في الآونة الأخيرة برزت في العراق عشرات مكاتب السفر الصحي والاستشفائي وفي جميع محافظات، إيذانا بموسم الهجرة الى (إيران، لبنان، تركيا، الهند) وبلدان أخرى بغية العلاج خارج البلد، بل الأنكى من ذلك أن وزارة الصحة العراقية هي أيضا مدعوة لتلبية تلك الدعوة، وهناك ثمة طابور طويل وعريض من المرضى المسجلين في سجلاتها الرسمية للعلاج خارج القطر.
وبطبيعة الحال هناك مجموعة إجراءات مالية واصولية تطال هذا الامر، لاسيما على صعيد الإقامة والسفر والحاجة للمترجم واجور العلاج، إلا أن ذلك ليس بيت القصيد بل ما يعنينا هل العلاج خارج العراق حقيقة ام وهم، وهل الطب في العراق عاجز عن معالجة الكثير من الحالات، وما هي الإضرار الصحية والنفسية والسلوكية للأسر الفقيرة التي ليس بمقدورها الاستشفاء خارج العراق.
وعلى الرغم من ذلك فأن الكثير ممن أدلوا برأيهم في الاستطلاع حول الموضوع لا ينتابهم الشك في توفر كفاءات عراقية جيدة في البلد، إلا انهم في ذات الوقت يرون ان غياب التقنيات وتردي اوضاع المستشفيات، وهجرة العقول تسببت في تردي مستوى العلاج في العراق الى حد كبير.
إذ يقول الطبيب محمد عبيس في هذا الصدد ان معرفة الطبيب تبقى عاجزة امام توفير العلاج المناسب في ظل غياب الوسائل من تقنيات وأدوية، ويتابع عبيس: عملية علاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان على سبيل المثال لا تكتمل بفحص الطبيب، فهذه خطوة بسيطة في مسيرة العلاج تحتاج الى الإمكانيات الفنية والكوادر الوسطية والصحية.
في حين يوضح الطبيب عباس الطائي قائلا: ان وزارة الصحة نفسها، تعترف بعدم قدرة المستشفيات العراقية على توفير الكثير من العلاجات، لذا ترسل الحالات المستعصية التي لا يتوفر لها علاج إلى الخارج بحسب استشارة طبية.
قلة الخدمات
بينما يتساءل علي ابراهيم أحد المراقبين للشأن الصحي في العراق عن أسباب الاهمال في المستشفيات الحكومية ومن المسؤول عنه؟، ويضيف ابراهيم: هناك غياب المتابعة وقلة الخدمات وازدياد المحسوبيات.
وتفتقر المستشفيات الحكومية في العراق الى الخدمات الطبية المتطورة والى المعدات الطبية الخاصة بغرف الانعاش والعمليات والتشخيص. وحتى قبل عام 2003، يقصد العراقيون الاطباء في الخارج للعلاج في مستشفياتها التخصصية.
وأحد الأسباب المهمة لتفضيل الكثير من المواطنين التطبب في الخارج، هو هجرة أعداد كبيرة من الأطباء العراقيين الاختصاصيين طيلة السنوات السابقة، إضافة الى عدم تجديد وتحديث وتطوير المستشفيات في العراق.
أما بالنسبة للأغنياء في العراق فانهم يفضلون منذ عقود التطبب في الخارج. وتخصص الحكومة العراقية، سنويا مخصصات لنفقات علاج مرضى الأمراض المستعصية في خارج العراق في دلالة على عدم توفر الإمكانية لعلاج مثل هذه الأمراض في الداخل.
وبحسب وزارة الصحة العراقية فان حوالي 1500 عراقي تحملت الدولة نفقات سفرهم للعلاج في الخارج العام الماضي.
وفي كل مدن العراق بلا استثناء، يوجد سماسرة يتبعون الى شركات أهلية (طبية) لتنظيم رحلات علاج للمرضى، وغالبا ما يلمح الفرد إعلانات علقت في الشوارع تقدم عروض العلاج في الهند ولبنان ولندن وإيران.
الأمراض المستعصية
جبار فضيل يروي تفاصيل رحلته مع المرض بالقول ان الفحوصات في العراق، أثبتت إصابته بالتهاب في الكبد، وعلى رغم ان هذا العلاج يتوفر في العراق، الا ان أطباء نصحوه بالسفر الى الهند أو إيران بغية العلاج الافضل.
ويتساءل فضيل: يفقد الانسان ثقته بقدرات بلده الطبية والعلمية حين يسمع ان الطبيب نفسه ينصحه بالعلاج في الخارج، ويسافر أغلب مرضى السرطان للعلاج خارج العراق لاسيما الهند وإيران وبدرجة اقل في الاردن.
ومن وجهة نظر سعد حسن الذي عولج من مرض اللوكيميا في الهند فان الجرعات التي تلقاها في الهند اقل بكثير مما لو بقي في العراقـ ومن الامراض التي يفضل اصحابها علاجها خارج العراق بعض أمراض العيون.
علي حسن الذي اصيبت عينه بالتهاب حاد جراء خطأ طبي في مستشفى الحبوبي العام بمدينة الناصرية (375كم جنوبي العاصمة بغداد)، يفضل العلاج خارج العراق بعدما اثبتت الفحوصات والتقارير الطبية استحالة معالجته داخل البلاد.
وعلي واحد من عدة مرضى تسببت أخطاء طبية في مستشفى الناصرية في إصابتهم بالتهابات حادة تهددهم بالعمىـ مريض آخر هو الطفل احمد حسين الذي اثبتت الفحوصات انه مصاب بسرطان في النخاع، حيث خيره الأطباء في مستشفى الطفل العربي في بغداد بين البقاء داخل المستشفى للعلاج بالكيماوي وإما السفر الى الهند تحديدا حيث يمكن زرع نخاع جديد له.
ومن الأمراض الأخرى الشائعة العلاج خارج العراق مرض التلاسيميا (فقر الدم المزمن)، وبسبب هذا المرض، سافر الطفل رحمن عبد الى الاردن للعلاج ومازال يتردد الى عمان لإتمام علاجه.
الشيخ حسين ساهي الجبوري يتهيأ للسفرة الرابعة الى الهند، لعلاج مرض السكر في عينيه، حيث أجريت عملية جراحية له، والى الان لم تظهر بوادر النجاح لكنه يستمر على العلاج، على أمل ان يشفى تماما.
وتشير تجرية ليث حميد الذي سافر الى ايران لطلب الشفاء من مرض (الكنكر) في قدمه فان العلاج في المستشفيات الايرانية رخيص الثمن بسبب انخفاض قيمة العملة الايرانية مما يلقي أعباء اقل على المريض العراقي.
ويثني حميد على المستشفيات الخاصة بالهند، حيث أثبتت تجارب المرضى العراقيين انها حققت نسب شفاء جيدة حتى في الأمراض المستعصية مثل بعض أنواع السرطانات.
من الأسباب التي جعلت من إيران والهند مقصدا لمرضى العراق رخص الاسعار قياسا الى الدول المجاورة مثل الاردن وأروبا وتركيا.
أضف الى ذلك سهولة وسرعة الحصول على الفيزا، كما ان اجراءات السفر الى الهند سهلة وتنسق من قبل متعهدين وإدلاء، اذ يصل المريض بسهولة الى المستشفى المقصود ويحاط بالرعاية والخدمات، اضافة الى توفر الادلاء والمترجمين.
ويحسب الطبيب نعمان قاسم فان حوالي ثمانية من أصل عشرة مرضى يفضلون السفر الى الهند او ايران للتطبب، لكن عددا اقل يذهب فعليا الى هناك، اما الباقي فيفضل البقاء في العراق لعدم امتلاكه المبالغ الكافية للعلاج.
وتشير تجربة سعد حسن الذي يعمل في مكاتب السفر انه نظم في شهر واحد برنامج علاج لعشرة مرضى في مستشفى ماكس في نيودلهي، ويخمن حسن ان المستشفى تستقبل حوالي مائة وخمسين مريضا كل شهر من العراق، وعلى مدى ستة اشهر انفق محمد امين المصاب بسرطان في الدم حوالي عشرين الف دولار كنفقات سفر وعلاج، ومازال العلاج مستمرا، ويثني امين كثيرا على الخدمات وطرق العلاجات التي عايشها في الهند، مؤكدا ان هذا ليس دعاية مجانية بل حقيقة يحب ان تقال، ويشعر امين بالألم لان بلدا مثل العراق لا تتوفر فيه طرق العلاج الصحية التي صادفها في الهند، من ناحيته يؤكد الطبيب علي صاحب ان توفر تقنيات العلاج واعادة تأهيل مستشفيات العراق هو الحل لتامين علاج محلي لمرضى فقدوا ثقتهم بالمؤسسات الطبية العراقية.
اضف تعليق