في ظل تحولات العصر الحديث وتشابك العلاقات الاجتماعية، تبرز العبادة الجماعية كمنصةٍ روحيةٍ واجتماعيةٍ فريدة، لا تقتصر على أداء الشعائر فحسب، بل تمتد لتصبح مدرسةً لبناء الشخصية وتعزيز التماسك المجتمعي. فكيف تُسهم هذه الممارسات في صقل هوية الشباب، وغرس قيم التعاون والمسؤولية الاجتماعية؟ ومن أي مدخلٍ تُعيد صياغة علاقة الفرد بمحيطه؟ ...
إعداد: محمد علي جواد تقي، عزيز ملا هذال، أوس ستار الغانمي

في ظل تحولات العصر الحديث وتشابك العلاقات الاجتماعية، تبرز العبادة الجماعية كمنصةٍ روحيةٍ واجتماعيةٍ فريدة، لا تقتصر على أداء الشعائر فحسب، بل تمتد لتصبح مدرسةً لبناء الشخصية وتعزيز التماسك المجتمعي. فكيف تُسهم هذه الممارسات في صقل هوية الشباب، وغرس قيم التعاون والمسؤولية الاجتماعية؟ ومن أي مدخلٍ تُعيد صياغة علاقة الفرد بمحيطه؟  

من خلال لقاءات مع نخبة من العلماء والأكاديميين والشباب الواعي، نستكشف في هذا التحقيق الدور الاجتماعي للعبادة الجماعية، وكيف تتحول المساجد والمجالس الدينية إلى ورش عملٍ لبناء الذات والمجتمع، خاصة في شهر رمضان الذي يُضفي بُعداً روحياً وإنسانياً فريداً. سماحة الشيخ حسين الأميري يؤكد أن "العبادة الجماعية تربي الشباب على التعاون"، فيما يرى الدكتور حيدر كريم سكر أن رمضان "فرصة ذهبية لتعزيز السلم المجتمعي"، بينما تُجمع آراء المشاركين على أن هذه الممارسات ليست طقساً دينياً فحسب، بل مشروعاً حضارياً لصناعة إنسانٍ متكاملٍ ومجتمعٍ متضامن.

تفعيل صفة التعاون في المجتمع

التقينا بسماحة الشيخ حسين الأميري، وهو عالم دين شاب في مقتبل العمر، له نشاطات متعددة في نشر الثقافة والوعي من خلال إمامته للجماعة وإلقاء الدروس والمحاضرات، تحدث لنا عن أهم الفوائد الاجتماعية للعبادة الجماعية للشباب بأنها "تعلم الشباب على خصلة التعاون مع بقية افراد المجتمع في مختلف المجالات، كما إنها تربي الشاب على المسؤولية الاجتماعية، فعندما يكون انساناً صالحاً، يرى أنه مسؤولاً بأن يعمم هذه الحالة الإيجابية على الآخرين.

تكوين العلاقات الإيمانية 

فكان اللقاء مع الشاب محمد طالب، يواصل تعليمه في الحوزة العلمية في المرحلة الرابعة مع مواصلته دراسته في مرحلة الإعدادية، وهو مؤشر آخر على علو الهمّة للاستزادة من العلم والمعرفة، فتحدث عن تفاعل الشباب في هذا المسجد مع البرامج الرمضانية مثل المحافل القرآنية وقراءة الأدعية الرمضانية من اجل تكوين علاقات إيمانية فيما بينهم تطبيقاً للآية القرآنية:

، والعبادة الجماعية تحفّز الشاب على التوجه الى الله –تعالى- وكل ما يتعلق بالعلاقة معه –تعالى- من خشوع وتقرّب، وهذا التجمع الايماني تجعله يرتبط بالدين والايمان والأخلاق أكثر فأكثر".

رسالة تحفيزية إلى الشباب 

عباس شاكر متحدثاً عن "بضرورة توفير عدة أمور لنجاح العبادة الجماعية بين صفوف الشباب، وأهمها؛ البرامج التي تقيمها رابطة الصديق المؤمن، بإقامة برامج دينية، ومسابقات، ومحاضرات، أما عن فوائد العبادة الجماعية فهي كثيرة أهمها؛ التأكيد على وجود الشريحة المتدينة في المجتمع حتى اليوم، وهي أول رسالة للمجتمع، والامر الثاني: استجابة الدعاء، ففي الحديث الشريف أنه اذا اجتمع أربعون مؤمناً على الدعاء فان الاستجابة تكون مؤكدة –مضمون الحديث- والامر الآخر الذي أؤمن به شخصياً؛ ان هذه البرامج العبادية الجماعية تنقل رسالة إيجابية وتحفيزية الى أولئك الذي لم يتوفقوا من الشباب لحضور هكذا برامج، يكون لديهم الدافع والحافز للحضور بفضل هؤلاء الفتية الحاضرين الآن.

رمضان وتعزيز السلم المجتمعي 

الدكتور حيدر كريم سكر، أستاذ علم النفس في الجامعة المستنصرية: بخصوص الإجابة على سؤالنا الذي طرحناه يجيب بالقول: شهر رمضان يُعتبر فرصةً كبيرةً لتعزيز السلم المجتمعي وتحسين العلاقات الاجتماعية، وذلك من خلال القيم والمبادئ التي يرسّخها في نفوس الأفراد والمجتمعات، والأدوار التي تلعبها القيم الرمضانية هي: تعزيز قيم التسامح والعفو بين الناس مهما كان حجم الخلاف والاخلاف بينهم، كما يشجع رمضان على التسامح والعفو، حيث يتعلم الصائمون التحكم في مشاعر الغضب والانفعالات، مما يساهم في تقليل النزاعات والخلافات داخل المجتمع، ويعزز شهر رمضان من فرص التكافل الاجتماعي بين فئات المجتمع المسلم، اذ يتمثل ذلك في التصدق وإفطار الصائمين ومساعدة المحتاجين.

ليس هذا فحسب بل يعمل الشهر المبارك على تقوية العلاقات الأسرية والاجتماعية، اذ يجتمع الأهل والأصدقاء حول موائد الإفطار، مما يعزز التواصل والترابط بينهم، ومن صور الترابط المجتمعي هو الاجتماع لأجل إقامة الصلوات والعبادات الجماعية التي تُشعر الأفراد بالانتماء إلى مجتمع واحد.

ويعزز صبر الصائم على العاطف والاحساس بالفقراء مما يجعل التعامل معهم أفضل لكون الفرد يضع نفسه مكانهم ويتعامل معهم وفق ما يشتهي ان يعمل معه الاخرين، ويقلل شهر رمضان من الفوارق الاجتماعية، حيث يتساوى الجميع بغض النظر عن المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، مما يعزز الشعور بالمساواة، واخيراً ينمي القيم الروحية الصدق والأمانة والإخلاص، تساهم في بناء مجتمع أكثر استقراراً وسلاماً.

رمضان والروحانية المجتمعية 

يجيب الدكتور حسام صالح الربيعي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة كربلاء بالقول: شهر رمضان يعد من أهم الفترات الزمنية في العالم الإسلامي، حيث تزداد فيه الروحانية والقيم الإنسانية التي تسهم بشكل كبير في تعزيز السلم المجتمعي وتحسين العلاقات الاجتماعية.

فهو يزيد من الترابط الاجتماعي، حيث يحرص المسلمون على التجمع على موائد الإفطار والسحور، ما يعزز الروابط بين الأفراد والعائلات، ومثل هذه اللحظات المشتركة تساهم في زيادة التفاهم والاحترام المتبادل وتقبل الاختلافات والعمل حل المشكلات أكثر من الأشهر الأخرى في السنة.

ويهذب شهر رمضان النفس عبر تدريبها على الضبط والتخلص من العادات السلبية مثل الغضب والنميمة، وهذه الممارسات تعزز التعايش السلمي وتقلل من النزاعات بين الأفراد، مما نلاحظه جلياً في المجتمع من خلال إضفاء جو من الهدوء والسكينة على أنفس المسلمين.

كما يعزز الشهر الفضيل العلاقات الإنسانية ويزيد من ترابط سيما الاقرباء والجيران وغيرهم في المجتمع المحلي عبر الدعوات الى الإفطار والتزاور وغيرها ما يساهم في تقوية العلاقات والتعاون المشترك.

رمضان والصحة النفسية 

أما المرشدة التربوية في تربية محافظة كربلاء المقدسة الأستاذة رنا الخالدي فتقول: يعمل شهر رمضان المبارك على خفض التوتر والقلق والخوف لدى الفرد المسلم والدليل ما نشهده من انخفاض كبير لمستويات الجريمة، حيث تضيف العبادات والأجواء الروحانية هدوء واستقرار نفسي كبير مما يعيد للإنسان التوازن الذي يحتاجه كل فرد للوصول الى مستوى جيد من الصحة النفسية الغائبة او المنخفضة لدى الكثير من الناس على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم العلمية والاجتماعية.

رمضان والسمو الإنساني

الأستاذ علي محي، مدرس اللغة الإنجليزية: يشارك الإنسان مع بقية المخلوقات غرائز متعددة، مثل الحاجة إلى الطعام والتملك، لكن في رمضان يسمو الإنسان بإنسانيته، فيرتقي فوق دوافع الطمع وحب الاستحواذ. فالصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة لتطهير النفس من الأنانية وتعزيز قيم الرحمة والتعاطف والتسامح.

هذه القيم تنعكس على سلوك الأفراد، فتقل النزاعات، ويحل التراحم محل التنافس السلبي، مما يعزز السلم المجتمعي. فعندما يجد الفقير من يسانده، ويشعر الغني بمسؤولية تجاه الآخرين، تتلاشى الفوارق الاجتماعية، ويسود التآخي بين الناس.

كما أن ضبط النفس والصبر اللذين يكتسبهما الصائم يساعدانه على التعامل بحكمة مع الآخرين، مما يقلل التوتر ويعمق التفاهم، فينعكس ذلك على استقرار المجتمع وسلامه.

رمضان فرصة للتغيير الروحي والاجتماعي  

مصطفى معاش، طالب علم في حوزة كربلاء المقدسة: إن الإنسان يحتاج إلى فرص لتغيير الروتين اليومي في حياته، فهو يحتاج إلى السفر والاستراحة وما شابه. وقد أتاح الله سبحانه للإنسان هذه الفرصة العظيمة للتغيير نحو الأفضل، فجعل شهر رمضان فرصة لذلك يجب أن يستغلها كل إنسان لتغيير الروتين اليومي في حياته.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته عند دخول شهر رمضان:

(أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِندَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ، وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ). 

أحب أن أنوه إلى نقطتين فقط من هذه الخطبة:

1ـــ نحن مدعوون إلى ضيافة الله سبحانه، وهل يوجد شيء أعلى أو أكبر أو أروع من أن نكون في ضيافة خالق الكون ورب العالمين؟ وفي هذا إشارة كبرى لكل لبيب.

2ـــ جعلنا من أهل الكرامة، وعند ملاحظة الآية الشريفة:

، هذه الكرامة منه سبحانه ليرفع شأننا ويعطينا فرصة كبيرة نحو التغيير إلى الأفضل.

وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إن لكل شيء زكاة وزكاة الأبدان الصيام))، فجعل الصيام تزكية للنفس ورفعها عن الماديات وتلوثات الحياة.

وفي رواية أخرى كذلك عنه صلى الله عليه وآله: ((أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان جوازًا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام)).

فأراد منا تحسين الأخلاق والرقي في التعامل مع الآخرين وخصوصًا في هذا الشهر الكريم.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: ((إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء)).

فلا تجعل أيامك العادية كأيام صيامك التي يجب أن ترتقي بها ويتميز يوم صومك عن غيره.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: ((إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده))، ثم قال: قالت مريم بنت عمران: "إني نذرت للرحمن صوما" يعني صمتًا.

فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا… إلى نهاية الرواية التي هي دروس في الأخلاق وطريقة التعامل مع الآخرين والخروج عن التفكير في الطعام والشراب والماديات، والاهتمام بالقضايا الروحية والأخلاقية.

ثم قال عليه السلام في آخر الرواية: ((… فإذا فعلت ذلك كله فأنت صائم لله بحقيقة صومه، صانع له لما أمرك، وكلما نقصت منها شيئًا فيما بينت لك، فقد نقص من صومك بمقدار ذلك)).

ولعل من أهم أهداف الصيام وشهر رمضان هو الإحساس بجوع الفقير ومساعدة المحتاجين والتواصل مع الأرحام. ففي كل أحكام الصيام توجد نظرة وتوجه نحو الترابط الاجتماعي ونبذ الخلافات والتفرقة ومساعدة الآخرين.

فلو أفطرت عمدًا ستكون غرامتك إطعام 60 مسكينًا، وإذا اضطررت إلى الإفطار تدفع فدية إطعام للفقير، وفي نهاية الشهر تدفع زكاة الفطرة للفقير.

وكل عمل في هذا الشهر يرتبط بالتواصل أو التراحم فهو يرقيك إلى أعلى مراتب الصيامن ويوصلك إلى أهل الكرامة عند الله سبحانه. وهذا هو الهدف السامي للصيام، وهو تقليل الانشغال بالماديات والتركيز على الروحانيات وتقوية العلاقات الإنسانية.

رمضان وتعزيز العلاقات الإنسانية

الشيخ مكي الأسدي: تشير الدراسات الحديثة في علم النفس الإيجابي وعلم الاجتماع إلى أن تقليل التركيز على الماديات وتعزيز الروحانيات، كما يحدث في رمضان، يساهم بشكل كبير في تحسين جودة العلاقات الإنسانية. ويمكن تفسير ذلك من خلال عدة آليات نفسية واجتماعية مثبتة علميًا:

1. تعزيز التعاطف والتواصل العاطفي

 • وفقًا لدراسات علم الأعصاب الاجتماعي، فإن ممارسات التأمل والصلاة (التي تزداد في رمضان) تؤدي إلى تنشيط مناطق في الدماغ مثل القشرة الأمامية الجبهية، مما يعزز التعاطف والقدرة على فهم مشاعر الآخرين.

 • الصيام يرفع من مستوى هرمون الأوكسيتوسين، الذي يُعرف باسم “هرمون الحب”، وهو مرتبط بتعزيز الروابط الاجتماعية والثقة بين الأفراد.

2. تقليل التوتر والصراعات

 • تشير الأبحاث إلى أن الانشغال بالماديات والمقارنات الاجتماعية يزيد من معدلات الكورتيزول (هرمون التوتر)، مما يؤدي إلى توتر العلاقات. بينما في رمضان، يساعد الابتعاد عن الاستهلاك المفرط والتركيز على القيم الروحية في تقليل هذا التوتر وتحسين المزاج العام.

 • دراسة نشرت في Journal of Positive Psychology أظهرت أن الأشخاص الذين يركزون على الامتنان والتأمل الروحي يكونون أقل عرضة للنزاعات وأكثر قدرة على التسامح.

3. تعزيز السلوكيات الإيجابية (الإيثار والعطاء)

 • علميًا، فإن الصيام والعبادات الروحية تحفز المناطق المسؤولة عن السلوك الاجتماعي الإيجابي في الدماغ، مما يزيد من الميل للعطاء والمساعدة.

 • تجربة أجراها باحثون في Harvard Business School وجدت أن الأعمال الخيرية والتعاون تعزز الشعور بالسعادة وتقوي العلاقات الاجتماعية.

4. تحسين جودة الوقت مع العائلة والمجتمع

 • تقليل الانشغال بالماديات (مثل التسوق والاستهلاك الترفيهي) يوفر وقتًا أكبر للعائلة والمجتمع، مما يعزز الترابط الاجتماعي.

 • تشير أبحاث University of California إلى أن تناول وجبات الطعام الجماعية، كما يحدث في الإفطار والسحور، يعزز مشاعر الانتماء والألفة.

طرق عملية لتطبيق ذلك في رمضان:

1. تقليل الاستهلاك والتركيز على البساطة:

 • تجنب الإنفاق الزائد على الطعام والملابس والتركيز على الاحتياجات الأساسية.

 • استبدال الترفيه الاستهلاكي بأنشطة روحية مثل الذكر والتأمل.

2. تعزيز العلاقات الأسرية والاجتماعية:

 • تخصيص وقت يومي للحوار العائلي بعيدًا عن الهواتف والتلفزيون.

 • الاجتماع بانتظام مع الأصدقاء والأقارب على مائدة الإفطار لتعزيز الروابط.

3. ممارسة الامتنان والتفكير الإيجابي:

 • كتابة 3 أشياء يوميًا يشعر الإنسان بالامتنان تجاهها.

 • التأمل في النعم والتركيز على الجوانب الإيجابية للحياة.

4. زيادة الأعمال التطوعية والخيرية:

 • تقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين، مما يعزز الشعور بالترابط المجتمعي.

 • المشاركة في أنشطة جماعية مثل توزيع وجبات الإفطار أو دعم الجمعيات الخيرية.

5. التفرغ للعبادة والتأمل الداخلي:

 • تخصيص وقت يومي للعبادات والتفكر في القيم الروحية بدلاً من الانشغال بالماديات.

 • استخدام تقنية “اليوم الرقمي الصامت” (Digital Detox) لتقليل التشتت الذهني وزيادة الوعي الذاتي.

تقليل الانشغال بالماديات والتركيز على الروحانيات في رمضان يعزز التعاطف، ويقلل التوتر، ويزيد من الإيثار، ويحسن جودة العلاقات الاجتماعية، وهو ما تؤكده الدراسات الحديثة في علم النفس الاجتماعي وعلم الأعصاب. من خلال تطبيق استراتيجيات عملية مثل تقليل الاستهلاك، تعزيز التواصل العائلي، وممارسة الامتنان والأعمال الخيرية، يمكن تحويل رمضان إلى فرصة لإعادة بناء العلاقات الإنسانية بشكل أقوى وأكثر عمقًا.

شهر رمضان هو مدرسة روحية

حيدر عاشور، كاتب: في شهر رمضان، هناك شعور داخلي بأن الله حولك وفيك وبكل جوارحك، مما يخلق بيئة من الحب والعون المتبادل، وهو ما يعزز العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، ومن ثم بين أفراد المجتمع. فتتخلق روح التعاون والمساعدة من خلال التبادل بمونة الإفطار ما بين الجيران أولًا حتى تتسع لتكون موائد إفطار جماعية عامرة. وهذا يعزز الإحساس والشعور بالمسؤولية المشتركة تجاه العوائل المتعففة، فيزيد من شعور الوحدة والتعاون بين المؤمنين، مما يؤدي إلى تقوية الجانب الروحي في شهر رمضان، ويعزز من الروابط المجتمعية.

أيضًا، يتميز شهر رمضان، وبالوجه الخصوص المؤمنين الصائمين، بالتوجه إلى الاهتمام بالعلاقات الشخصية، مثل زيارة الأصدقاء والأقارب، مما يساهم في تعزيز التناغم الاجتماعي. كما أن شهر رمضان يشجع على تبادل الزيارات والتهاني، مما يعزز التواصل الاجتماعي بين الأسرة الواحدة بشكل خاص، وبين المجتمع بشكل عام.

ونذكر أنفسنا كما نذكر من يقرأ كلماتنا المتواضعة، أن لا ننسى بأن شهر رمضان نص عليه القرآن الكريم أن يكون للعبادة والشكر على نعم الله، وهذا يجعل منا جميعًا أن نغتنم الفرصة الذهبية في إرضاء الله سبحانه وتعالى من خلال تعزيز الروابط الأسرية. فشهر رمضان ليس كونه شهرًا للعبادة الفردية، بل هو نقطة ضوء سماوية تجعل العلاقات الاجتماعية متماسكة على مختلف الأصعدة، إذ تكون الأسرة المتجاورة رحيمة فيما بينها من خلال لغة قيم التسامح والتعاون المثمر من أجل خلق نسيج اجتماعي مترابط وقوي.

أجزم وأنا على يقين أن شهر رمضان يخلق من الإنسان قيمًا روحية عميقة تعزز العلاقات الإنسانية. وهذه فرصة عظيمة يمنحها الله في شهر رمضان لتعزيز أعظم القيم في الكون، وهي التسامح والعفو والتخلي عن الخلافات والنزاعات. فأجواء شهر الطاعة والمغفرة ساهمت بشكل كبير في إصلاح العلاقات المتوترة بين الأسرة وساعدت في تعزيز الوحدة بين أفراد المجتمع، وزادت من عمق التواصل الأسري الإيجابي بين الأقرباء في الأسرة الواحدة.

يمكن للمؤمن الملتزم بالقيم الروحية لشهر رمضان أن يخرج منه باكتساب عادات جديدة تقوم على ضرورة الترابط المجتمعي والأسري، حيث يضع تقوية العلاقات الاجتماعية ضمن أولوياته رغم انشغالات الحياة، وذلك يتم عن طريق تفعيل دور المجالس الحسينية في الأحياء السكنية، لدورها في تقوية العلاقات وحل الإشكاليات البسيطة بين أفراد المجتمع، إضافة إلى تلبية الدعوات سواء في الأفراح أو الأحزان، لأنها لها أثرًا كبيرًا في تقوية وتوطيد العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد.

من خلال ما تقلناه به.. مؤمن بأن شهر رمضان هو مدرسة روحية سنوية، يعدها الله سبحانه وتعالى لتقييم خلقه ما بين ناجح وراسب، معادلة لا تقبل القسمة ولا تتقبل الزيادة.

رمضان تجديد الروابط الاجتماعية

ولاء عطشان الموسوي، كاتبة: فيما مضى وقبل دخول الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي كانت العوائل والأفراد تجتمع وتتلاقى وتتزاور، ويسند بعضها بعضًا وتجتمع على موائد الخير حتى بات الجار كأهل لجاره، تربطهم آصرة قوية من التقارب والألفة.

أما في شهر رمضان شهر الخير والعطاء فكانت موائدهم تمتد حتى لا يبق جائع، ويتبادلون الأطباق في كل ليلة من الشهر الفضيل.

ولما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي العالم الذي يعيش فيه الأفراد، وقلّ تواصلهم وتزاورهم على أرض الواقع، إذ أحدث هذا العالم الافتراضي شرخًا مجتمعيًا وتباعدًا بين الناس.

ومع ذلك، بحلول شهر رمضان الخير يعود الأفراد للتراحم والتزاور والشعور بالاطمئنان الروحي في شهر يذكرهم بجمال الاجتماع على سفرة واحدة، ويحيي روح المحبة والإخاء. فيبادر الكثير من فرق تطوعية وأيادي الخير بتوزيع السلات الغذائية لمن يصعب عليه قوته، ولإدخال السرور عليهم.

فشهر رمضان محطة لإحياء النفوس بالخير والمحبة.

شهر العطاء والوحدة

آيات علاء الشمري، طالبة جامعية في كلية المأمون: رمضان هو شهر تزدهر فيه قيم التراحم والعطاء، حيث يخلق بيئة اجتماعية تدفع الأفراد من مختلف الفئات للتقارب والتعاون. في هذا الشهر الفضيل، تتلاشى الفروقات الاجتماعية من خلال موائد الرحمن التي تجمع الأغنياء والفقراء، والمبادرات الخيرية التي يتشارك فيها الجميع بغض النظر عن خلفياتهم.

كما أن روح العطاء والتطوع التي تسود رمضان تعزز الترابط المجتمعي، حيث يعمل الأفراد سويًا لخدمة المحتاجين، مما يؤدي إلى بناء مجتمع أكثر وحدة وتلاحمًا. ومن خلال صلة الرحم والتزاور بين العائلات، تتعزز العلاقات الاجتماعية، فتقوى أواصر المحبة والإخاء بين الجميع.

بذلك، يساهم رمضان بشكل كبير في بناء جسور التواصل بين مختلف فئات المجتمع، مؤكدًا أن تماسك الأمة يكمن في تكافل أفرادها وتعاونهم.

بعد رحلةٍ بين آراء الخبراء وشهادات الشباب، يتبين أن العبادة الجماعية –وخاصة في رمضان– ليست مجرد تجمعاتٍ دينية، بل حاضناتٌ لصناعة الإنسان الاجتماعي القادر على العطاء. فمن تعلم التعاون عند الشيخ الأميري، إلى تكوين العلاقات الإيمانية مع محمد طالب، وصولاً إلى الرسالة التحفيزية التي تحدث عنها عباس شاكر، تتكشف صورةٌ لمجتمعٍ يتشكل من خلال لقاءات الصلاة والدعاء، وموائد الإفطار المشتركة.  

الأكاديميون كالدكتور حسام الربيعي ورنا الخالدي يرسمون خريطةً نفسيةً واجتماعيةً لهذا التأثير، بينما يرى الكاتب حيدر عاشور أن رمضان "مدرسةٌ روحيةٌ تُعيد تشكيل النسيج المجتمعي". كل هذه الرؤى تلتقي عند حقيقةٍ واحدة: أن العبادة الجماعية جسرٌ بين الفرد وقيم المجتمع، وبين الروحانيات والواقع.  

في الختام، يبقى التحدي الأكبر هو تحويل هذه القيم الرمضانية إلى ممارسةٍ يوميةٍ مستمرة، فكما يقول مصطفى معاش: "رمضان فرصةٌ للتغيير الروحي والاجتماعي". فلنحمل هذه الفرصة خارج أيام الشهر الفضيل، ونُحوّل دروس التعاون والتسامح إلى ثقافةٍ دائمة، تُذكِّرنا بأن بناء المجتمعات يبدأ من إنسانٍ واعٍ، يعي أن صلاته بالله لا تكتمل إلا بصلته بإخوانه في الإنسانية.

اضف تعليق