علي المعموري
في تصريح مثير للجدل، قال رئيس هيئة الأركان العامّة للقوّات المسلّحة الإيرانيّة اللواء محمّد باقري في ذكرى تأسيس الحرس الثوريّ الإيرانيّ بـ23 نيسان/إبريل الحاليّ: "إنّ الحرس الثوريّ بمواكبة المقاومة الإسلاميّة في سوريا والعراق أصبح درعاً أمنيّة للشعب الإيرانيّ".
لقد أصبح الحضور العسكريّ الإيرانيّ منتشراً في المنطقة من العراق وسوريا ولبنان إلى اليمن بفضل الفصائل العسكريّة المحليّة المرتبطة بالنظام الإيرانيّ. وأدّى ذلك إلى انقسام مجتمعيّ بين شعوب تلك المناطق حول ما إذا كان هذا الحضور يصبّ ضمن مصالحها الوطنيّة أم يصبّ في المصالح الوطنيّة الإيرانيّة؟
تقول الدعاية الرسميّة الإيرانيّة إنّ جهود إيران في المنطقة هي لصالح شعوبها، وليست هناك مطامع لبسط النفوذ الإيرانيّ خارج حدود البلد، ولكن تظهر بين الحين والآخر تصريحات من مسؤولين إيرانيّين تكشف عن النوايا المختبئة تحت الدعاية الرسميّة الآنفة الذكر.
ففي لقاء جرى بين رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي والسفير الإيرانيّ الجديد لدى بغداد ايرج مسجدي في 24 نيسان/إبريل الحاليّ، عبّر الأخير عن "دعم بلاده للحكومة العراقيّة، وكذلك دعمها لقوّة الدولة العراقيّة"، الأمر الذي يعني أنّ دور ايران هو دور الداعم فقط من دون وجود نوايا مرتبطة بالمصالح القوميّة الإيرانيّة.
ويعارض ذلك ما يعتقده محمّد باقري أنّ "الحرس الثوريّ (الإيرانيّ) تمكّن من جعل قوّة الردع والقدرات الدفاعيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تتجاوز حدود إيران الجغرافيّة". ويظهر ذلك بوضوح أنّ لإيران أجندات قوميّة في حضورها الإقليميّ وأنّ ما تقوم به يصبّ في بسط نفوذها خارج حدودها الجغرافيّة. وتبرّر إيران ذلك بأنّ القوى الإمبرياليّة تعادي المنطقة الإسلاميّة برمّتها، وإيران هي مركز هذه المنطقة لأنّ الإسلام أكثر بروزاً فيها، ومن الطبيعيّ فتح صفحات قتال خارج الحدود الجغرافيّة الإيرانيّة للحفاظ على المصالح الايرانيّة، التي هي مصالح إسلاميّة، بحسب اعتقاد مرشد الثورة الإسلاميّة في إيران السيّد علي الخامنئي، الذي قال أيضاً في 25 نيسان/إبريل الحاليّ لدى استقباله كبار المسؤولين الإيرانيّين وسفراء الدول الإسلاميّة: "إنّ تأسيس المجموعات الإرهابيّة باسم الإسلام وبثّ الفتنة والتفرقة بين البلدان الإسلاميّة، لا سيّما في العراق وسوريا والبحرين واليمن، كلّ ذلك يعتبر من المؤامرات الظالمة لأميركا والكيان الصهيونيّ الخبيث لمحاربة الإسلام، لكنّ الظالمين في هذا العالم يعادون الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة أكثر من أيّ بلد آخر لأنّ الإسلام في إيران أكثر بروزاً (من غيره من البلدان الإسلاميّة الأخرى)".
تكمن في هذا الخطاب نظرة متعالية إيرانيّة تجاه شعوب المنطقة، فهناك أولويّة دائماً لإيران على غيرها من الدول الإسلاميّة، وذلك لأنّ الإسلام فيها أكثر ظهوراً من غيرها من البلدان الإسلاميّة. وقد يعبّر الخطاب الرسميّ الإيرانيّ عن ذلك تحت عنوان "أنّ إيران هي أمّ القرى في العالم الإسلاميّ". وقد اعتبر مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة آية الله الخميني، العالم الإسلاميّ أمّة واحدة غير متجزّئة، وأنّ إيران هي أمّ القرى أيّ مركزها وأساسها. ويعني ذلك أنّه، كما كانت مكّة مصدر الإسلام سابقاً، فإنّ إيران الآن هي مركز ومنبعث الإسلام الأصيل، كما كان يعبّر عنه الخميني بالإسلام المحمديّ الأصيل، مقارنة بالإسلام الآخر المتمثل بالبلاد الإسلاميّة الأخرى مثل السعوديّة، والذي يعتبره النظام الإيرانيّ إسلاماً أميركيّاً فاسداً ومنحرفاً.
وتبرز بوضوح نظرة إمبرياليّة في هذا الخطاب، الذي لا يعترف بالحدود الجغرافيّة، ويعطي لنفسه الحقّ ببسط هيمنته على سائر البلاد الإسلاميّة، في حجة أنّ للمركز أهميّة أكثر من سائر المناطق، والتي لا بدّ من استخدامها لصالح تقوية المركز. وقد قام النظام الإيرانيّ بتطبيق هذه الفكرة بشكل مستمرّ في تعامله مع القوى السياسيّة والفصائل العسكريّة التابعة له في المنطقة.
وكانت آخر نماذج ذلك، صفقة إطلاق سراح الصيّادين القطريّين، الذين تمّ اختطافهم وإطلاق سراحهم على الأراضي العراقيّة، ولكن بإشراف إيرانيّ وفي مقابل إطلاق سراح أسرى إيرانيّين وعناصر من "حزب الله" اللبنانيّ لدى المعارضة السوريّة. وأعلن رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي جهله بالمصدر المختطف وانتقد عمله بشكل صريح، معتبراً أنّ ذلك هو "تجاوز لكلّ العراقيّين"، بل "جريمة وإساءة لكلّ العراقيّين لأنّهم كانوا ضيوفاً في العراق ويتحرّكون فوق أراضيه بسمات دخول رسميّة صادرة عن وزارة الداخليّة العراقيّة".
ولقد أثارت قضيّة الصيّادين القطريّين جدلاً واسعاً في العراق والمنطقة العربيّة، حيث اعتبر الحدث خرقاً واضحاً للسيادة العراقيّة. وغرّد وزير الماليّة العراقيّ السابق هوشيار زيباري قائلاً: "إطلاق سراح الصيّادين القطريّين في العراق بعد 16 شهراً من الأسر من قبل جماعة مسلّحة موالية لإيران وحزب الله الشيعيّ يعدّ هزيمة لسيادة العراق".
واعتبر وزير الخارجيّة إبراهيم الجعفريّ الحادثة "إهانة للعراق". وغرّد ناشطون عرب فقالوا: "بعد عودة المخطوفين القطريّين، نطالب بطرد السفير العراقيّ من قطر والاكتفاء بوجود السفير الإيرانيّ الذي يدير شؤون العراق".
وقد سبق أن استخدمت إيران نفوذها لدى الفصائل الشيعيّة في المنطقة لصالح منافعها القوميّة. ففي عام 2006، حين كانت إيران معرّضة لتهديدات صريحة من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة بالهجوم عليها وإطاحة نظامها إثر الخلافات حول نشاطها النوويّ، استخدمت إيران نفوذها لدى "حزب الله" اللبنانيّ للقيام باختطاف جنديّين إسرائيليّين الأمر الذي فتح حرباً مع إسرائيل، وذلك لإلهاء المعسكر الأميركيّ عن التمركز في إيران. كما استمرّت في تقديم الدعم العسكريّ وغيره إلى فصائل المقاومة الشيعيّة والسنيّة في العراق خلال فترة حضور قوّات التحالف بقيادة الولايات المتّحدة لإلهائها عن خططها المستقبليّة بشنّ حرب على إيران، التي كان يعدّها الرئيس الأميركيّ جورج دبليو بوش آنذاك ضمن محور الشرّ.
وأخيراً، تبقى المناطق الرخوة في المنطقة مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن رهان التنافس الإقليميّ على النفوذ فيها، ما دامت لم ترتسم فيها سياسة وطنيّة قويّة نابعة من الداخل، لا تسمح للقوى الإقليميّة ببسط نفوذها فيها.
اضف تعليق