في المنطقة.
ويقول مايكل نايتس الذي يقدّم المشورة للجيش الأمريكيّ أنّ: "ألوية البيشمركة الجديدة المجهّزة من قبل الولايات المتّحدة، هي قوّات مشاة خفيفة قادرة على محاربة "داعش"، لكنّها تفتقر إلى المعدّات الثقيلة لمحاربة جيش حديث مثل الجيش العراقيّ. وأنّ عدم وجود دبّابات أو أسلحة مضادّة للطائرات يدلّ على محاولة الولايات المتّحدة بناء قوة تكمّل الجيش العراقي، لكنّها لا تستطيع القيام بعمليّات هجوميّة كبيرة بشكل مستقلّ". ويؤكّد بيان وكالة التعاون الدفاعيّ الأمنيّ الأخير على أنّ بيع هذه الأسلحة والمعدّات "سوف لن يغيّر من موازين القوى العسكريّة في المنطقة".
ولايبدو للولايات المتّحدة الرغبة في بناء جيش رديف للجيش العراقيّ في إقليم كردستان في هذه المرحلة، ولكن هي تحاول بناء قوّات منظّمة للإقليم تكون حليفة لها، ويمكن تطويرها إلى جيش حديث بسهولة أكبر إذا قرّرت واشنطن ذلك في المراحل المقبلة.
اضف تعليق