لطالما كانت تقودهم أفكار نحو تحقيق صرح أحلامهم في بلدهم فلم يجدوا ما يبحثون عنه، فسعوا الى وطن جديد لينتموا اليه لعلهم ينالوا به مبتغاهم، لكن هل وجدوا ضالتهم المنشودة؟ وهل احتفظوا بمبادئهم التي غرست بداخلهم نفسها؟ ام جلتها سنوات الاغتراب، ليلتحقوا بركب غيرهم في الاعراف والتقاليد حتى يتعايشوا معهم ويواصلوا حياتهم . مغتربون عاشوا في غياهب البعد منهم من ينتظر امل العودة ومنهم من واصل، حياته وتبقى الغربة ماء قاتلاً يجري في عروق شجيرات المغتربين حتى تنضج في البعد ثمارا من الوجع وهم يكابرون.
مغترب في الامارات
تندلع الأشواق بداخلي حينما اذكر بلدي الذي طويت به اجمل ايام شبابي اول جملة قالها علي كريم مهندس معماري 48 سنة ثم استطرد قائلا : في سنة 1990 اكملت دراستي الجامعية، وقد كانت انذاك فرص العمل ضئيلة، ثم حصلت على عقد عمل في دولة الامارات ومن هنا انطلقت معاناتي بالاغتراب . الا ان للضرورة احكام، كان الاختيار صعباً بين بلدي وان اخدم بلد غيري، عشت سنواتي الاولى في دوامة الشوق التي تدفعني تارة للحنين و البكاء وتارة للصلابة والاستمرار، حققت نجاحاً كبيراً في حياتي من كل الجوانب، واصبح لدي عائلة، وقد تعايشت مع حياتي التي خطها القدر لي على الرغم مني، لكني ما زلت احتفظ بجنسيتي العراقية لانها تذكرني الى انتمائي الحقيقي مهما أخذتني سنوات البعد .الى انني لست نادما على ما اقدمت عليه منذ 26 عاماً.سأبقى ماكثا في الامارات ولن افكر بالعودة حتى وان تحسنت الاوضاع الامنية بالعراق، ختم حديثه بأنه يحب بلده ويزوره بين سنة واخرى لرؤية الاهل والاصدقاء ويتبرك بزيارة المراقد المقدسة.
مغتربة في تركيا
فيما قالت مريم الشمري 26 سنة / اكدت انها لا تتحمل عبء الاغتراب مما تحمله من اشواق كامنة لأصدقائها، وتتوق شوقا لزيارة قبر والدها، وقد سعت اسرتها الى السفر بغية الحصول على الإقامة في تركيا، حتى يتمكنوا من السفر في المستقبل، واضافت ان الثمرة الوحيدة التي جنتها بهذه المغامرة كما اسمتها، انها أسقطت أقنعة الأصدقاء الكاذبين عن وجوههم وتعلمت القسوة والصبر وكيفية انتقاء الأفضل من الأشخاص الذين تتعامل معهم، كونها واجهة مجتمع اخر غير مجتمعها، اكدت بأنها تعد الايام للعودة ولا تطيق صبرا بعد، كونها تحب وطنها الحبيب مهما جارت عليه المصائب وسيبقى بنظرها اجمل من كل بقاع العالم.
مغترب في امريكا
من جهته قال حيدر ناجح مهندس كهرباء 38 سنة / يبقى الصراع بين العيش في الغربة والرجوع الى الوطن يحتد كلما عصفت بداخلنا ريح الحنين كثيرا ما كنت اهلل بالسفر والرحيل الى اقصى العالم للمتعة او حتى العمل، وحينما التقيت بصديقي عائدا من سفره وجدته راكعا في المطار يقبل الارض ويلثمها، فضحكت ساخرا لما فعله، وحينما عزمت على السفر لم اكترث لأمي التي ذرفت دموعا وانا احزم حقائبي وبمجرد ما أقلعت الطائرة وغاصت في الغيوم أحسست بلوعة الاغتراب للوهلة الأولى، ورحت اعد الأيام حتى انهي البعثة الدراسية، وبعد سنوات الغربة عدت وانا محمل بالأشواق والذكريات لوطني ولكل من فيه، عدت لست راكعا على أرضه بل أريد ان امضغ ترابه، ادركت وقتها ما هو الاغتراب الحقيقي وما هو الوطن، ختم حديثه مؤكدا سأحيا واموت على ارض وطني ولن افكر بتركه مهما كان الثمن.
مغترب في المانيا
جعفر النصراوي اعلامي 50 سنة استهل كلامه جميل ان أفيض بمشاعري كمغترب عراقي يشده الحنين الى وطنه والى مدينته الأغلى كربلاء حيث مهد الطفولة والصبا والشباب وما أجمله من مهد قل نظيره .ويقول: في بداية اغترابي من العام الاول تنقلت بين عدة دول منها فرنسا السويد الدنمارك النرويج هولندا، كانت فيها معاناة كبيرة جدا اذ تكون مضطرا للعيش في أصعب الظروف وأقساها وتجبر نفسك على التحمل والاستمرار اذ لا سبيل للعودة، واخيرا استقريت في هامبورغ الالمانية، واضاف النصراوي الى انه لا يرى ان الاغتراب بحد ذاته هو قرار اضطراري، فهو اختياري لمعظم المغتربين نتيجة عوامل الضغط على الانسان ومنها السياسية، والاقتصادية او بحثه الدائم عن فرصة عمل افضل بعد عجزه عن الوصول اليها في العراق نتيجة التذبذب وعدم الاستقرار الذي يعيشه البلد، وعن تجربتي الشخصية القصيرة اعترف ان هناك ايجابيات وسلبيات، استطيع القول ان المعاناة النفسية للمغترب قمة من الالم، لانها تتفاعل مع دواخل الانسان الروحية ولا يمكن ان تجد لها علاجاً لانك في كل ايامك تجد نفسك مضطرا لا شعوريا امام المقارنة بين ما تعيش ببلدك، ففي بلد الغربة تجد تطورا وتكاملا في الخدمات.لكنك تفتقد الى المجتمع عموما، والأهل، والأقارب ولطبيعة العلاقات الاجتماعية الجميلة التي كنت تعيشها في وطنك، حيث تشكل أكثر مباعث الامل اذ ان المجتمعات هنا لديهم طبيعة مختلفة اذ تقتصر هذه العلاقات على المناسبات فقط وتكاد تكون جافة ومتكلفة على عكس العلاقات في العراق حيث الطيبة والبساطة والتواصل الدائم بمناسبة وبغير مناسبة .واضاف النصراوي ان شعوري بالعودة اتمناه جداً، لكن هناك تداخل بالافكار، كانسان عاقل لابد من دراسة التفاصيل وتداعيات القرار،كما كان قرار الاغتراب مصيرياً في وقته كذلك العودة، ويضيف اذا اردنا ان نجد مقارنة، تجد انك مجبرا على الاستمرار في اغترابك والتأقلم معه، وتحاول الانغماس اكثر في العمل على تطوير نفسك مهنيا ودراسة طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه باذلاً جهداً اكبر في دراسة اللغة والعادات والتقاليد وذلك كمحاولة للهروب من عذابات الإحساس بالحنين الى الوطن .ويؤكد على ان طموحاتي ما زالت قيد الانتظار بعد، استطيع القول انني وضعت الاسس الصحيحة للانطلاق مجددا في رحاب الاعلام العالمي بعد اكمال منتصف الطريق .لست نادما على قرار اغترابي لاني لم اكن املك خياراً في البقاء بل اجد اني تأخرت كثيرا، وأكثر ما يشغلني هو اقناع أولادي بأن المستقبل هنا لكنهم يرفضون فكرة الاغتراب، واخيرا اقول ان الاهداف والطموحات الكبيرة تحتاج تضحيات لننالها، اتمنى ان يعود العراق معافى سليما مطمئن ليتمكن ابنائه المغتربين تحقيق طموحاتهم والعيش فيه في وقت واحد، وان يكون سفرهم الى خارجه للسياحة فقط لا لأجل البحث عن فرصة اخرى في الحياة. لا تنسوا بلدكم
عبد عون المسعودي استاذ علم النفس ومحاضر دراسات عليا في جامعة كربلاء : من حق الانسان ان يعيش في المكان المناسب له، ومن حقه الاغتراب خارجه وخصوصا اذا كانت هناك اسباب تجبره لذلك، ولكن يبقى هناك رابط وانتماء للوطن وهذا ما يعانيه المغترب كما ان هناك حق للوطن على المواطن بالدفاع عن أرضه، وعرضه، ودينه، ويضيف الا ان الاغتراب او الهجرة يبقى يتحمل سببها الاكبر سياسة الدولة الفوضوية التي ضاع فيها الحق في زحمة الباطل في بلد ادمن على الموت والحروب والدكتاتورية والاستهانة بكرامة الانسان، وقد يتعرض العراقي لتغيير عاداته وتقاليده و اخلاقه كونها سمات مكتسبة، اود ان اقول انتم احرار ايها المغتربون لكن عليكم ان لا تنسوا بلدكم وتذكرونا ولو بالدعاء .ختم المسعودي حديثه بأنه يحب بلده فهو السند لمن لاسند له، ويبقى يظم ذكرياتنا كجدار الزمن الذي كنا نخربش عليه بعبارات بريئه، حينما نحب ونعشق، فهو الحليب الخارج من ثدي الارض، فحبه مزروع في قلوبنا ولم يصنع ولا يتغير حتى لو تغيرنا فهو باق ونحن زائلون.
اضف تعليق