بعد مرور عشر سنوات على الاقتتال الذي قسم فلسطين، تبدي روضة الزعنون أخيرا استعدادا للعفو عن المسلحين الذين قتلوا ابنها وتقول إن الأمر كان مرا لكن آن أوان حقن الدماء، وقالت الأم البالغة من العمر 54 عاما خلال احتفال جماهيري لمصالحة عائلات ضحايا الاقتتال في مدينة غزة ”أصيب برصاصة في الظهر. سقط شهيدا. دم ابننا غال ولكننا أعطينا العفو من أجل حقن الدماء ومن أجل تجنب موضوع الثأر“.
كان ابنها علاء أبا لطفلين وكان ضابطا في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وقتل في يونيو حزيران 2007 بعد أن خرج مسرعا من منزله في مدينة غزة عند سماع نبأ إصابة عمه في اشتباكات بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة فتح، ومنذ الاقتتال الذي تفجر قبل عشر سنوات، تخضع الضفة الغربية لإدارة حركة فتح بقيادة علمانيين خلفوا الزعيم الراحل ياسر عرفات ويتولون أمر السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا وكذلك جميع المفاوضات مع إسرائيل، وطردت حركة حماس، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، حركة فتح من غزة وأدارت القطاع الساحلي الصغير الذي يقطنه مليونا نسمة، أي نحو نصف سكان الأراضي الفلسطينية، ومن المزمع أن ينتهي هذا الشقاق يوم الاثنين عندما تسلم حماس السيطرة على قطاع غزة إلى حكومة وحدة. وبرغم أنها وافقت على هذا الترتيب قبل ثلاث سنوات، يمثل قرار تنفيذه الآن تراجعا كبيرا لحماس التي تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية كبرى جماعة إرهابية، وقال يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة خلال اجتماع مع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع ”سنقدم تنازلات كبيرة جدا. وكل تنازل سيكون صاعقا ومفاجئا أكبر من الذي قبله لكي نحقق المصالحة. ويجب أن ينتهي الانقسام“، وإن تجرعت حماس كأس إنهاء الانقسام المريرة، لربما كان الأكثر مرارة تقبل الدور الذي لعبه دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة والمقيم في الخارج والذي كان ذات يوم أشد خصوم حماس، لكنه يلعب الآن دورا رائدا في الجهود الإقليمية لإعادة غزة إلى التيار السياسي الفلسطيني الرئيسي.
ويقول مسؤولون من طرفي الانقسام الفلسطيني ومن دول عربية أخرى إن دحلان المقيم في الإمارات منذ 2011 يقف وراء تدفق أموال لدعم قطاع غزة وإحداث انفراجة بين حماس ودول عربية منها مصر.
ولم يرد مكتب دحلان على طلب رويترز التعليق، وقد تكون لعودة دحلان إلى دائرة الضوء عواقب عميقة على السياسة الفلسطينية لا تقل عن المصالحة نفسها. ومثلما كان مكروها في غزة عندما كان يسعى لاستئصال حماس، ربما تكون قيادة حركة فتح في رام الله أكثر بغضا له لتحديه سلطة الرئيس محمود عباس، ودحلان شخص طموح صاحب كاريزما، ويعتقد كثيرون منذ فترة طويلة أنه يطمح لخلافة عباس البالغ من العمر 82 عاما.
من أجل فلسطين
من المبادرات التي روج لها دحلان في غزة برنامج المصالحة بين عائلات مثل الزعنون و19 عائلة أخرى قبلت كل منها 50 ألف دولار دية من صندوق خيري مصري إماراتي مقابل التخلي علنا عن طلب الثأر لمقتل أبنائها.
وسيكون من الصعب اندمال الجراح القديمة. ويحمل ناشطون من الجانبين ذكريات عن إقدام خصومهم على إطلاق النار على ذويهم أو تعذيبهم في السجون، وقالت روضة الزعنون إن عائلتها اتخذت قرار المصالحة رغم حزنها العميق على فقد ابنها. وأضافت ”قرار العفو لم يكن سهلا لأن هذا هو دم ابننا ودم ابننا غال ولكننا وافقنا من أجل حقن الدم من أجل غزة المحاصرة ومن أجل فلسطين“، وأضافت ”أنا أدعو كل أهالي الشهداء اللي أولادهم قتلوا أن يعفوا ويسامحوا لأنه مفيش فايدة من الثأر وجر الساحة من جديد للدم والقتال“، وجمع دحلان ملايين أخرى لتمويل حفلات زفاف جماعية لمئات الشبان وتوزيع مساعدات نقدية على آلاف الأسر الفقيرة، روضة الزعنون والدة علاء الزعنون، وهو ضابط في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية قتل في غزة في عام 2007، تجلس مع ابنته في منزلهم بغزة يوم 24 سبتمبر أيلول 2017. تصوير محمد سالم - رويترز.
واستخدم دحلان أيضا علاقته الوثيقة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على وجه الخصوص لاستعادة نفوذه. والسيسي، الذي جاء إلى السلطة بعد إسقاط رئيس من جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي لها حماس، يسيطر على الحدود الوحيدة غير المتاخمة لإسرائيل مع غزة ويحمل مفاتيح انتعاشها، وقال مصدر خليجي طلب عدم نشر اسمه لرويترز ”عمل دحلان بدأب من خلال اتصالاته مع المخابرات المصرية وأحيانا بتدخل مباشر من السيسي“.
وربما تكسبه الاستراتيجية سمعة طيبة، إذ أظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية أن أولئك الذين ما زالوا يؤيدون حركة فتح في غزة يغيرون ولاءهم لدحلان. وأشار الاستطلاع إلى أن شعبية دحلان عند سكان غزة ارتفعت خلال الشهور التسعة الماضية من تسعة في المئة إلى 23 في المئة.
ويشير تسليم السلطة المزمع في غزة إلى أن حلفاء دحلان في مصر والإمارات يدركون أن أي محاولة لترتيب البيت الفلسطيني في الوقت الراهن على الأقل يحتاج إلى الوحدة، وقال المصدر الخليجي ”في كل مرة يتحدث أحد إلى (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو يقول كيف يمكن التوصل إلى حل مع انقسام الفلسطينيين؟، وأضاف المصدر ”المصالحة مسعى من جانب عدة دول ذات فكر مشترك تتطلع إلى حل شامل“.
علاقات متوترة
بينما تعاني حماس نقص الأموال وقلة الأصدقاء، ربما لا تملك خيارات تذكر سوى تقديم تنازلات بعد أن ظلت لسنوات تتلقى دعما اقتصاديا مستقرا من تركيا وقطر التي تستضيف مقرها، لكن في الأشهر القليلة الماضية يتعرض أصدقاء حماس لضغوط لاسيما قطر التي فرضت مصر والسعودية والإمارات مقاطعة اقتصادية ودبلوماسية عليها متهمة إياها بدعم جماعات إرهابية، ربما كان في مصافها حماس بحسب منظور هذه الدول.
وخلفت ثلاثة صراعات مع إسرائيل أحياء مهدمة كثيرة في غزة. وتعطلت عملية إعادة الإعمار بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل والقيود التي تفرضها مصر على الحدود والتي يملك السيسي سلطة تخفيفها.
وتتهم شخصيات في حماس عباس وفتح ودحلان بتشجيع مصر ودول عربية أخرى على مواصلة الضغط الاقتصادي على حماس لإجبارها على الموافقة على المصالحة، وقال سامي أبو زهري القيادي في حماس لرويترز ”أحد دوافعنا هو تجنيب شعبنا في غزة هذه المعاناة التي ارتكبت هذه المرة بأيد فلسطينية“، وأشاد ناصر القدوة المسؤول الكبير في حركة فتح بخطوات حماس نحو المصالحة وأرجع التغير المفاجئ في مسار الحركة إلى أزمة الحكم التي تعيشها حماس وأزمة التحالفات الخارجية فضلا عن صعوبة ظروف بعض حلفاء حماس التقليديين، وسيكون التحدي الأكبر أمام حكومة التكنوقراط في سعيها إلى تحقيق مبادرة الوحدة بسط هيمنتها على الأمن في غزة وحدودها.
وقال رئيس الوزراء رامي الحمد لله في بيان إن على حماس في نهاية المطاف تسليم جميع المعابر والإدارات الأمنية والحكومية، وفي غزة مئات الصواريخ بحوزة جناح حماس المسلح وتصر الحركة على عدم التخلي أبدا عن ترسانتها التي تقول إنها ضرورية لمواجهة إسرائيل، وأقر موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في مقابلة مع صحيفة الحياة هذا الشهر بأن قرارات القتال أو تحقيق السلام مع إسرائيل يجب الاتفاق عليها في المستقبل مع فتح، لكنه أشار إلى أن حماس ستبقي أصبعها على الزناد وأن مسألة ”أسلحة المقاومة“ لن تكون على طاولة الحوار.
اضف تعليق